أمام حشدٍ غير مسبوقٍ يزحف إلى المختارة اليوم

جنبلاط... لن يدخل «السجن الصغير»

1 يناير 1970 01:39 ص
لم يتعوّد وليد جنبلاط إحياء ذكرى والده كمال جنبلاط بأكثر من «وردةٍ» على الضريح، فما الذي تَغيّر لتكون الذكرى الـ 40 لاغتيال «المعلّم» هذه السنة حدَثاً غير مسبوقٍ يَحشد له وليد بك ويُشْرِف على ترتيباته اللوجستية ويَسهر على جعله يوماً مشهوداً لا يشبه كل الأيام؟

اليوم الأحد سيكون «الجبل» ومعه لبنان على موعدٍ مع «انتفاضةٍ جنبلاطية»... حشودٌ من المدن والقرى والدساكر، وهواجسُ كالجمر فوق الرماد، أجيالٌ وأعلامٌ وصراعُ بقاءٍ، زحْفٌ وكلامٌ وسواعد، كأن في الأمر «معركةً وجودية» لا أكثر ولا أقلّ.

هكذا ستكون المختارة، «عاصمة» الموحّدين الدروز، ومعها الشوف وعاليه وعموم جبل لبنان الجنوبي. فجنبلاط، الأكثر براغماتية وثقافة من بين الزعامات السياسية اللبنانية لن يسلّم بمصير «الهنود الحمر»، وسيقاوم أسْره في المعادلة الطائفية، وربما يصرخ على الملأ اليوم... لسنا لقمة سائغة.

قبل أربعين عاماً اغتيل كمال جنبلاط بعدما أبلغ الى الرئيس الراحل حافظ الأسد انه لن يدخل «السجن السوري الكبير». وبعد 40 عاماً ينتاب وليد جنبلاط شعور بأن هناك مَن يريد إدخاله «السجن الدرزي الصغير»، ولذا قرّر استنفار «روح الفولاذ» (تعريب لعبارتيْ جان بولاد) لمقاومة ما يعتبره أنصارُه اغتيالاً سياسياً.

وثمة مَن يعتقد ان جنبلاط، الذي غالباً ما يقال عنه إنه قارئٌ بارع للتحوّلات، يتعرّض لعمليةِ «تصفيةِ حساباتٍ» متعددة الجهة، انتقاماً من أدواره المحورية في حقباتٍ مختلفة، والتي جعلت منه «بيضة القبان» في إدارة اتجاهات اللعبة السياسية في لبنان نتيجة قدرته على التكيّف استناداً الى زعامته الدرزية الثابتة.

وبدا ان الجميع، من خصوم جنبلاط وحلفائه، يريدون الاقتصاص منه. فهو كان رأس حربة «14 آذار» قبل ان يُتّهم بالانقلاب عليها وتمكين الآخرين من الإطاحة بالرئيس سعد الحريري، وهو الذي تجرّأ على وصْف سلاح «حزب الله» بـ «سلاح الغدر» قبل ان يختار تطبيع العلاقة مع الحزب، وهو رغم «أبوّته» للمصالحة المسيحية - الدرزية، يتم التعاطي معه كـ «شريكٍ مُضارِب» للأحزاب المسيحية في الجبل.

وبدأ جنبلاط يدرك محاولةَ تهميشِ دوره حين جرى طبْخ التسوية السياسية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وأعادت الرئيس الحريري الى السرايا الحكومية من خلف ظهره، ثم بـ «تحجيم» حضوره في الحكومة، هو الذي حرص على «الانحناء» لإمرار استحقاقاتٍ، يعي أهميتها والحاجة اليها، لكن الأهمّ أنه فَهِم أنها وليدة تَوافُقاتٍ إقليمية ودولية.

غير ان النقطة التي طافتْ بها «القلوب المليانة» تجلّتْ في أداء حزب السلطة، اي «التيار الوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل، المتَّهَم بركوب خطابٍ استفزازي في مواجهة جنبلاط وحزبه (الحزب التقدمي الاشتراكي)، بدءاً من صِيَغ قانون الانتخاب التي اقترحها، وصولاً الى افتعاله معركة غير مبرَّرة حيال رئاسة مجلس الشيوخ، مروراً بالكلام عن انه لا يحق لجنبلاط تسمية مرشح مسيحي في الانتخابات.

وفي قانون الانتخاب لم يكتم جنبلاط غضبه في بادئ الأمر من محاولة حرمانه من الفوز بكتلةٍ نيابية متنوعةِ الانتماءات الطائفية... حتى في عزّ المارونية السياسية، كان أربابها وخصومها يتمتعون بتمثيل نيابي تَعدُّدي... هكذا كان الحال في الجبل أيام كميل شمعون وكمال جنبلاط، وأيام الأحلاف العابرة للطوائف والمناطق على عكس ما يجري الترويج له اليوم.

هذا المناخ أفضى الى احتقانٍ هدّد بانفجار «الودّ الملغوم» بين جنبلاط والعهد، وهو ما تجلى في هجماتٍ متبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي بين المحازبين، استَحضرت اتهاماتٍ تعود الى أيام الحرب، الأمر الذي اضطُر قيادتيْ الاشتراكي والتيار الوطني الحر للتدخل وإصدار بيانات لسكبْ مياهٍ باردة على الاشتباكات الكلامية وإخمادها.

ومن غير المستبعد ان يخرج جنبلاط أمام الحشود الهائلة عن النص، وسيوظف على الأرجح «عرض القوة» لحضّ الجميع على حماية المصالحة والتعددية والمشاركة... سيلوّح للحشود بيد وسيمدّ للآخرين يده الأخرى، في عمليةِ تأكيدٍ على مكانته في المعادلة السياسية وزعامته لجبل لبنان الجنوبي بمشاركة الجميع.