قراءة في ديوان / خلال ديوان صدر عن منشورات «ذات السلاسل» في الكويت

«تدروشوا تعمموا» لخليفة الوقيان... رحلة في أدغال النفس البشرية

1 يناير 1970 09:37 م
الصور الشعرية التي يسوقها الشاعر عبر قصائده تتسم بالقوة والقدرة على تأكيد الفكرة بكثير من الصدق

يقتحم الوقيان مناطق إنسانية واجتماعية وقومية عدة... في أنساق شعرية مفعمة بالحيوية والحركة

ستظل قصائده رغم مرور سنوات على كتابتها من الآثار الشعرية الخالدة على مر العصور
يجنح الشاعر الدكتور خليفة الوقيان في شعره إلى مواضيع ذات علاقة وثيقة بالإنسان، كما أن رؤيته دائما ما تمس قضايا حيوية، يحرص على تأكيدها بكثير من الدقة والتجويد، والتواصل الضمني مع روحه الشاعرة.

وفي ديوانه «تدروشوا... تعمموا»، الصادر عن منشورات «ذات السلاسل»، يقتحم الوقيان مناطق إنسانية واجتماعية وقومية عدة، في أنساق شعرية مفعمة بالحيوية والحركة، كما أن لديه القدرة على تنظيم مفرداته بأسلوب يدعوا المتلقي إلى التأمل والدخول إلى مناطق شعرية متواصلة مع الحياة بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء.

يقول الوقيان في قصيدة «ثرثرة» استهل بها ديوانه:

الصمت يخمد في زمان الثرثرة

والصامتون عيون حق مضمرة

غابت شموس الساهرين الحالميـ

ن الحالمين رؤى الليالي المقمرة

وعلا ضجيج السارقين العابثيـ

ن الراقصين على حبال الحنجرة

والصور الشعرية التي يسوقها الشاعر عبر قصائده تتسم بالقوة والقدرة على تأكيد الفكرة بكثير من الصدق الذي يتمتع به الوقيان في قصائده، ومن ثم جاءت قصيدة «التوأمان» في سياق قومي ملهم، وهي التي انبثقت كإلهام فجرته الأجواء التي أحاطته خلال ذهابه إلى بيروت بعد الحرب الأهلية فيها، مسترسلا في وصف مشاعره التي يختلط فيها الماضي بالحاضر... والتي يقول فيها:

بيروت

سوسنة الحواضر

نفحة الزمن المعطر بالحنان

صنين فارق جبة الشيخ

المعمم بالوقار

تمزقت حلل الصنوبر

غادر الصنوبر حقل الكرم

هدّ التيه ظهر الأرز

وانسفحت الأرض الدنان

وتألق الشاعر عبر قصيدة «تدروشوا... تعمموا»- والتي أخذت عنوان الديوان- بفضل ما تحمله من مضامين ناقدة، عبّر الشاعر من خلالها عن رأيه بكل صراحة في الكثير من الأمور التي تتعلق بالمظاهر الخادعة، والغلو، والتي نشرها الشاعر في جريدة «القبس» في العام 1999، وكان لها ردود فعل متباين سواء معها أو ضدها، كما تفاعل معها الكثير من الشعراء في الكويت بالتأييد والمعارضة ليقول:

مضى زمن أشرقت

به العقول فيكم

وأقبلت جحافل

من الظلام ترزم

تحسسوا رقابكم

فللسكاكين فم.

وفي قصيدة «رسالة نصية»... ظهر العنصر الوجداني، الذي تبدو فيه المفردات أكثر إشراقا وتميزا، كما أن التنوع الدلالي في الصور الشعرية أسهم في إيجاد لغة متصلة، تتفاعل في أشكال مباشرة مع المشاعر الإنسانية المفعمة بالحلم ليقول:

أشعل سراجك قرص الشمس قد غابا

وأرسل الليل حراسا وحجابا

أشعل سراجك هذي الأرض ما برحت

سحابة الحب والأنوار أحقابا

فيما اتسمت قصيدة «دوعنيّة»... بالاحتفال الشعري الذي أولاه الشاعر للطبيعة، في صور مغايرة، ومحلقة في أجواء إنسانية عدة: «لكل الفصول أزهارها/‏ عطرها/‏ زقزقات عصافيرها/‏ رفيف فراشاتها/‏ في البكور»، ثم بدت قصيدة «ذكرى» متنوعة في صياغتها ولغتها، وموضوعها الذي يرحل فيه الشاعر بوجدانه إلى الماضي... وتناغمت المفردات مع الموسيقى الشعرية في قصيدة «فراشتان»:

فراشتان أنتما عصفورتان

توّقف الزمان حين كنتما

تحرك المكان

فاحتشدت معازف شتى

تدفقت نسائم الجنان

وقصيدة «لا عتبى ولا أسف» رد فيها الشاعر على قصيدة «خطوات على الأعراف» للشاعر الدكتور سعد مصلوح والتي-أيضا- نشرت في الديوان... وهي القصيدة التي تضمنت رؤى الوقيان في الحياة والكثير من الموجودات المحيطة بنا في مدلولات شعرية تتحرك في أكثر من اتجاه ليقول:

تتبهرج الأضداد ناصية

أشراكها وذوو النهى هدف

ولرب مخبوء نجن به

ويسوقنا لسديمه شغف

فإذا انجلى عدنا بلا ثمر

لا در فيما يكتم الصدف

تعبت رواحلنا فهل تقف

الآن لا عتبى ولا أسف

إن الشاعر خليفة الوقيان من الشعراء الذين احتفظوا بالشعر الأصيل الذي يتسم بالحداثة ليس فقط من خلال الشكل ولكن أيضا من خلال المضمون والدلالات، وستظل قصائده رغم مرور سنوات على كتابتها... من الآثار الشعرية التي ستظل خالدة على مر العصور والأزمان، لأنها سابقة لعصرها، ومعبرة عن الماضي والحاضر معا، كما أنها تتطلع- في أفكارها ومواضيعها- إلى المستقبل سواء القريب منه أو البعيد.