الشيخوخة البيولوجية... تبدأ «غزواتها» تدريجياً في عشرينات عُمرك!
من إعداد: عبدالعليم الحجار
1 يناير 1970
08:33 م
هجمات «الشيخوخة البيولوجية» قد تبدأ في سن مبكرة نسبياً لكنها تكون بطيئة التقدم وطويلة الأمد ولا تظهر أعراضها الخارجية إلا في خمسينات وستينات العمر
إذا تخيلنا أن الشيخوخة هي عبارة عن «جيش»... وأن جسمك هو «أرض دولة»... وأن أعضاءك هي «مناطقها»... وأن ذلك الجيش يسعى إلى احتلال تلك الدولة، فإن ذلك سيسمح لنا بأن نوضح أن فيالق ذلك «الجيش» لا تغزو تلك «الدولة» وتحتلها في وقت واحد... بل تغزوها منطقة تلو الأخرى إلى أن تحتلها عن آخرها في نهاية المطاف.
وتوضيحا للصورة أكثر، فإن التعريف العلمي لمصطلح «الشيخوخة» من المنظور البيولوجي هو كالتالي: وصول أنسجة أي عضو في الجسم إلى النقطة التي يتوقف عندها عن بناء خلايا جديدة، أو عن الاستعاضة عن الخلايا التي تموت بأخرى جديدة، أو أن تصبح وتيرة بناء خلايا جديدة أبطأ من وتيرة انهدام جزء من خلاياه بيولوجيا.
من هذه الزاوية، نلقي نظرة من خلال هذا التقرير على نطاق العمر الذي يصل فيه كل عضو إلى بداية رحلة شيخوخته البيولوجية الخاصة به:
نحن جميعا نتفهم ونستسلم لفكرة حتمية الشيخوخة مع تقدم سنوات العمر، لكن باحثين اكتشفوا أبعادا أخرى لتلك الفكرة، ألا وهي أن كل عضو من أعضاء الجسم البشري يبدأ شيخوخته الخاصة به في مرحلة مختلفة من العمر.
وبيولوجياً، هذا يعني أن الشيخوخة تشن «حملات غزو» لأعضاء جسمك واحدا تلو الآخر على فترات متتابعة تفصل بين كل واحدة والأخرى سنوات، لكن الأمر الذي قد يكون مثيرا لمزيد من الدهشة هو أن أولى حملات غزو أعضاء جسمك تنطلق في منتصف وأواخر العشرينات من عمرك وتستهدف الدماغ والرئتين والجلد! ومع أن تلك الحملات قد تبدأ مبكرا، فإنها تكون الأبطأ تقدما والأطول استمرارية على مدار العمر ككل، ولا تظهر أعراضها الخارجية إلا في خمسينات وستينات العمر.
وعلى إحدى جبهات ذلك «الغزو الشيخوخي»، اكتشف باحثون فرنسيون أن قوة وعنفوان الحيوانات المنوية (النطف) لدى الرجال تبدأ في التراجع تدريجيا في منتصف ثلاثينات العمر، لذا فإن أكثر من ثلث حالات الحمل من رجال تتراوح أعمارهم حول 45 عاما تنتهي بالاجهاض في بداياتها, وهذا يعني أن شيخوخة خصوبة الرجل تبدأ بيولوجيا في بدايات الأربعينات أو حتى أواخر الثلاثينات من عمره، لكن هذا لا يعني طبعا أنه يفقد تماما القدرة على التخصيب.
واستنادا إلى نتائج أبحاث ودراسات مماثلة في هذا المجال، نستعرض في التالي العمر الذي تبدأ عنده «الشيخوخة البيولوجية» لكل عضو من أعضاء جسمك الرئيسية إيذانا ببدء معركته مع الزمن، وهي المعركة التي تنتهي بهزيمته الحتمية مهما طال أمدها.
وقبل الشروع في الاستعراض، من المهم التنبيه إلى أن جميع أعمار الشيخوخة البيولوجية التي سنذكرها هنا لتلك الأعضاء هي أعمار تقديرية ولا تعبر إلا عن معدل عام، كما أنها نسبية - أي أنها تتفاوت بعض الشيء من شخص الى آخر وتتنوع باختلاف المجتمعات والبيئات وأنماط التغذية وما إلى ذلك.
الدماغ
تبدأ شيخوخته البيولوجية ببطء في أواخر الـعشرينات وأحيانا في منتصفها، ثم تبدأ بالتسارع التدريجي عند بلوغ سن الكهولة.
ويبدأ الأمر بأن يتوقف الدماغ عن بناء خلايا عصبونية جديدة، ويستمر الوضع على ذلك الحال لبضع سنوات قبل أن يبدأ عدد تلك الخلايا في النقصان. فحتى بداية العشرينات من العمر، يصل عدد تلك الخلايا إلى أكثر من 100 مليار خلية. لكن قبل بلوغ نهاية عشرينات العمر يبدأ ذلك العدد في التناقص بوتيرة تدريجية بطيئة نسبيا وصولا إلى سبعينات وثمانينات العمر، حيث قد يهوي العدد الإجمالي الى 40 مليار خلية فقط. وأحيانا يبلغ معدل فقدان خلايا المخ في أرذل العمر 10.000 خلية في اليوم الواحد، ما يؤثر بشدة على قوة الذاكرة وحتى على تناسق واستقرار وظائف المخ الحيوية.
الرئتان
على غرار الدماغ، تبدأ شيخوخة خلايا الرئتين في النصف الثاني من عشرينات عمرك أو في أواخره، حيث تبدأ سعة الرئتين في التقلص قليلا. ولدى بلوغ الأربعين، تبدأ أعراض شيخوخة الرئتين تطل رأسها حيث قد يبدأ بعض الأشخاص في الشكوى من مشاكل أو صعوبات طفيفة في التنفس، وقد يعود هذا جزئياً الى كون عضلات القفص الصدري التي تسيطر على عملية التنفس تصاب بنوع من الضعف او التصلب. ويستمر غزو الشيخوخة للرئتين حتى تتجلى تأثيراتها بوضوح أكثر في العقدين السادس والسابع من العمر.
الجلد
قد يبدو الأمر غير قابل للتصديق، لكن الحقيقة البيولوجية هي أن شيخوخة الجلد والبشرة ككل تقوم بتفعيل آليتها الطبيعية ابتداء من أواخر عشرينات العمر، لكن تأثيرات وأعراض تلك الآلية لا تظهر بوضوح إلا بعد مرور 15 إلى 20 سنة.
العظام
لا تندهش إذا علمت أن شيخوخة عظامك تشن أول هجوم في النصف الثاني من ثلاثينات عمرك. قبل ذلك الهجوم، تكون خلايا عظامك متجددة باستمرار بمعنى أن الخلايا التي تندثر طبيعيا تحل محلها خلايا بديلة جديدة. وبينما يكون نمو وتجديد خلايا العظام لدى الاطفال والمراهقين سريعا جداً وصولا إلى سن الخامسة والعشرين تقريبا، فإن تلك الوتيرة الحيوية تتباطأ تدريجيا إلى أن تتوقف وتبدأ في رحلة التراجع بعد سن الـ 35، إيذانا ببدء شيخوخة الهيكل العظمي ككل وبدرجات متفاوتة لكل نوع من العظام.
الأسنان
رحلة شيخوخة الأسنان تنطلق في سن الأربعين تقريبا، إذ تتناقص إفرازات اللعاب التي تلعب دورا في مكافحة البكتيريا، فتكون نتيجة ذلك أن الأسنان واللثة تصبح أكثر عرضة للإصابة بالتسوس كما أن اللثة تصبح معرضة للانحسار والالتهابات.
القلب
شيخوخة القلب تبدأ تسللها إليه حول الأربعين من العمر، حيث يبدأ تراجع مستوى كفاءته في ضخ الدم الى كافة اجزاء الجسم، ثم يتواصل ذلك التراجع تدريجيا مع مرور السنوات. ويعود السبب في ذلك إلى أن الأوعية الدموية تصبح أقل مرونةً، علاوة على أن الشرايين قد تصاب بتصلبات أو انسدادات الترسبات الدهنية التي تتكون في الشرايين التاجية المغذية للقلب، وبالتالي تقل كمية الدم الوارد الى القلب، ما قد يؤدي الى الإصابة بذبحة صدرية مؤلمة. واحصائيا فإن الرجال ممن فوق سن الـ 45 والنساء ممن فوق سن الـ55 أكثر عرضة لخطر الإصابة بمثل تلك النوبات القلبية.
الكبد
إذا لم يكن مصابا بتليف مزمن أو اي مرض خطير آخر، فإن كبدك يدخل مرحلة شيخوخته في منتصف الستينات أو حتى أوائل السبعينات من عمرك. وهناك شبه إجماع في الأوساط الطبية على أن الكبد هو العضو الأكثر صمودا وتحديا في مواجهة غزو الشيخوخة.
العضلات
يبدأ تسلل الشيخوخة إلى أنسجة عضلاتك في أواسط العقد الثالث من عمرك. قبل ذلك تكون عضلاتك في عملية تجدد مستمر، بمعنى أن خلايا تنتهي وتتولد خلايا جديدة عوضا عنها في عملية تكون متوازنة ولصالح النمو في عمر الشباب. لكن بعد منتصف ثلاثينات العمر تبدأ تلك المعادلة في التراجع ببطء تدريجي ليقل معدل البناء مقارنة بمعدل الهدم ولدى بلوغ البالغين سن الأربعين تبدأ العضلات في فقدان ما بين 0.5 الى 2 في المئة من خلاياها سنوياً، لكن التمارين الرياضية المنتظمة يمكنها أن تسهم في كبح وتيرة ذلك التناقص الشيخوخي.
الكليتان
شيخوخة الكليتين تجد طريقها اليهما ابتداء في أواخر أربعينات العمر، إذ يبدأ عند ذلك تناقص أعداد وكفاءة عمل وحدات التصفية التي تسمى «نيفرونات»، وهي الوحدات المسؤولة عن ازالة النفايات وبعض السموم من الدم وسوائل الجسم الأخرى.
المعدة والأمعاء
يدق جرس إنذار بدء شيخوخة المعدة والأمعاء في أوائل الخمسينات من العمر. والامعاء الطبيعية الشابة هي تلك التي يكون فيها توازن مثالي بين البكتيريا الضارة والبكتيريا المفيدة على نحو يضمن أداء وظائفها الهضمية بسلاسة. لكن ما ان تشن الشيخوخة هجومها على الأمعاء والمعدة عند بلوغ الخمسين، يبدأ مستوى البكتيريا المفيدة بالتراجع بشكل ملحوظ، وبخاصة في الأمعاء الغليظة. وكنتيجة لذلك، يبدأ الشخص في الشكوى من سوء الهضم، إلى جانب زيادة احتمالات اصابته بأمراض الأمعاء. كما تزداد احتمالات الإصابة بالامساك مع تقدم مسيرة شيخوخة الأمعاء والجهاز الهضمي عموما، وذلك بسبب التناقص المستمر لإفرازات العصارات الهضمية من المعدة والكبد والبنكرياس والامعاء الدقيقة.
المثانة
احتمالات بدء شيخوخة مثانتك البولية تكون مرجحة مع بدء العقد السادس من عمرك، وغالبا ما تبدأ أعراض فقدان السيطرة على المثانة في الظهور عند بلوغ سن الـ 65. والنساء أكثر عرضة لاحتمالات الاصابة بمشاكل المثانة بعد بلوغهن سن انقطاع الحيض وما يصاحبه من تراجع مستويات هورمون الاستروجين، وهو الأمر الذي يجعل أنسجة الحالبين اللذين يسري فيهما البول أضعف من ذي قبل. كما تتسبب شيخوخة المثانة في تقليص سعتها بما يقارب 50 في المئة مقارنة بما كانت عليه في سن الشباب والكهولة. ففي الثلاثينات من العمر تكون سعة المثانة حوالي 500 سنتيمتر مكعب، لكنها تتقلص إلى 250 سنتيمترا مكعبا في نهايات الستينات وبداية السبعينات من العمر.
المبيضان والرحم
تبدأ رحلة انحسار شباب أعضاء المرأة التناسلية في عمر الـ 35 تقريبا. فعدد البويضات التي تفرزها مبايض المرأة يبدأ في التراجع كما ينخفض مستوى جودة تلك البويضات، كما ان بطانة الرحم تصبح اكثر رقة، ما يقلل احتمالات قدرته على استضافة النطفة المخصبة والاحتفاظ بها، وتستمر رحلة الشيخوخة البيولوجية على هذا المنوال إلى أن يصبح الرحم بيئة رافضة للحمل.
غدة البروستاتا
تبدأ مسيرة الشيخوخة البيولوجية لغدة البروستاتا لدى الرجل في منتصف الأربعينات من عمره، وربما قبل ذلك بسنوات قليلة. وغالبا، فإن من أعراض شيخوخة البروستاتا أنها تتضخم مع تقدم العمر، ما يؤدي الى مشاكل منها ازدياد الحاجة الى تفريغ ادرار البول، وهذا يعرف طبيا بـ «التضخم الحميد للبروستاتا» ويصيب نصف الرجال الذين تجاوزت أعمارهم 50 عاماً، ونادراً ما يصيب الرجال الذين تقل أعمارهم عن الأربعين.
العينان
يمكنك أن ترى بداية شيخوخة عينيك في الأربعين من عمرك. لذا فإنه يوصى بالنظارات الطبية لمعظم من يبلغون تلك السن الـ 40 التي تظهر معها مشاكل شائعة في الإبصار بما في ذلك طول وقصر إلى جانب مشاكل أخرى تنجم عادة عن مشاكل صحية أخرى كمرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
الثديان (عند النساء)
في منتصف ثلاثينات عمر المرأة، تبدأ الشيخوخة دق أبواب ثدييها على استحياء، حيث يبدآن في رحلة فقدان نسبة من خلايا أنسجتهما، ما ينعكس في تناقص ملحوظ في حجميهما واستدارتهما، ثم مع تقدم العمر تعتريهما أعراض الترهل في النصف الثاني من أربعينات العمر، وفي الخمسينات يبدأ ظهور التجاعيد بوضوح عليهما ليواصلا رحلة الاستسلام للزمن.
الشعر والأظافر
يبدأ سريان الشيخوخة في الشعر والأظافر في أوائل الثلاثينات من العمر حيث يبدأ تساقط الشعر بكثافة أكبر مع ظهور بدايات الشيب بسبب تناقص إفرازات الصبغات الملونة التي تنتجها الخلايا الصبغية الكائنة في بصيلات الشعر.
حاستا التذوق والشم
يبدأ تراجعهما في أواخر العقد الخامس من العمر ويتفاقم ذلك التراجع حتى نهاية العمر. ويبدأ الشخص حياته عادة بأكثر من 10.000 من براعم التذوّق التي تكون منتشرة على اللسان، لكن مع دخول حاسة التذوق مرحلة الشيخوخة يبدأ هذا العدد بالتناقص تدريجيا حتى يصل الى النصف تقريبا لدى بلوغ الـ 60 من العمر.
السمع
عند بلوغ منتصف الـعقد الخامس من العمر، يبدأ التراجع في قوة حاسة السمع. ووفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن 50 في المئة تقريبا من سكان العالم يصابون بضعف في حاسة السمع أو حتى قد يفقدون السمع تماما بعد بلوغ سن الـ 60.