على وقع الهجوم المعاكِس لترامب في اتجاه المنطقة
«حزب الله» يدفع المرْكب الانتخابي من الخلف لاصطيادِ عصفوريْن بـ ... حجرٍ واحد
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
02:28 ص
... كل كوابيس السياسة وأحلامها على الطاولة الآن في كواليس بيروت التي تنعم هذه الأيام بالشمس والبرد، وهي الفرِحة لاستقرارها والقلِقة من الآتي الأعظم في الاقليم، وكأن الشيء وضدّه صار موضةً يتساوى فيها التفاؤل بالتشاؤم في السياسةِ التي تتقدّم في لبنان على الخبز اليومي وتجعله وليمةً لصراعٍ جشعٍ يعلو حيناً ويخفت أحياناً، يختلط فيه المحلي بالاقليمي، السياسي بالطائفي والمذهبي وسط شهية مفتوحة على السلطة بوجهها الداخلي ووهجها الخارجي.
هذه الـ «بيروت» المشغولة بهمومها، مهتَمّة كالعادة بتعقُّب كل شاردة وواردة في المنطقة، من اندفاعة دونالد ترامب وسيناريواتها المحتملة في سورية وتجاه ايران، الى نقاط التقاطع والالتقاء بين واشنطن وموسكو في ساحات المنطقة، وما سيكون عليه واقع «حزب الله» اللبناني، اللاعب فوق خطوط النار في سورية والعراق واليمن... ومع اسرائيل، في ضوء الوقائع الاقليمية الجديدة وارتداداتها على لبنان، الذي يختبر تسويةً سياسيةً لمعاودة تكوين السلطة لم يمضِ عليها أكثر من مئة يوم.
وثمة انطباع في بيروت انه رغم التسوية الداخلية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وأعادت الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية، وبدت كأنها بمثابة فك اشتباك ايراني - سعودي في لبنان، فإن الحجم الداخلي والاقليمي لـ «حزب الله» يمكّنه من إدارة اللعبة السياسية ولو من الخلف، كـ «ناظمٍ» للخيارات الاستراتيجية التي سلّم جميع اللاعبين المحليين بترْكها له، رغم الهامش المتروك للرئيس عون لـ «تطبيع» العلاقات مع العالم العربي، ولاسيما دول الخليج.
هذه المسلَّمة، التي يقرّ بها الجميع من دون تبنّيها، تدفع الدوائر المراقبة من سياسيين محليين وديبلوماسيين الى محاولة سبر أغوار موقف «حزب الله» الفعلي في قانون الانتخاب، الذي يشكّل المفصل الاستراتيجي في إعادة تكوين السلطة وتوازناتها وأحجام اللاعبين فيها، والتي في ضوء موازين القوى فيها يمكن ان يتحدّد الموقع الاقليمي للبنان في ظل لعبة «الضم والفرز» لمناطق النفوذ في المنطقة التي تشهد تحولات لم تعرفها منذ نحو قرن من الزمن.
ولم يكن مفاجئاً للذين يدركون التوجهات الفعلية لـ «حزب الله» الكلام عن إسقاطه جميع الفرضيات المتعلّقة بطبيعة النظام الانتخابي، الذي يشهد جدلاً واسعاً في بيروت، وتَمسُّكه بصيغة «النسبية الكاملة» في الاقتراع على أساس لبنان دائرة واحدة او دوائر موسعة، وإطلاقه لا كبيرة لصيغتيْ الاكثري والمختلط، وهو ما يعني ان الأمور قد تذهب في نهاية المطاف في هذا الاتجاه.
وما يعزز هذا الاعتقاد المعلومات التي تحدّثت عن مرونة مفاجئة في موقف الرئيس الحريري الذي أبدى أخيراً انفتاحاً على «الأخذ والردّ» في مقاربة قانون انتخاب يقوم على النسبية الكاملة بعدما كان تياره أشدّ الرافضين لهذا الخيار، خصوصاً في ظل قبضة «حزب الله» الثقيلة على المناطق ذات الغالبية الشيعية.
وفي تقدير اوساط واسعة الاطلاع في بيروت ان انتقال «حزب الله» من الانفتاح على مناقشة صيغ انتخابية تُطَمْئن الآخرين، كـ «المختلط»، وحسْم موقفه عبر تمسُّكه بـ «النسبية الكاملة» مرده الى انه وفي ضوء «فوضى التحالفات السياسية» أصبح قادراً على اصطياد عصفورين بحجر واحد هما:
• إضعاف زعامة الحريري السنية لان من شأن «النسبية الكاملة» إفساح المجال أمام فوز شخصيات سنية موالية لـ «حزب الله» وقادرة على التكتل في وجه الحريري، الأمر الذي يحرم الأخير من «الزعامة المطلقة» وسط عجز «حزب الله» عن إبقاء زعيم «تيار المستقبل» خارج السلطة او استئصال ما يُعرف بـ «الحريرية السياسية»، فجلّ طموحه الآن جعل الحريري الاول بين متساوين، على النحو الذي يتيح للحزب ضبْط إيقاع التوازنات لمصلحته.
• عدم السماح للثنائي المسيحي المتمثّل بتحالف «التيار الوطني الحر» - حزب رئيس الجمهورية - و«القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع بالفوز بكتلة مسيحية قادرة على الإمساك بـ «الثلث المعطل» في البرلمان - اي اكثر من 45 نائباً - وهي «القطبة المخفية» التي كانت انطوت عليها صيغة المختلط التي كان اقترحها الوزير جبران باسيل (من فريق عون)، ورفضها في حينه الثنائي الشيعي، اي «حزب الله» وحركة «امل» بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري.
ورأت هذه الاوساط انه رغم اطمئنان «حزب الله» لتحالفه مع الرئيس عون فإنه لن يسمح، وربما آخرون، بإمرار قانون انتخاب يعيد انتاج ما يوصف بـ «المارونية السياسية» التي كانت سائدة قبل حرب العام 1975، نظراً لمتغيّرات سياسية وديموغرافية يقال عنها الكثير في الكواليس السياسية المتضرّرة من شهية الثنائي المسيحي المفتوحة لحصد غالبية المقاعد المسيحية في برلمان 2017 - 2021.
واذا كان من السابق لأوانه الجزم في اي اتجاه سيذهب قانون الانتخاب الذي قال الرئيسان عون والحريري انه سيُنجز قبل نهاية فبراير الجاري، فان الأنظار ستتجه بالتأكيد نحو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان حاسماً في رفضه لأي شكل من أشكال النسبية، جزئيةً او كاملةً وتمسُّكه بالقانون الحالي القائم على النظام الاكثري مع ترْك المجال مفتوحاً لإمكان تعديل دوائره المعتمدة.
وثمة مَن يعتقد في بيروت ان جنبلاط، الذي كان شريكاً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أقرّت الصيغة القائمة على النسبية الكاملة في اطار 13 دائرة انتخابية، سيجد نفسه في حال تشكيل غالبية مؤيدة لـ «النسبية الكاملة» أمام واقع جديد يصعب معه توقُّع طبيعة موقف الزعيم الدرزي الذي يمكن ان يأخذ بالتحالفات ما قد يخسره بطبيعة النظام الانتخابي.
واذا كانت دوائر مراقبة في بيروت تعتقد ان تشدُّد «حزب الله» في رسْم الخطوط الحمر في شأن قانون الانتخاب مردّه الى حسابات تتصل بـ«الهجوم المعاكس» الذي يشنّه دونالد ترامب في اتجاه المنطقة وضدّ ايران على وجه التحديد من جهة وبمحاولة فلاديمير بوتين لعب دور الوسيط في الترتيبات المرتبطة بمستقبل سورية من جهة أخرى، فانها لا تستبعد ان تكون اللعبة السياسية اللبنانية بعد الانتخابات النيابية المقبلة على موعد مع قواعد مغايرة تقوم على تحالفات باستقطاب من نوع جديد.