الانتحاري المفترض ارتشف القهوة و«التهم» الشوكولا قبل أن يُطبَق عليه
ليلة سوداء في «الحمراء» ... إحباطُ عملية انتحارية في بيروت أم فخٌّ لـ «طردٍ» ناسفٍ؟
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:05 م
نجح لبنان، الذي غالباً ما يفاخر بـ «أمنه الممسوك» في إظهار تَعاظُم قدراته في «الحرب الاستباقية» على الإرهاب، حين أحبط أول من أمس، عملية انتحارية كانت تُعدّ، حسب معلومات «الراي» لاستهداف مكانٍ ما، وأَفشلها جهدٌ استخباراتي للأجهزة الأمنية التي نصبتْ «فخاً» محكماً لعملية «تسليمِ وتَسلُّمِ» حزامٍ ناسف في أحد مقاهي شارع الحمراء انتهى بـ «إنجازٍ أبيض» لمخابرات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تمثّل في إلقاء القبض على حامل الحزام الذي يخضع لتحقيقات مكثّفة .
ولم تَمضِ ساعات على الإنجاز الأمني الباهر، الذي نوّه به كبار المسؤولين اللبنانيين، حتى عاد شارع الحمراء، بمقاهيه وأسواقه إلى حاله الطبيعية من الاكتظاظ في عطلة نهاية الأسبوع، وسط تَهافُت المعلومات عن العملية النظيفة لأجهزة الاستخبارات التابعة للجيش وقوى الأمن التي نجحتْ في وأد «خرقٍ أمني» كان يُعدّ له، الأمر الذي جنّب لبنان كارثة إنسانية ووطنية، وهو الذي يستعدّ لمواسم سياحية عامرة بعدما أتاحت له «التسوية السياسية» في الداخل معاودة تطبيع علاقاته مع الخارج، ولا سيما مع دول الخليج.
وكانت دهمت مساء أول من أمس، بيروت الهادئة «عواجل» سرعان ما قضّت مضاجع الاسترخاء الأمني والسياسي اللذين تنعم بهما البلاد، حيث تحدّثت الرواية الرسمية عن إحباط عملية انتحارية كانت على وشك التنفيذ في أحد المقاهي الشهيرة في شارع الحمراء، بعدما انقضّ رجال الاستخبارات على الانتحاري، الذي تبيّن من هويةٍ كانت بحوزته أنه شابٌ عشريني من مدينة صيدا، ومن أنصار الشيخ الموقوف أحمد الأسير ويدعى عمر حسن العاصي وقد أصيب خلال عملية الاطباق عليه، ومن ثم نُقل إلى المستشفى.
ورغم الإشادة بـ «الإنجاز المرموق»، طرح خبراء في شؤون الأمن والإرهاب، كما المراقبون، أسئلة عن مغزى تصرفات الانتحاري المفترض الذي شرب القهوة واشترى الشوكولا بعدما دخل المقهى ومن ثم خرج منه لإجراء اتصالٍ هاتفي، إضافة الى تَمهُّله في تفجير نفسه وتَمهُّل الأجهزة الأمنية التي كانت داخل المقهى وخارجه في القبض عليه.
خبراء في شؤون الأمن والإرهاب تحدّثوا لـ «الراي» عن فرضيةٍ متماسكة، نقطةُ الارتكازِ فيها خرْقٌ استخباراتي يُحسَب للأجهزة الأمنية اللبنانية التي نجحتْ في الإمساك بخيوط العملية التي كانت تُعدّ وقطْعها في منتصف الطريق.
وأعرب هؤلاء الخبراء عن اعتقادهم أن ما جرى في المقهى كان عبارة عن كمين نُصب للعاصي الذي جاء بقصد تسليم سترة ناسفة كانت بحوزته (ولم يكن يرتديها) إلى شخصٍ آخر، ما يعني، وحسب تجارب سابقة، أن المقهى اختير كمكان للتسليم والتسلّم ولم يكن هدفاً للتفجير، مشيرين إلى أن الحزام الناسف كان أشبه بـ «طردٍ» يُراد تسليمه.
وما يعزز الاعتقاد بأن الأجهزة الأمنية نجحتْ في نصب فخٍ لعمليةِ تسليمٍ وتَسلُّم لـ «الحزام الناسف» وبأن ما حدث لم يكن عمليةً انتحارية، هو أن الانتحاري المفترض لم يفجّر نفسه لحظة دخوله المقهى وبين الأشخاص الموجودين، إضافة إلى أن وجود رجال الاستخبارات داخل المقهى يدلّ على معرفتهم المسبقة بالهدف وما يريده، وهو ما يُعرف في عالم الاستخبارات بـ الـ «بوكسينغ»، أي وضع الهدف داخل «العلبة».
وفي تقدير هؤلاء، أن الحرب الاستباقية التي تتقنها الأجهزة الأمنية اللبنانية مكّنتها من اختراق المشغّلين وصانعي الأحزمة، ومن بناء قاعدة معلوماتية عبر الاتصالات والأشخاص، وتالياً فإنها نجحتْ في إحباط تسليم «الطرد» الناسف، بدليل أنها أطبقتْ على العاصي. علماً ان المستلم لم يصل أصلاً أو أن «المشغّل» أوقف العملية في اللحظة الأخيرة.
وفي قراءة لمجريات العملية و«بروفايل» الانتحاري الافتراضي، رأى الخبراء في شؤون الأمن والإرهاب أن العاصي شخص غير محترف بدليل خروجه لإجراء اتصال لمعرفة التعليمات بعد وصوله إلى المقهى وتَناوُل القهوة، وأن «اصطياده» سيمكّن الأجهزة الأمنية من التقاط «طرف الخيْط» لمعرفة المزيد من «الأسرار» عن خلايا تُعِدّ الأحزمة وتجنّد المغرَّر بهم.