لبنان يستكمل مقتضيات التسوية بالبحث عن مخارج تحفظ مكانة أطرافها في السلطة

1 يناير 1970 09:02 م
تضجّ بيروت وكواليسها بمناقشاتٍ «حائرة» حول «جنس» قانون الانتخاب العتيد كـ «وعاءٍ» لطبخ التوازنات السياسية داخل السلطة في «تتمّةٍ» للتسوية التي «قلبت الصفحة» في لبنان عبر انتخابٍ لم يكن متوقَّعاً للجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد نحو 30 شهراً من الفراغ في القصر، وعودةٍ كانت شبه مستحيلة للرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة بعد نحو خمسة أعوام من إخراجه عنوةً من السلطة ومن لبنان بانقلابٍ سياسي - دستوري قاده «حزب الله».

وأكثر المفارقات إثارة في المناقشات الماراثونية لصيغٍ محتملة للقانون التي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية في مايو المقبل، ان القوى السياسية التي انخرطت في التسوية التي أفضت الى تشكيل حكومةٍ ائتلافية، تستند الى «دوْزناتٍ» تتيح، وعلى اختلاف الآليات التي يمكن اتباعها، الحفاظ على التوازنات الحالية في البرلمان، والتي من شأنها الإبقاء على «اقتسام السلطة» بين تلك القوى على حاله من دون اي تعديلاتٍ جوهرية.

وثمة مَن يعتقد في بيروت ان الضمانات المتبادَلة بين القوى السياسية للحفاظ على الـ«ستاتيكو» القائم في البلاد مردّها الى الرغبة في حماية التسوية السياسية التي أُبرمت بتفاهماتٍ داخلية وباحتضانٍ اقليمي من جهة، والى حال الانتظار الثقيل الذي تعيشه المنطقة ومعها العالم بأسْره لمعرفة اتجاهات الريح مع دخول دونالد ترامب اليوم الى البيت الأبيض من جهة أخرى، إضافة الى بلوغ الحرب في سورية اختباراً جديداً بالغ الحساسية اسمه محادثات «استانة» في 23 الجاري.

ولم يكن أدلّ على هذا الوهج الاقليمي - الدولي الذي يلفح المداولات اللبنانية في شأن قانون الانتخاب وسواه من مقارباتٍ للمرحلة الجديدة التي دخلها لبنان، من الأصداء الواسعة التي تركتها تصريحات وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في دافوس، والتي قدّم فيها التسوية في لبنان كنموذجٍ يمكن ان يُحتذى في معرض سعيه الى إظهار محاسن الحوار الايراني - السعودي الذي لا بد منه لحل الأزمات في المنطقة، لا سيما في سورية واليمن.

وفي قراءة أوساط واسعة الاطلاع في بيروت لأصداء تصريحات ظريف وما أثارتْه من التباسات، أمكن التوقف عند الآتي:

• ان التسوية في لبنان (عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة) لم تكن وليدة حوارٍ بين الرياض وطهران خلص الى مخرجٍ لكسْر المأزق السياسي - الدستوري وتم تبنيه من اللاعبين المحليين، بل الأكيد ان وقائع لبنانية استجدّت في الداخل كـ «أمرٍ واقع» أمْلت التوصل الى تَفاهُمات حظيتْ بـ «مباركة» من السعودية وايران لما تمّ التوصل اليه بين حلفائهما اللبنانيين.

• ربما عكستْ تصريحات ظريف في شأن الرغبة بحصول حوار ايراني - سعودي حيال أزمات المنطقة، اقتناع طهران باستحالة تحقيق رغبتها في القضاء على دور السعودية ونفوذها في المنطقة، واقتناعها ايضاً بان الرياض لا بد وان تكون خلصت الى الاستنتاج عيْنه بعد استحالة تقويض دور ايران ونفوذها في المنطقة، الأمر الذي يجعل من مصلحة الطرفين الانتقال من المواجهة الى الحوار.

• الاعتقاد بأن الرغبة التي أظهرها ظريف في شأن الحاجة الى حوارٍ ايراني - سعودي مردّها الى ريبة طهران وتَوجُّسها من الخيارات «الغامضة» التي قد يلجأ اليها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي لم يُخْفِ مناهضةً لا لبث فيها لإيران والاتفاق النووي معها ودورها في المنطقة، إضافة الى ارتيابٍ أقلّ تشعر به الرياض، ما جعل ظريف يظهر كمَن يسعى الى رسْم خطوط دفاعية استباقية تَحسُّباً لمفاجآت ترامب.

وأدرجت الأوساط الواسعة الاطلاع في بيروت الحماسة الروسية لإشراك أميركا - الترامبية في محادثات «الاستانة» في إطار «استدراج» موسكو لجميع اللاعبين الدوليين والاقليميين للإقرار بأنها صاحبة الكلمة الأولى في سورية ومصيرها. فالرئيس فلاديمير بوتين يريد اعترافاً سريعاً من ترامب الذي يغدق بـ «نياته الحسنة» تجاه الكرملين، أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فكان واضحاً في قوله للنظام السوري و«حزب الله» انه لولا التدخل الروسي لسقطتْ دمشق.

ورغم الخلاف التكتيكي الروسي - الايراني، الذي لم يصل الى حد التباين في شأن مسائل استراتيجية كمصير بشار الأسد، فإن ثمة انطباعاً في بيروت بأن إصرار موسكو على دعوة السعودية وقطر، إضافة الى الولايات المتحدة الى محادثات «الاستانة» وتَعاظُم الدور التركي في الملف السوري، يفتح المنطقة على مرحلةٍ جديدة لن يكون لبنان بمعزلٍ عنها، وهو الذي استبق تلك التحولات بـ «الفوز» بتسويةٍ من خلف ظهر التطاحن الاقليمي، وتالياً فان الأكثر إلحاحاً هو المضي في تحصين تلك التسوية وحمايتها.

ولبنان الذي أخذتْه تصريحات ظريف وملابساتها والذي يعاين ما يجري في جواره السوري على وقع التحضيرات لمحادثات «الاستانة»، كان أمس وكسواه من دول العالم «يضرب الأسداس بالأخماس» تَهيُّباً للانعطافة التي يدخلها «الكوكب» اليوم مع حفل تنصيب دونالد ترامب على رأس الدولة الأهم والأقوى والأكثر تأثيراً في مجريات الكون بأسره.

وبدت بيروت مشدودة الأعصاب مع عبور العالم من حولها الى مرحلة جديدة على وقع خروج «الرئيس الأسود» الذي جاء بـ «انقلابٍ أبيض»، أي باراك اوباما، وما يشي الآن بما هو أشبه بـ «انقلابٍ اسود» يأتي بدونالد ترامب الى البيت الابيض... فرغم الطقوس «التاريخية» التي تشهدها واشنطن في حفلات التنصيب، فان اللبنانيين تماماً كما غيرهم من الشعوب سيكون نصب أعينهم رجلٌ من غير المستبعد ان يقلب العالم... رأساً على عقب.