تقرير / سيرة العلاقة الملتبسة بين مشروعيْن استراتيجي وسلْطوي

«حزب الله» الـ «ما فوق الدولة» أمام واقع جديد: من الاتكاء على عون الحليف إلى التكيف معه كرئيس

1 يناير 1970 08:39 م
لم يطوِ انتخاب العماد ميشال عون، المرشح العلني والوحيد لـ «حزب الله»، رئيساً للجمهورية السجّال وبـ «مكبّرات الصوت» حول السياق الذي أفضى الى إنهاء فراغٍ استمر عامين ونصف العام في سدّة الرئاسة الاولى، بعدما احتُجز استحقاق 25 مايو 2014 بـ «التكافل والتضامن» بين الحزب، الذي يحتكر الإمرة الاستراتيجية في البلاد، وبين الجنرال الذي بدا وكأنه يطالب بـ «حقٍّ مكتسب»... وكان ما كان عبر تعطيل النصاب لـ 45 جلسة انتخاب كانت تذهب أدراج الرياح.

محور هذا السجال، الذي تضجّ به الأندية السياسية كما الشارع، يختزله سؤالٌ صعب: هل استَخدم «حزب الله» عناد العماد عون مطيّة لتعليق الانتخابات الرئاسية في انتظار التحولات في المنطقة لـ «يبني على الشيء مقتضاه»، ام انه وجد في مواصفات الجنرال وخصاله الملاذ الوحيد للاطمئنان الى ساكن القصر؟ وتالياً هل اضطر الحزب للتسليم بمجريات اللعبة فسهّل انتخاب عون وأفرج عن الرئاسة، ام انه «زمن الانتصارات» حقق للحزب ما أراد؟

الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي تسلّح بـ «الصمت» في إدارة الشوط الأخير من معركة تتويج عون رئيساً، تولى «توضيح الصورة» على طريقته، والردّ على مَن يحتكر «الانتصار» كرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وعلى مَن قال ان الحزب اضطر للسير بعون لان مرشّحه كان الفراغ، كزعيم «تيار المستقبل» الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، اضافة الى إمراره رسائل مرمّزة يبرع في صوغها بعنايةٍ وإيصالها لمَن يهمّه الأمر.

لكن بعيداً عن الشاشات والمنابر و«الكلام المباح»، فإن موقف «حزب الله» من الملف الرئاسي في مرحلة ما بين «الميشالين»، اي ميشال سليمان وميشال عون انطبع بمفارقاتٍ عدة، لا يمكن اختصارها بـ «كليشيهات» في واقعٍ داخلي واقليمي متحرّك، بل هي أقرب الى خلاصات العلاقة الملتبسة بين الحزب وعون والشديدة الغموض حتى في وضوحها الفاقع، ولعل أبرز تلك المفارقات هو:

الطابع الملتبس في تلك العلاقة التي تقوم على تحالف بين مشروعين، واحد استراتيجي لـ «حزب الله» الـ «ما فوق الدولة» في حركته الاقليمية وحاجته لإرساء سلطة «موازية» في لبنان تضمن آليات عمله، ومشروع آخر سلطويّ بحت قاده العماد عون وقام على تطويع تحالفاته وشعاراته ومعاركه خدمةً لهدفٍ واحد هو وصوله باعتباره «المرشح القوي والأكثر تمثيلاً للمسيحيين وعنوان الشراكة الحقيقية والمشرقيّ...» الى سدة الرئاسة.

إصرار «حزب الله»، الجدي والفعلي والمضني، على التمسك بالعماد عون حليفاً (رئيساً مسألة اخرى) في إدارة الداخل اللبناني، وهو مكّنه من تكبير حجمه ككتلة برلمانية ومدّه بعناصر القوة ليكون ذراعه المسيحية في المعارك القاسية التي خاضها الحزب في وجه الغالبية التي كانت تتسلح بها «14 آذار». وليس أدلّ على ذلك من وقوف عون خلف الحزب في محطات بالغة الحساسية كـ «7 مايو» العسكري والانقلاب على حكومة الحريري وما شابه.

لم تكن العلاقة الملتبسة على وضوحها تسير في الاتجاه عيْنه على طول الخط، نتيجة الأجندة المختلفة لـ «حزب الله» العابر للحدود، وللعماد عون الدائم التطلع الى وجهة وحيدة وهي القصر. وليس أدلّ على ذلك من افتراقهما في مسائل على جانبٍ من الأهمية كانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً والتمديد للبرلمان لمرتين متتاليتين، كما التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، اضافة الى مسائل أخرى كثيرة.

اتكاء «حزب الله» على حليفه المسيحي في محاولة الإمساك بمفاصل أساسية في السلطة خدمةً لمشروعه في تعديل الوجهة الاقليمية للبنان وتطويع التوازنات في إدارة الحكم، وهو الأمر الذي تَحقق للحزب من خلال ما بات يُعرف بـ «الثلث المعطل» في الحكومات المتعاقبة التي أفقدت الغالبية البرلمانية القدرة على ترجمة خياراتها في السلطة التنفيذية، وخصوصاً منذ العام 2009.

واذا كانت حاجة «حزب الله» للعماد عون حليفاً، فهل يستوي الأمر مع الجنرال رئيساً؟

رغم «المرافعة» التي أطل بها أخيراً السيد نصرالله عن القرار الحاسم بايصال العماد عون الى الرئاسة منذ ان تبنى «حزب الله» ترشيحه على قاعدة «إما عون وإما الفراغ»، فإن الآخرين يعتقدون ان الأمر أكثر تعقيداً من هذه «المسلّمة» في ضوء الحسابات المحلية والاقليمية لـ «حزب الله» الذي من الصعب الاقتناع بما ذهب اليه عندما وضع «الاخلاق السياسية» بدرجة أعلى من المؤسسات والدستور وشؤون البلاد والعباد لتبرير تعطيله الانتخابات الرئاسية وتمديد الفراغ، الأمر الذي كاد ان يؤدي الى الانهيار، وكله وفاءً لتعهُّد قطعه للعماد عون بإيصاله الى الرئاسة.

وفي تقدير أوساط محايدة ان «حزب الله» لم يكن مستعجلاً أقله لملء الفراغ الرئاسي، لان تَراجُع حضور الدولة أتاح له حرية الحركة ذهاباً واياباً، الى ومن ساحات المنطقة، قبل ان يصبح قتاله في الخارج أمراً واقعاً وبإدارة ظهر دولية، وهو ما كان عبّر عنه وزير الخارجية الاميركي جون كيري في مروره اليتيم على بيروت في يونيو 2014.

ولم يُخْف «حزب الله» يوماً، بحسب هذه الاوساط، رغبته في تعديل قواعد اللعبة وآليات اتخاذ القرار في الداخل اللبناني، وهو ما عبّر عنه نصرالله شخصياً عندما تحدّث وللمرة الأولى عن مصطلح «السلة المتكاملة» كحلٍّ يُنتخب في ضوئه رئيس جديدة للجمهورية، قبل ان «يقاتل» رئيس البرلمان نبيه بري من اجل تلك «السلة» التي أطاح بها انتخاب عون بعد تَفاهُم الأخير مع الحريري.

وبغض النظر عن «النوايا»، فان «حزب الله» لم يكن في وسعه بعد تعليق الانتخابات الرئاسية لنحو 30 شهراً خدمةً للعماد عون، إدارة الظهر لاكتمال النصاب السياسي - الدستوري لمجيء الجنرال بعد تفاهُمه مع الحريري، لان من شأن ذلك خسارته للمسيحيين والظهور كمعطّل للانتخابات الرئاسية «عن سابق تصوّر وتصميم»، وهو الأمر الذي لم يشأ الحزب تحمُّل تبعاته، رغم الاعتقاد ان عون الحليف قد لا يكون كعون الرئيس.