آخر نصائح نصرالله له: دع «الأمن» للحريري وتَفاهَم مع بري «الرقم الصعب»

جنرال «حافة الهاوية» رئيساً غصباً عن الجميع

1 يناير 1970 09:38 م
انتُخب امس زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في جلسة للبرلمان تحولت المبارزة فيها بين «الاوراق البيض والرايات البيض»، ما عكس تطوراً «نادراً» لم تشهده الحياة السياسية اللبنانية من قبل. فالجنرال الذي حدد «إحداثياته» بدقة منذ ان وطأت قدماه أرض لبنان، عائداً من المنفى في الـ 2005، نجح في ركوب «الحصان الرابح» منذ أن تحول مرشح «الوعد الصادق» لـ«حزب الله»، وتمكن تالياً من «اقتياد» خصومه وحلفائه المفترضين، الواحد تلو الآخر، لتأييده و«غصباً عنهم» كرئيس «امرٍ واقع» لا مفر منه، بمن فيهم «حزب الله» نفسه، الذي لم يجد بداً من الوفاء بوعده لمن أتاح له ان يحقق بـ «الديموقراطية» ما لا يرغب بتحقيقه بـ «القمصان السود».

فرغم ان براعة التكتيك التي حملت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في بداية الأمر الى ترشيح خصمه في الخيارات المحلية والاستراتيجية (اي العماد عون) لتصعيب عملية انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً، فهذه المسألة لم تكن مألوفة في سياق «حركة التاريخ» التي بدا معها جعجع وكأنه أصبح في معسكر واحد مع «حزب الله»، وهو الأمر الذي كان فوجئ به الحزب ولم يصدّقه حتى «الخمس دقائق الأخيرة» قبل إعلان ذلك بـ «الصوت والصورة» في لقاء معراب الشهير، ومن ثم اقتناع «الحكيم» عن سابق تصور وتصميم بالحاجة الى ان يصبح شريكاً في ايصال خصمه الى القصر و«حراسته» بشبكة أمانٍ تحفظ التوازنات.

اما زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، الذي لم يكلّ ولم يملّ بحثاً عن فرصةٍ ما للتغلب على عدّوه القاتل المتمثل بـ «الفراغ»، فذهب في بادئ الامر الى «تسويةٍ محسوبة» بترشيح فرنجية عبر قوة دفعٍ فرنسية - سعودية لم تَرُق بطبيعة الحال لـ «حزب الله» الذي سارع الى إحباطها، وتالياً لم يعد أمام الحريري سوى التفاهم مع العماد عون، الذي كان اختار لعب دور رأس حربةٍ نيابةً عن كل الآخرين في مواجهة زعيم «المستقبل» والانقلاب عليه، قبل ان يستعين الحريري بـ «عِلم الكلام» لتبرير «الأسباب الموجبة» التي حدت به الى تجنب الأسوأ (استمرار الفراغ) وتجرُّع تأييد عون، الذي قيل «على طول الخط» انه مرشح «حزب الله» والنظام السوري وايران، فكان ما وصفه الحريري نفسه بـ «المخاطرة الكبرى».

زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي رمى ما أمكنه من «رمزيات» يتقنها جيداً، للدلالة على خياره «الاضطراري» بانتخاب عون رئيساً، وكان اول مَن توجس من «التسونامي العوني» قبل ان تحط طائرته في مطار بيروت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يتردد في المجاهرة بانه لم يرُق له تتويج 40 عاماً من عمله السياسي برؤية عون في القصر الذي لم يغادره الا عنوة بعد «عصيانه» على التسوية المحلية - الاقليمية - الدولية التي تمثلت باتفاق الطائف.

ولم يكن موقف جعجع والحريري وجنبلاط قبل التسليم بـ «الامر الواقع» يختلف عن موقف رئيس البرلمان، شريك «حزب الله» في «الثنائية الشيعية» نبيه بري، الذي استمرّ على معاندته انتخاب عون، وهو الذي كان أبلغ الى قيادة «حزب الله» يوم أطيح بمبادرة الحريري ترشيح فرنجية: «... إلا عون»، ولم يعدّل موقفه اخيراً، ربما لانه لم يكن يتوقع مماشاة السعودية لخيار الحريري، او لان التسوية طُبخت بمعزل عنه تجنباً لإفسادها لمعارضته الشرسة لعون، او لان احداً نصب له «فخاً» عبر وشايةٍ عن ان تفاهماً تم بين عون والحريري على تقاسُم حقائب العهد الجديد و«مغانمه».

ورغم ان بري، باغتته «التسوية» وسارع الى اعلان «انتفاضة» في وجهها وصلت الى حد تسريبات نفاها عن «حرب اهلية»، فإنه يتجه، كمن سبقه، الى التكيّف مع مقتضيات العهد الجديد في ضوء ما ستفضي اليه مفاوضاته المرتقبة مع فخامة العماد عون ودولة الرئيس الحريري، خصوصاً بعدما ابلغ اليه الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ان لا صحة لما اشيع عن صفقة بين عون والحريري تتناول ترسيم الحصص والأحجام او تتجاوز التفاهم على ان يدعم الحريري عون لرئاسة الجمهورية ويتعهد عون للحريري بدعمه لرئاسة الحكومة.

هذا الكلام سمعه نصرالله من عون في اللقاء الأخير الذي جمعهما في الساعات التي تلت اطلالة الامين العام لـ «حزب الله» وتكريسه معادلة «دعم عون لرئاسة الجمهورية وبأوارق مكشوفة اذا اقتضى الامر، وعدم الممانعة بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة»... فنصرالله الذي «يصدّق»، عون اقتنع بحدود التفاهم القائم مع الحريري، والذي لا يمانعه الحزب الذي يشعر بانه وفى بوعده للجنرال رغم ما أصاب علاقته بالآخرين من أضرار كالرئيس بري والنائب فرنجية.

ولم ينس نصرالله في اللقاء الأخير مع عون - المرشح، قبل ان يصبح عون - الرئيس، ان يسدي اليه نصائح، منها ان يترك الأمن للحريري وفريقه بعدما أثبتت التجربة نجاحهم في هذا المضمار، وضرورة التفاهم مع الرئيس بري كـ «رقم صعب» في المعادلة السياسية. فـ «حزب الله» الذي قدّم بعدم ممانعته بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة «تضحية كبيرة جداً» منه، يُدرِك الحاجة لزعيم «تيار المستقبل» ليكون رأس حربة في مواجهة «الارهاب التكفيري»، اضافة الى ما يمكن ان يضطلع به على المستوى الاقتصادي - المالي.

اما بالنسبة للموقف الاعتراضي لحليف «حزب الله» الثابت والدائم والعصي، اي الرئيس بري، من العهد الجديد، فمن غير المستبعد ان يدير الحزب «الاذن الطرشاء» للصراخ السياسي الذي قد ينجم عن فشل الآخرين في التفاهم مع بري الذي يسعى لمكتسبات لـ «المكوّن الشيعي» كما يسعى سواه لمكاسب للمكونات الاخرى، وتالياً فان «حزب الله» الذي أوفى ما عليه للعماد عون وقدّم تضحيات كبيرة من اجله، سيكون بعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة خلف حليفه «الأصلي» الرئيس بري.

وهكذا من حق العماد عون ان يفاخر بما ارتكبه من مجازفات. وهو الذي لم يكن أحد على الاطلاق يريده رئيساً، أصبح وغصباً عن الجميع رئيساً لهم وعليهم ولو بتأخير 26 عاماً.