ابن الساقطة

1 يناير 1970 07:52 م
ما عادت عبارات الشتائم التي يطلقها قادة ومسؤولون وجلهم من العالم الثالث تطرب كما في السابق. ما عادت تزرع الفخر في قلوب الشعوب ولا ترفع قبضاتهم في الهواء عاليا. ما عادت تحشد في ساحات عامة الملايين التي تخالها زاحفة على عواصم القرار... اللهم الا في مناطق تحكمها أنظمة ما زالت تعتمد القهر الداخلي مفتاحا للعلاقات الدولية، وما زالت تعتقد ان «جماهيريتها» قادرة على تجاهل التطور لأعوام جديدة مقبلة.

أما وإن لاقت الشتائم هوى هنا وهناك، فذلك مؤشر طبيعي على تكور المرض في الجسد الشعبي لبعض المجتمعات وثباته في اماكن معينة لعقود مؤسسا لحساسية او ضيق صدر او تقليل مناعة. لكن الثابت ان الضعف لم تحوله العبارات النابية الى قوة، وان الشعارات الزائفة عن الكرامة والخبز والفخر والصمود والسيادة لم تستطع ان تطور اقتصاديات هذه الدول ولا ان تمكنها من صنع صمام متطور في محرك حديث.

امس، وصف الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي الرئيس باراك اوباما بـ«ابن الساقطة» (مع تخفيف الترجمة). فرح من فرح وصفق من صفق وندد من ندد واستغرب من استغرب. شتمه «استباقيا» وطعن في نسبه «كي لا» يسأله الرئيس الاميركي عن الحملة على المخدرات وحقوق الانسان وغيرها من الملفات. طبعا في القاموس الفيليبيني الكثير من العبارات التي تمكن الرئيس «الشعبي» من القول مثلا «ان هذه مواضيع سيادية ونحن ادرى بها» او «ليهتم الرئيس الاميركي بأمور بلده ولا نرضى ان يتدخل في امورنا»... عبارة تبدو كاملة ورسالتها واضحة، اما اذا اعتقد الرئيس الفيليبيني ومحبوه وكارهو اميركا ان شتيمة «ابن الساقطة» يمكن ان توصل رسالته بالبريد السريع فربما اخطأ في العنوان... وكان يمكن للاجتماع الملغى مع اوباما ان يرفع صوت قضايا بلده اكثر.

لم يأت دوتيرتي بجديد، بل هو تابع سنن كثيرين سبقوه، كانت الجماهير توصل الليل بالنهار تصفيقا لجمال عبد الناصر وهو يصف زعماء اميركا وبريطانيا وفرنسا بأولاد الكلاب، وما زالت عبارات خروتشوف اللاذعة في الامم المتحدة التي ألقاها بالاوكرانية وهو يضرب بحذائه على المنصة ترن في آذان الشيوعيين او من بقي منهم. قادة ايران واورتيغا وشافيز وكاسترو ونورييغا وزعماء افارقة «اتحفوا» الانسيكلوبيديا السياسية بمجموعة من الشتائم لاميركا وغيرها موجودة و«تحت الطلب»، اما معمر القذافي فتفرد عنهم بشتم الخارج وشعبه في الوقت نفسه، الـ«طز»، او لأي زعيم غربي يكن له العداء، و«الكلاب الضالة» و«الجرذان» لشعبه... فيما تابع بشار الأسد مسيرة والده في هذا المجال اذ عف لسانه عن شتم «الاعداء» وأوصل لهم رسائل ودٍ تاركا لحلفائه «الممانعين» فتح قاموس الشتائم على مصراعيه، في الوقت الذي اطلق على شعبه وصف «الجراثيم» والخونة.

البحث في التاريخ يكشف الكثير من عبارات «ابن الساقطة»، لكن النتيجة المستخلصة هي ان «السقوط» كان وما زال حليف الدول التي عوضت بالتصعيد اللفظي العجز الفعلي عن ايجاد حلول لمشاكلها وان التقدم كان وما زال حليف الدول الغربية التي ينشتم قادتها. اما «السقوط» الآخر فهو ان شتائم 100 عام للزعماء الاجانب من قبل رؤساء او من قبل مواطنيهم دفعتهم ربما الى الامتعاض او المحاكم او المقاطعة او المعاقبة بإلغاء اجتماع كما حصل بين اوباما ودوتيرتي، انما ربع شتيمة مماثلة لديكتاتور عربي او عالمثالثي من قبل اي مواطن فكانت كافية لاحراق صاحبها واحراق اسرته معه.