تحقيق / المواطنون أجمعوا على قيمة الدواوين التاريخية وحذروا من مغبة إزالتها

«أهرامات الكويت»... في خطر!

1 يناير 1970 07:26 م
| كتب تركي المغامس |
«الديوانيات مثل أهرامات مصر يأتي الخليجيون ليشاهدوها» بهذه الكلمات العفوية يدلل أحد المواطنين على قيمة الدواوين في المجتمع الكويتي فهي عصب الحياة في الكويت، وتراث ورثه الأبناء عن الآباء والأجداد ومدارس الكبار والصغار يتعلمون فيها العادات والتقاليد ويتسامرون فيها ويناقشون كل ما يدور داخل البلد من الامور الاجتماعية والسياسية والثقافية.
كان ومازال للديوانية الكويتية رونقها الخاص، فهي مكان للتواصل بين الأقارب وصلة الارحام والتعارف في ما بين الجميع من الجيران والاصدقاء والاقارب، ونظرا لهذه المكانة اهتم بها أهل الكويت وطوروها لتتواكب مع متطلبات العصر الحديث لتناسب كل الأجيال.
واشتد دفاع أهل الكويت بكل أطيافه عن الديوانيات المخالفة للقانون عندما قررت الحكومة ازالتها مما يدل على ان أهل الكويت يرتبطون جميعهم بهذا المكان الذي يعقدون فيه المجالس التشاورية التي تفرز مجلس الامة الذي يطالب بحقوق الشعب الكويتي وينادي بتطبيق قوانين ومواد الدستور والمساواة بين أفراد الشعب الكويتي.
ولما لهذه الديوانية من أهمية في حياة المواطن الكويتي استطلعت «الراي» آراء المواطنين عن أهمية الديوانية وهل مازالت تحظى بذات الاهتمام السابق وهل يودون اعادة بناء الديوانيات خارج حدود المنزل المملوك لهم وفق آلية جديدة تحددها الحكومة بقانون ضريبي يفيد الدولة ولا يضر المواطن... إليكم التفاصيل:
بداية، يقول منصور احمد ان الديوانيات هي تراث كويتي مثلها مثل الاهرامات في مصر حيث ان الكثير من أقاربنا في دول الخليج يأتون إلى الكويت ليشاهدوا ما الديوانية التي اشتهرت بها الكويت على مر السنين والديوانية، هي برلمان مصغر لأهل الكويت يتناقشون فيه في شتى مجالات الحياة ويقومون من خلاله بتحليل الاخبار اليومية المتداولة في الصحف.
ويضيف: فمن مميزات الديوانية الكويتية انها متعددة الأوقات فهناك الديوانيات اليومية والاسبوعية والشهرية وهناك ديوانيات مفتوحة على مدار اليوم فهذه بعد صلاة الفجر وتلك في الضحى واخرى في العصر أو المغرب وبعد صلاة العشاء فتنوع أوقات الديوانية يجعل الشخص يذهب لأكثر من ديوانية في اليوم وينجز جميع أعماله من دون اي ارهاق أو تعب.
ويؤكد منصور ان ازالة الديوانيات المخالفة كان له اثر كبير في نفوس أهل الكويت الذين اعتادوا عليها وكان حجم البيت صغيرا عليهم فاضطروا لوضعها خارج حدود البيت في منطقة تعتبر غير مستثمرة من قبل الحكومة لانها امام بيوت المواطنين، فكانت وسيلة للتواصل والتسامر وصلة الارحام فنجد اليوم الشارع الذي لا توجد فيه ديوانية سكانه لا يعرفون بعضهم البعض لعدم وجود نقطة تجمعهم ليتعارفوا من خلالها.
ويتابع: نتمنى من حكومتنا ان تعيد النظر في ازالة الديوانيات وان تسمح للمواطنين أن يعيدوا بناءها على حسب القوانين التي تنظم هذه العملية لأن الديوانية أساس في مخطط البناء لكل بيت كويتي فهي ضرورة حتمية لهم ونحن نقدر دور الحكومة في تطبيق القانون ونطلب من نواب المجلس ان يشرعوا قانونا ينظم بناء الديوانيات امام بيوت المواطنين.
مدارس للكبار والصغار
ومن جانبه يقول محمد حسن: الديوانيات هي مدارس للكبار والصغار على حد سواء يتدارسون فيها شؤونهم الحياتية ويتسامرون فيها والديونيات في رمضان لها طابعها الخاص فأنا اعرف صاحب ديوانية لايفتحها سوى في رمضان بعد الافطار مباشرة وحتى صلاة العشاء ويكون عليها اقبال كبير جداً لتميز وقتها وصنع قهوتها وجمعة الاصحاب والرفاق فيها.
ويشير محمد الى ان اهل الكويت اعتادوا على الديوانيات ونحن تعلمنا فيها العادات والتقاليد من آبائنا ونعلم ابناءنا فيها فإزالة الديوانيات امر خطير جداً يؤثر على النسيج الاجتماعي للكويت حيث ان إزالتها ستطمس العادات والتقاليد القديمة وسيغزونا الفكر الغربي وتؤثر على ابنائنا عادات الجاليات الموجودة في الكويت.
ويؤكد محمد حسن ان ازالة الديوانيات خطأ كبير اقدمت عليه الحكومة لأن الشعب الكويتي يعاني جداً من صغر مساحة البيوت الحكومية وتأخر طلبات الاسكان لابنائه المتزوجين فيضطر الى توسعة البيت والاستفادة من الديوانية الداخلية وبناء ديوانية اخرى خارج البيت لاستقبال الضيوف فهل تريد الحكومة منا ان نجلس نحن والنساء في الصالات الداخلية للبيوت ام يريدون منا طرد ضيوفنا الذين يجدون المشقة في الوصول الينا من الكويت وخارجها.
قانون الديوانيات
ويطالب محمد اعضاء مجلس الامة في دور الانعقاد المقبل ان يسارعوا الى وضع قانون يسمح للمواطن الكويتي ان يقيم ديوانية امام بيته وفق شروط ولوائح معينة فهذا القرار سيساعد الاسر الكويتية ان يتوسعوا في بيوتهم ولايخشوا على ديوانياتهم ومجالسهم من الإزالة التي تهددهم بين الحين والآخر في السابق.
وبدوره يقول عدنان البلوشي: ما كان على الحكومة ان تقوم بإزالة الديوانيات خصوصاً ان الاراضي التي اقيمت عليها لايمكن استثمارها الا بالطريقة التي يختارها الاهالي لان هذه المساحات لايمكن استغلالها الا بموافقة اصحاب البيوت وكل المواطنين ارتضوا ان تضع الحكومة اشتراطات وقيوداً لبناء هذه الديوانيات لتنظيمها لان هناك من تجاوز الحدود المسموح بها عرفياً وقانونيا فكان يجب على الحكومة ان تتدخل لوقف مثل هذه التجاوزات.
ويضيف البلوشي ان الديوانيات في الكويت لها اساس وجذور عميقة في هذا المجتمع وهناك اناس معروفون بديوانياتهم منذ القدم، فالديوانيات هي مجالس الرجال وهي تسلية لأهل الكويت يذهبون اليها للتواصل والتسامر في ما بينهم ومن خلال هذه الديوانيات نحافظ على الكثير من العادات والتقاليد.
تنفس الديموقراطية
يوضح البلوشي ان الشعب الكويتي شعب اجتماعي ويجب التواصل فمن هنا تنبع اهمية الديوانية ونتمنى ألا نحرم من هذا المتنفس الذي من خلاله نمارس الديموقراطية ونناقش اصعب القضايا وأشدها بكل حرية لان الديوانية كما نسمع هي البذرة الاولى للديموقراطية في الكويت والكثير من اصحابنا في دول الخليج يحسدوننا على الديوانيات وعلى الحريات التي تمارس فيها.
ويتمنى البلوشي من الحكومة والمجلس ان يضعوا أيديهم في ايدي بعض للرقي بهذه الدولة الحبيبة التي كانت درة الخليج ونتمنى ان تعود كذلك وهي منبع الديموقراطية في الخليج وكل شعوب العالم يحسدون الكويت وشعبها على هذه الديموقراطية الصحيحة السليمة في تطبيقها فلذلك نرجو الاهتمام بالديوانيات وان يعاد بناؤها على نظام معماري معين يحفظ للكويت تميزها الخاص.
من جهته يقول عبدالعزيز علي العبدالله من البحرين ان أهل الكويت معروف عنهم انهم سبقوا الخليج كله في انشاء الديوانيات والتي فتحت لهم المجال للحوار والمناظرة وساعدتهم في التواصل والتراحم في ما بينهم.
ويضيف في البحرين هناك ديوانيات قديمة ولكن تطورت الآن في ظل المجالس البلدية والنيابية وهذه جعلت الديوانيات تنتعش معرباً عن أسف اهل البحرين على ازالة الديوانيات ولكن لكل دولة نظامها وقوانينها وتشريعاتها ونحن لانتدخل في مثل هذه الامور فأهل البلد أدرى.
ويوضح العبدالله ان الديوانيات في رمضان لها طابعها الخاص فالخليج كله يفتح ديوانياته في الشهر الكريم ويكون التزاور والتواصل من بداية رمضان حتى الخامس عشر من رمضان فهذه تكون فترة التزاور بين أهل الديوانيات.
ويبين العبدالله ان التطور في الديوانيات يعتمد بشكل اساسي على رواد الديوانية فهناك ديوانيات للشباب ومنها لكبار السن فأنا الآن بعد صلاة الفجر في الكويت حضرت ديوانيات بعد الفجر مباشرة فيها الشياب وبعض الشباب.
مشاريع مهمة
ويشير عبدالعزيز الى اننا نتمنى من الديوانيات ان تساهم في تآلف وتواد وتراحم أهل المنطقة بالتعارف لان الديوانيات تفتح مجالا لتعارف الجيران وحسن الجوار وتنمية العقل والذاكرة وبعض الديوانيات تناقش مشاريع نيابية أو بلدية تصب في صالح المجتمع، فالديوانيات يجب المحافظة عليها لانها وبكل صراحة تراث كويتي اصيل يجب الاعتناء به والاهتمام بروادها لكي تقوم الديوانية بهدفها الاساسي وهو تثقيف المجتمع وتطويره واتصاله مع جميع مجالات الحياة اليومية التي تخص المواطن.
ويقول محمد العجمي ان الديوانيات في الكويت اعتدنا عليها منذ زمن بعيد وانا افضل الذهاب اليها في رمضان بعد الصلاة فالديوانيات الآن أصبح اكثر روادها من الشباب لان كبار السن لهم ساعات معلومة يجتمعون فيها وبقية الاوقات هي للشباب الذين يتسامرون فيها ويتواصلون من خلالها خاصة في رمضان حيث تمتد أوقات بعض الديوانيات حتى صلاة الفجر.
ويضيف: منذ تفتحت أعيننا على الدنيا ونحن نشاهد آباءنا يذهبون للديوانيات ويأخذوننا معهم لنتعلم العادات والتقاليد التي ورثناها نحن عن آبائنا ولكن الآن التلفزيونات غزت العالم فالشباب الذين يداومون على ديوانيات كبار السن تجدهم متمسكين بالعادات ومن يهمل الديوانية تجده لا يعرف أبسط آداب الديوانيات.
ويوضح العجمي ان ديوانيات أهل الكويت في السابق تبدأ بعد صلاة التراويح مباشرة ويتم من خلالها التواصل والتراحم ونحن كنا نزور اكثر من ديوانية في رمضان لكي نبارك لاصحابها بالشهر حيث انهم كانوا أكبر منا سنا، فالكويت بلد البركة والخير والعطاء وتدخل الفرح والسرور الى قلب كل من يراها.
عدل وظلم
يبين العجمي ان ازالة الديوانيات المخالفة جاءت في محلها لان بعض المواطنين وسعوها وكبروها أكبر من اللازم وخرجوا عن حدود المألوف للتفاخر وغيره، فالازالة جاءت في مكانها واخذ بعض الناس بذنب هؤلاء وتماديهم وأنا مع عدم اعادة بنائها لان الديوانية بالأصل يجب ان تكون من ضمن نطاق المنزل ونحن نتمنى ان تكون الديوانيات للجلسة الطيبة والناس الطيبين وان يبتعد الناس فيها عن الحش والقيل والقال فقد وضعت للتباحث في أمور الدنيا ومصلحة الجميع.
أما فالح الرشيدي فيرى ان الديوانيات وزيارتها عادة جميلة في المجتمع الكويتي ولكن الحاصل الآن ان أغلب الديوانيات وضعت للوجاهة الاجتماعية حيث تجد ديوانا طوله عشرون مترا وقائما على املاك الدولة لا يزوره في الاسبوع أكثر من خمسة أشخاص فهل يعقل هذا الامر؟ لقد حول بعض الناس هذه العادة الجميلة الى مظهر اجتماعي فقط ليقولوا ان فلانا لديه ديوانية كشخة فهناك بعض الديوانيات المتواضعة تجدها مزدحمة على مدار الاسبوع ومتواصلة لعدة فترات من النهار.
ويضيف ان من العيوب التي لحقت بالديوانيات الكويتية الآن ان من يحضر للديوانية يريد مصلحة من صاحبها وبانتهاء هذه المصلحة تجد هذا الشخص لا يحضر اليها نهائيا ناهيك عن «الحش» والحديث في فلان وعلان وهذا الامر جعل الكثير من محبي الديوانيات يعزف عن الحضور لها ومواصلتها لكثرة الكلام عن الناس وسماح صاحب الديوانية بهذا الأمر.
منتدى ثقافتي
ويؤكد الرشيدي ان الديوانية هي عبارة عن منتدى يومي أو اسبوعي يناقش فيه رواد هذه الديوانية مواضيع ذات اهمية قصوى في حياتهم الاجتماعية دون الهمز واللمز ومن يدر هذه الديوانية وهذا الحوار فهو صاحب الديوانية حيث انه يتدخل في حالة وجود شد خلال مناقشة موضوع معين ويقوم بتغيير الموضوع الى موضوع آخر فهذه هي الديوانية التي نطمح اليها ونحن بلد مقبل على تنمية كبيرة فيجب علينا ان نحافظ على روح الدستور من خلال هذه الديوانيات.
ويوضح الرشيدي ان المشكلة الآن في الديوانيات انها لم تعد تعتمد على صاحب الديوانية فانك تحضر الى ديوانية فلان من الناس وتجد «الصبي» هو من يشرف على الديوانية وغيرها وصاحب الديوانية يزور ديوانيات أخرى متجاهلا من يقوم بزيارته وكأن الناس عطشى او جوعى لحضور ديوانه فان الديوانية تقوم على صاحبها وهذا الامر يجب ان يعرفه الجميع وخاصة اعضاء مجلس الأمة.
ويؤكد علي المطيري ان الديوانيات هي مجالس الرجال يتسامرون فيها ويعرف بعضهم أخبار بعض وهي وسيلة جيدة للتواصل والتواد والتراحم وهي مجتمع الأحبة والأقارب يجتمعون فيها بشكل دوري أو يومي وهي بكل صراحة متعة الكويت وهي ميزة في هذا الشعب ففي الدول الاخرى تجدهم يسهرون في المطاعم والمقاهي أما نحن في الكويت فتكون سهرتنا ومجلسنا في الديوانيات التي تضم الحبايب ولا يتجاوز فيها أحد على أحد.
ويضيف ان الديوانيات في الكويت أصبحت مدارس لتلقي الدروس فهناك ديوانية فلان فيها محاضرة عن موضوع معين فالديوانية الكويتية وسيلة جديدة للتثقيف فعندما قلت القراءة والمطالعة ازدهرت الديوانية فهناك الديوانية الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها الكثير فالديوانية لها اثر ايجابي كبير على المجتمع الكويتي.
ويوضح المطيري انه مع مرور الزمن تحدث هناك بعض الامور السلبية في اي مشروع اجتماعي كان، فيجب على المجتمع ان يتداركه، فبعض الديوانيات اصبحت فقط للحش والقيل والقال، وهناك ديوانيات فقط للتسلية ولعب الورق «الجنجفة» وبعض الشد والجذب في هذه الالعاب بسبب بعض العداوات بين رواد الديوانية، ويأتي هذا بسبب ضعف شخصية صاحب الديوانية في ادارة الحوار وتهدئة النفوس.
ويبين ان هناك عيوبا طرأت على الديوانيات مع مر الزمن، فهناك ديوانيات تضم الرجال والنساء وهم يطلقون عليها مسمى ديوانية وهي بالاساس صالة استقبال فهذا الامر يشوه سمعة الديوانية الكويتية في الخارج، فالمجتمع يجب ان يلتزم بالمحافظة على العادات والتقاليد.
ويشير المطيري إلى ان ازالة الديوانيات سلاح ذو حدين، حيث انه جيد من ناحية تمادي البعض في طول الديوانيات واستغلالها، فيما يخالف القانون من انتفاع مادي من املاك الدولة وهناك من ضايق جيرانه في تأجير العزاب في هذه الديوانيات، واما الجانب الاخر غير الجيد في نظري أنه لم يتم التمييز بين الصادق والمخادع، فأخذ بعضهم بذنب بعض، فهناك من هو فعلا بحاجة ماسة إلى الديوانيات حيث ان بيته لايستوعب عدد افراد اسرته وهذا جاء بسبب خلل حكومي لا دخل للمواطن فيه.
وختاما يقول المطيري، يجب على مجلس الامة والوزراء أن يضعوا اسسا وقوانين لتنظيم بناء الديوانيات وان تكون هناك ضريبة رمزية عليها، لكي تتمكن الدولة من الاستفادة من قيمة الارض التي لا يمكن استغلالها الا بهذه الصورة، ومن ناحية أخرى يتم التخفيف عن المواطنين الذين ظلموا في بيوتهم التي تبلغ مساحتها 280 مترا في الظهر والصباحية وصباح السالم وغيرها.

دواوين الكويت... صوت الرأي العام

يذكر موقع «مقاتل من الصحراء» الالكتروني تعريفا للديوانية الكويتية ودورها الاجتماعي والسياسي ونوجز منه ان «الديوانيات في نجد غرفة صغيرة لاستقبال الرجال ملحقة بالبيت يستضيف فيها صاحب البيت الخاصة من الرجال، فهي تختلف عن المجلس الذي يكون عادة اكبر منها ويستخدم لاستقبال الضيوف الغرباء والمناسبات الرسمية».
واوضح ان الديوانيات عادة أقرب إلى داخل المنزل وفيها فرش «جلسة عربية» ومزودة بأدوات اعداد القهوة والشاي وبها مكان لايقاد النار «الوجار» وتصف أواني اعداد القهوة والشاي التي يطلق عليها «المعاميل» على رفوف خشبية تستند إلى الجدار الملاصق لمكان ايقاد النار وتدعى هذه الرفوف «الكمار».
وتقدم القهوة للضيوف بعد تحضيرها في الدلة بأكواب صغيرة «فناجين» من الخزف الصيني ناصع البياض الذي ربما يكون مزينا بنقوش ذهبية وقبل ذلك كانت تقدم بأكواب صغيرة من الفخار.
وكلمة الديوانية رغم ما فيها من دفء وخصوصية بدأت تختفي من معجم المصطلحات العمرانية في قلب شبه الجزيرة العربية، اذ انه تغيرت اسماء الكثير من اجزاء المنزل ومنها الديوانية فقد اختفت الديوانية من مخططات المنازل في نجد وربما حل محلها بيت الشعر البدوي الذي صار يشيد بجانب مدخل الرجال.
وجدت الديوانية التي انتقلت مع الاسر المهاجرة من قلب شبه الجزيرة العربية وقطاعها الشرقي إلى الكويت صدى وعمقا اكبر لدى المجتمع الكويتي وربما كان لاعتماد البلاد على الغوص وتجارة اللؤلؤ اثر في ذلك ان يحتاج الناس لتحديد مكان يلتقون فيه للحديث عن المراكب الآتية والمغادرة ومعرفة اخبار من غادر الكويت ومن قدم اليها من التجار برا وبحرا.
كما ان العائدين من رحلات الغوص بحاجة للجلوس مع اقاربهم وجيرانهم للاطمئنان على احوالهم ومعرفة اخبارهم.
اما صفة الديوانية في البيوت الكويتية القديمة لا تختلف كثيرا عما كان موجودا في قلب شبه الجزيرة العربية ونطاقها الشرقي في الاحساء، فهي غرفة مخصصة للرجال تطل على الفناء الخاص بمدخل الرجال ومجهزة بأدوات اعداد القهوة الا انها لا توجد في كل المنازل، بل اقتصر وجودها في الغالب على منازل اسر الموسرين والاسر الكبيرة.
ويتصدر المجلس في الديوانية صاحبها او كبير الاسرة الذي يكون مجلسه عادة بجوار مكان اعداد القهوة بينما يجلس الباقون على الجانبين ويتجاذبون اطراف الحديث الذي لا يحكمه الا توجه صاحب المجلس وهيبته ونوعية الحضور وصلاتهم الاجتماعية.
ولئن فقدت الديوانية اسمها وبقي دورها وتصميمها المعماري واجزاؤها الداخلية في البيوت في نجد وشرق شبه الجزيرة العربية فان الديوانية في الكويت احتفظت باسمها ولكن مع تغير كبير في تصميمها وتجهيزاتها الداخلية اذ انه مع النهضة العمرانية الحديثة وامتداد الكويت وتوسعها وتغير الطراز المعماري للبيوت من المنازل الشعبية المتلاصقة إلى البيوت الواسعة بأفنيتها وحدائقها ومداخلها المتعددة.
نقلت الاسرة الكويتية الديوانية معها إلى المنزل الجديد ولكن بشكل اكبر وأوسع بل ربما استقلت الديوانية عن المنزل تماما بفنائها وملحقاتها، وقد اختفى مكان اعداد القهوة من صدر المجلس في الديوانية ووجد غرفة صغيرة ملحقة بالديوانية مجهزة بالأواني اللازمة لاعداد القهوة والشاي.
لقد ازداد عدد الديوانيات في الكويت بشكل كبير وتنافس الناس افرادا وأسرا وقبائل في افتتاح ديوانياتهم الخاصة وتنشيطها كل في محيطه ومجاله وحسب قدراتهم ونفوذهم وليس من المجاز القول ان ما يدور في الديوانيات المختلفة يعكس الرأي العام الكويتي بقدر كبير من الدقة ويمكن القول ان الديوانية اصبحت المحرك والمؤشر المرجعي للكثير من القرارات.
رغم ان النقاش في الديوانية عموما يتقلب من يوم لاخر تبعا لاحداث الساعة واهتمامات المجتمع والحضور في الديوانية الا ان مستوى النقاش واسلوب الطرح وتوجهاته يحكمه المستوى الثقافي للحضور وعلى رأسهم صاحب الديوانية ومن الممكن تصنيف الديوانيات الكويتية إلى سبعة اصناف فمنها ديوانيات الاقتصاد والتجار وهذه روادها عادة من المفكرين الاقتصاديين ومن كبار التجار، و الديوانيات السياسية وتناقش فيها القضايا السياسية محليا واقليميا وعالميا.
ومن الديوانيات الكويتية ايضا ديوانيات الفكر والثقافة وتطرح فيها قضايا علمية وفكرية وثقافية، و الديوانيات الموالية او المؤيدة للحكومة، ويقوم بها بعض المحسوبين على الحكومة وتوجيه نقاشات دائما لتأييد القرار الحكومي وتبريره، وايضا الديوانيات المختصة مثل اصحاب الحرف الصيادين وشعراء النبط، وهناك ديوانيات الرعيل الاول والهدف منها احياء التراث ورعاية كبار السن، وهناك الديوانيات الترفيهية وهذه الاخيرة روادها دائما من اليافعين الشباب الذين يلتقون لتمضية الوقت والسمر.