ضوء / القائم بأعمال السفارة اللبنانية في الكويت بهرته الكلمة... فتبعها
ماهر الخير... ديبلوماسي يرى الشعر بوابة دخوله إلى الحياة
| كتب مدحت علام |
1 يناير 1970
08:44 م
أول شاعر لبناني وعربي يدخلُ «الأوبرا هاوس» في سيدني
حصد الجوائز... وشارك في الأمسيات الشعرية وصور قصائده فيديو كليب
لم تلهه تبعات ومشاق عمله الديبلوماسي في أن يكون شاعراً عربياَ متميزاَ
وأنت تتعقب - بالبحث أو القراءة - التجربة الإبداعية للشاعر والديبلوماسي القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الكويت ماهر الخير، سيطل من ذهنك سؤال ملح وضروري، ربما تساهم الإجابة عنه في توهج أيقونة فهمك وتواصلها مع لغة شعرية مغايرة، تحتل منظومتها الإنسانية الحيز الأكبر في النسيج الإبداعي.
والسؤال مفاده: هل يكتب الخير شعره من خلال صفته الديبلوماسية، أم أنه يمارس صفته الديبلوماسية على إيقاع شعره؟!
وحينما نتتبع - بالبحث والدراسة - حياة الخير الأدبية والديبلوماسية، سنجد أنه لا انفصال بينهما فهما البوتقة التي وضع فيها تجاربه ومعرفته وقناعاته في الحياة وبالتالي خرجت هذه الأمور مكتملة، إما في ممارسة ديبلوماسية ناجحة أو قصيدة شعرية محكمة تضع في اعتبارها الأول الإنسان.
وإنه... وأنت مستريح للإجابة على سؤالك الضروري... ستعرف أنك في حضرة شاعر يكتب بلغته الديبلوماسية وديبلوماسي يمارس مهام وظيفته بروحه الشعرية... وبالتالي سترى الصورة مرسومة في ذهنك لإنسان يمارس في صفتيه الديبلوماسية والشعرية، عملا يتقرب من خلالهما إلى الإنسانية ببهائها وسلامها ومحبتها.
ومن خلال هذه المنظومة المغايرة التي اتسم بها الخير عبر رحلته مع الشعر والسياسة، كانت الخطوات واثقة، والنجاح متواصلا - خصوصا على صعيد الشعر - الذي أعطى له الخير النصيب الأكبر من الاهتمام، لنراه يجنح إلى إصدار العديد من الدواوين... «فوق بحيرة كانبيرا» عن دار ميرت في القاهرة عام 2008، و«عصافير كوبري قصر النيل» عن دار ميرت في القاهرة عام 2008، و«شمس لقميص أزرق» عن دار الجيل في القاهرة عام 2005، و«عاريا تحت الشمس» عن دار الفارابي في بيروت عام 1998، و«ماذا أفعل بأجنحتي الآن» عن دار الفارابي في بيروت وطبعته الأولى صدرت عام 2011.
في ما لم تتوقف تجربة الخير عند المجموعات الشعرية المطبوعة، ولكنه استرسل في خوض التجربة لينتقل بها إلى تقنيات أخرى مرئية ومسموعة ليصدر ألبومين هما «بكاء الثلج» إنتاج جبالي ميوزك في القاهرة عام 2005، و«عاريا تحت الشمس» إنتاج لورد ساوند في بيروت عام 1998، إلى جانب القصائد المصورة... «الزمن المجنون» إنتاج خاص سيدني 2010، «بكاء الثلج» إنتاج تلفزيون «إي آر تي» وحصل في هذه القصيدة المصورة على جائزة خاصة من مهرجان الفيديو كليب الدولي عام 2006، و«ستمزق العصافير صدر السماء» من إنتاج تلفزيون «إي آر تي» وحصل فيها على جائزة أوسكار مهرجان الفيديو كليب الدولي عام 2004، و«رسائل سرية من بيروت» إنتاج خاص في بيروت عام 2000.
وتأخذنا تجربة الخير إلى الأفلام القصيرة التي أنجز في مجالها عملين هما «صوت الشعر» إنتاج خاص والذي اختير من بين 200 فيلم في مهرجان كانبيرا للأفلام القصيرة عام 2009، و«قنصل الشعراء» إنتاج جبالي ميوزك، وهو يتحدث عن رحلة ماهر الخير الشعرية، وأنتج في القاهرة عام 2008، فيما ينتظر القراء - تحت الطبع - مختارات من شعر الخير مترجمة إلى الإنكليزية، وتولت ترجمتها الدكتورة رغيد النحاس وستصدر عن دار بابيروس للنشر في مارلبورن في استراليا.
إنه الشاعر والديبلوماسي اللبناني ماهر الخير المولود في طرابلس القديمة من أسرة متحدرة من بلدة المنية الشمالية، وأنهى دراسته الابتدائية في مدينته بينما حصل على الثانوية في زغرتا، بعدها سافر إلى فرنسا التي عاش فيها ردحا من الزمن، درس خلالها اللغات والآداب وتخرج في جامعاتها، كما أنه أسس منتدى شعريا وعمل في الإعلام وبحكم عمله الديبلوماسي تنقل في العديد من عواصم الدول الكبرى، ناهلا من علومها وثقافاتها.
هكذا تقول سيرته الذاتية المختصرة... بينما سيرته الإبداعية فإنها تشير إلى إنجازات كثيرة حققها الخير، من خلال تمكنه من لغته الشعرية وتفانيه في حب هذا الإبداع الإنساني الشامل، وبالتالي لم تلهه تبعات ومشاق عمله الديبلوماسي، من أن يكون شاعرا عربيا متميزا، تخطت قصائده كل المقومات الأدبية، الجذابة، وبالتالي فقد اقتطع الكثير من وقته كي يكتب الشعر ويساهم فيه، بإحساسه المتّقد، ومشاعره المرهفة، لينجز الدواوين الشعرية المطبوعة ورقيا وإلكترونيا والقصائد المسموعة والمرئية «فيديو كليب»، والأفلام القصيرة، علاوة على المشاركة الفاعلة والفعالية في الأمسيات الشعرية، في لبنان ومختلف الدول العربية والعالمية، ومن أبرزها إحياء الكثير من الأمسيات الشعرية في عروض مبتكرة استخدم فيها الضوء والإيقاع الحركي والموسيقى مع الاستعانة بالصور خصوصا على مسارح تولوز، وباريس، وسيدني، وكانبيرا، ودار الأوبرا المصرية.
إلى جانب مشاركته في مهرجانات عالمية... نال في معظمها الجوائز وأهمها جائزة درع أوسكار الفيديو كليب الدولي في مصر عام 2010... وحصل عليها عن مُجمل أعماله الشعرية المصورة. وجائزة أوسكار أحسن شعر في مهرجان الفيديو كليب الدولي عام 2004، وهو أول شاعر لبناني وعربي يدخلُ «الأوبرا هاوس» في سيدني.
في ما بثت قناة «مزيكا» المصرية للشاعر ماهر الخير قصيدة مصورة عنوانها: «الزمن المجنون»، والتي صورت في أستراليا بمشاركة فرق تعبيرية أسترالية وهندية وأوريجنالية، وطاقم من المصورين والتقنيين الأستراليين والعرب. استخدموا أحدث الطرق في التصوير والإضاءة وقام بتوزيعها الموسيقي المصري جورج.
يقول الخير في إجابته عن سؤال إعلامي يتعلق بقدرته على الربط بين العمل السياسي والشعر: «العمل الديبلوماسي جزء أساسي من وظيفة الشعر، الشاعر سفير فوق العادة لخير الانسان والحب والحياة، كل مكان نمرّ به تتمازج أنفاسنا بأنفاس المكان وكل واحد يترك فينا أثراً».
ويرى الكثير من النقاد أن تجربة الخير الشعرية تنتمي للأسلوب التعبيري، الذي يتوهج بالصور الممتزجة بالمعاني، في تألق وحضور، وربما يجانب هذا الرأي الصواب، إلا أن شعر الخير يتخطى هذه الرؤية بمراحل بفضل ما يحتويه من صور وخيالات ومضامين ترقى إلى مستويات متوهجة من الإنسانية، إلى جانب تعدد أشكال اللغة الشعرية بين الخفوت والعلو، والانتقال الضمني والشكلي، بين رؤية وأخرى حسب ما تتطلبه الحالة الشعرية، والاعتماد الموفق على الجرس الموسيقي الداخلي الذي يهتم في المقال الأول بالإيقاع الإنساني سواء في الكشف عن المشاعر أو التواصل مع حزمة من الكشوفات الشعرية المزدحمة بالصور البلاغية.
وعلى هذا الأساس فإن شاعرية الشاعر ماهر الخير تنتمي - في ما تنتمي - إلى أساليب متشابكة ومتلاحمة في ما بينها، فقد تجدها تارة تعبيرية وتارة أخرى انطباعية، وفي احيان كثيرة رمزية، تأخذ منحى التجريد، وقد تزداد فيها الرؤية لتصل إلى الواقعية في تجليها، وهذا التنوع يدفعنا إلى أن نرى قصائد الخير من منظورها الحقيقي، المعتمد على الوصف والكشف والارتقاء بروح الحياة، ما يجعلها غير قابلة للتصنيف، ووضعها في إطار أسلوبي محدد.
ومن ديوانه «ماذا أفعل بأجنحتي الآن» يقول الشاعر والديبلوماسي ماهر الخير في قصيدة «الثلج الدافئ»:
هل الذاكرة حقا خائنة
أم واحدنا مصاب بالشيزوفرينيا
لكن الليل الثلجي يعوي على بابي
نمنا على جلده الأبيض القارس
وها الحب في العراء
يتهاوى على شرفتنا مثل قطن دافئ
إن الشاعر ماهر الخير يلتقط الصور الإنسانية من منظورها الحسي، من أجل تأكيدها شعرا عبر لغة متناغمة مع المضامين الإنسانية، ومن ثم بلورتها في قصيدة تحمل قدرا كبيرا من الرؤى والتحولات، والحوارات الداخلية، تلك التي تجعل المتلقي متقدا بالتفكير مندهشا بمدلولات الصور والخيالات، وهذا ما يميز الخير عن غيره من الشعراء، كونه يريد لشعره أن يكون كائنا حيا ينبض بالحياة والحيوية، وليس كلمات جامدة، لا تبعث في النفس الحيرة والتفكير.