رسالتي
غزة وحلب... والإسراء
| عبدالعزيز صباح الفضلي |
1 يناير 1970
11:03 م
من أجمل السير وأروعها، تلك التي تتحدث عن حياة خير البرية وسيد البشرية، حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فسيرته لا يُملّ حديثها ولا يسأم تكرارها.
وهو قدوتنا في حمل لواء الحق والدفاع عنه، وهو مثالنا الأول في تحمل الأذى واحتساب الأجر، وهو خير من علّمنا التفاؤل والثقة بالله تعالى.
وها هي ذكرى حادثة الإسراء والمعراج تمر بنا فنسْتَلْهم منها العظات والدروس والعبر.
وأعتقد بأن أولى الناس في تأمل سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام - هذه الأيام - هم أهلنا المحاصرون في غزة، وإخوتنا المستضعفون في حلب وعموم الشام. لقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام يدعو أهل الطائف إلى الإسلام متأملا أن يجد منهم استجابة أفضل من أهل مكة، إلا أن كفرهم وسوء تعاملهم لم يقل عن أهل مكة، فلقد سلطوا عبيدهم وصبياهم على رسول الله - بأبي هو وأمي - فرموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين.
وبعد خروجه ووصوله إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، قال عليه الصلاة والسلام دعاء تتفطر له القلوب وتدمع له العيون وهو لسان حال أهلنا في غزة وحلب: «اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقِلّة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني، أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري إن لم يكُنْ بك غضب عليّ فلا أُبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنْزِل بي غضبك، أو تُحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».
ولك أن تتخيل الحالة والشدّة التي وصل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقول مثل هذا الدعاء المؤثر.
وبعد الدعاء مباشرة جاءته الاستجابة، إذ جاءه جبريل ومعه ملك الجبال وهو يقول: «إن شئت يا محمد أطبقت عليهم الأخشبين - أي الجبلين». ويرجع عليه الصلاة والسلام إلى مكة ويدخل في جِوار «مطعم بن عدي» الذي حمل سلاحه وأولاده لحماية رسول الله فلم يقترب منه أحد حتى دخل بيته. وبعدها أتاه جبريل ومعه البراق وتمت أول رحلة إلى الفضاء عرفتها البشرية.
ومن أراد تفاصيل حادثة الإسراء والمعراج فسيجدها في كتب السيرة، وما يهمنا هنا هو الدروس والعبر. فمن هذه الحادثة نتعلم أهمية اللجوء إلى الله تعالى في الشدائد وحسن الظن بأن فرجه قريب. ونُدرك أن الله قد يُسخّر للدفاع عن الدين والحق وأهله من هم على غير الملة نفسها كما حدث من موقف «مطعم بن عدي». ونوقن بأن طريق الحق صعب وشاق، وهو يحتاج إلى تحمل الأذى والثبات على المبدأ حتى يأتي فرج الله ونصره.
ونتأمل الحكمة من جعل الإسراء والمعراج يمر عبر بيت المقدس وليس إلى السماء مباشرة، لنعرف أهمية بيت المقدس وأرض فلسطين المباركة، ولعلها التفاتة إلى أنها الأرض التي سيدور حولها صراع المسلمين مع بني إسرائيل. ونأخذ درسا في أنّ من وثق بسلامة طريقه، وجب عليه تبليغه للآخرين ولو كثُر مخالفوه، ولذلك بعد حادثة الإسراء انطلق الرسول عليه الصلاة والسلام ليبلغ أهل مكة بالحادثة، وليستمر بعد ذلك في دعوة الناس إلى الإسلام.
ومن أعظم الدروس أن بعد المحن تأتي المنح، وبعد البلايا تأتي العطايا، وبعد الألم يشرق الأمل، وأن العُسر يعقبه اليُسر، وأن بعد الكرب يأتي الفرج بإذن الله. فيا أهل غزة وحلب، ويا أيها المستضعفون في بقاع الأرض «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
Twitter:@abdulaziz2002