أبدى تفهمه لغضب دول الخليج وقال إنها لا يمكن أن تتخلى عن لبنان
سلام: 6700 كويتي في لبنان رغم تحذيرات السفر
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:39 م
سمو الأمير تمنى عليّ الاهتمام بمصير الكويتي المخطوف محسن العجمي ولم تمضِ ساعات حتى أبلغتُه بأنه أصبح في أيادٍ أمينة
يمضي تمام سلام، الذي يترأس حكومة تقوم مقام رئيس الجمهورية اللبنانية منذ نحو عامين، في القبض على «كرة النار»، يئنّ أحياناً من متاعبها لكنه يتهيّب رميها لأن البلاد قابلة للاشتعال. يضرب على الطاولة، يلوّح بالاستقالة، يشكو من ان صبره يكاد ينفذ، ثم يمضي في تحمل المسؤولية منعاً للانهيار العام.
في ردهة فسيحة في السرايا الحكومية، عقد سلام جلسة «تفكير بصوت عالٍ» مع المراسلين العرب في بيروت بعدما بلغت الأزمة أوجها بين لبنان وحاضنته العربية والخليجية، بسبب النشاط العسكري والأمني لـ «حزب الله» في المنطقة ودولها.
انتهى سلام للتوّ من اجتماعٍ لمواكبة خطة حكومته في مواجهة «إرهاب» النفايات التي استباحت مناطق لبنانية وغزتها على مدى 8 أشهر وكادت تطيح بالحكومة الهشة لو لم يتم انقاذ الموقف في «الدقائق الخمس الأخيرة».
لا يحتاج سلام، الذي يتحدث وكأن في فمه ماء، الى إثبات لبنانيته او تأكيد عروبته، فالانتماءان يتكاملان في سليل العائلة السلامية التي كانت شريكاً في صناعة استقلال لبنان وفي ترسيخ علاقاته العربية ولا سيما الخليجية منها.
تَداوُل أفكار، توضيح الصورة، حماية اللبنانيين، الحرص على العلاقات مع الأشقاء الخليجيين... عناوين لـ «جلسة السرايا» التي فاخَر خلالها سلام بدور اللبنانيين في نهضة دول الخليج والمكانة التي استحقوها من تلك الدول، مؤكداً على «العرفان بالجميل» لاحتضان الاشقاء لبنان ومنْعه من الانهيار، أكان من خلال اتفاق الطائف او اتفاق الدوحة.
يتابع سلام و«يتلمس» بقلق ما يجري في المنطقة، وسط السيناريوات الغامضة التي لا يمكن التكهن بمسارها، ولذا يحرص على تغيير الصورة التي تكوّنت في الفترة الماضية عن لبنان «اذ لا يعقل المجازفة بعلاقاتنا التاريخية والوثيقة التي بُنيت عبر عقود».
لكن لا يمكن عزْل الأزمة مع دول الخليج عما يعانيه لبنان من أزمات داخلية بسبب الفراغ الرئاسي وسواه. ولا يتردّد سلام في الاعتراف بأنه ورغم ان «الأمن ممسوك، فان الأزمة السياسية مستفحلة. أعطوا السلطة التنفيذية اخيراً ضوءاً أخضر للاجتماع، فها هي تجتمع في الشكل لا في المضمون نتيجة الصراعات الدائمة».
اليوم (امس) يصادف مرور خمسة أعوام على الأزمة في سورية و«ما من أحد كان يتوقع استمرارها كل هذه المدة» في رأي سلام، الذي اعتبر «ان لبنان نجح في الحدّ من الأذى الذي أصابه واستطاع تحصين نفسه ما أمكن، لكن يكفي المليون ونصف المليون نازح سوري الذين لو وُجدوا في بلد غير لبنان لكان أصابه الانهيار، فباعتراف البنك الدولي فإننا تكبّدنا تراكمياً جراء ازمة النزوح 15 مليار دولار».
ويتوجّه سلام الى «الإخوة في دول الخليج»، مقراً بأن أخطاء حصلت في ظل مواجهة دول الخليج والدول العربية لأوضاع ضاغطة وحساسة نتيجة الصراع الاقليمي... نعم ربما حصل تقصير في مكان ما، يقول رئيس الحكومة لكن «الجميع يدركون ان لبنان لا يمكن ان ينسى في اي يوم من الايام أفضال دول الخليج. بكل صراحة وشفافية ووضوح».
وبلغة تراوح بين التمني والتصميم، يمضي سلام في تصحيح الصورة: «نحن نحفظ الفضل ولا ننكر الجميل وتَعاضُدنا وتَكامُلنا مع اخواننا العرب وفي دول الخليج بالذات سيبقى وسنعمل كل ما في مقدورنا من اجل الحفاظ عليه وتمتينه».
ونتيجة الأخطاء في لحظة ما وفي حادثة ما، بحسب توصيف رئيس الحكومة، حصل عتب من دول الخليج تطوّر الى زعل وغضب «انا شخصياً تفهمتُ ذلك، وتالياً طلبتُ قبل مدة من جميع اللبنانيين (في اشارة غير مباشرة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله) استعمال الكلمة الطيبة مع اخواننا الخليجيين. فما من حجة او سبب لنؤذي، لا سمح الله، او نجرح او نستهدف اخواننا الخليجيين».
والمعادلة واضحة وحاسمة بالنسبة الى سلام الذي سبق ان ابلغ الى المسؤولين في دول الخليج قبل عامين حين جرى ترحيل بعض اللبنانيين «لا تتأخروا لحظة بترحيل اي لبناني اذا كان مصدر أذى او ضرر لبلادكم، فمن غير المسموح الذهاب الى اي بلد وارتكاب الأذية ضده. دور اللبناني المساهمة في نهضة تلك الدول لا الإضرار بها، ونحن لن نغطي احداً فاستقرار دول الخليج عنصر أساسي في ظل الانهيار الكبير في المنطقة».
ويتمنى سلام ان تصل رسالته الى دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية «نحن متمسكون بعلاقاتنا مع الاشقاء، ومتمسكون وفي شكل واضح بالاجماع العربي بوجه أيّ كان، لقد أمضينا عقوداً ونحن نحلم بالاجماع العربي فهل نخرج منه عندما نصل اليه؟ ما من خيار أمامنا إلا الاجماع العربي كائناً من يكون في الضفة الاخرى».
ويعرب سلام عن ثقته بقيادات دول الخليج وفي مقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وبثقةٍ مماثلةٍ، يعتقد انه «اذا كان هناك زعل او غضب او عتب فلن ولا يمكن ان يتخلوا عن لبنان، واذا كانوا ينشدون الاجماع العربي، فهذا يعني انهم الأحرص ايضاً على لبنان».
وسبق ان استقبل سلام سفراء دول الخليج في بيروت وأبلغ اليهم رغبته بزيارة بلادهم لانه يريد شرح الموقف وتوضيحه، «وخصوصاً في ضوء وقوفهم قبل غيرهم الى جانبنا بدعم خيار الدولة في لبنان لا أي خيارات اخرى، ونحن سنستمر في طلب الدعم، ولا سيما من دول الخليج، لخيار الدولة في لبنان، ونحن نحتاج الى تفهّم أكثر ودعم اكثر نظراً لما هي عليه أوضاعنا من خطورة»، متمنياً ان تسمح له الفرصة بزيارة الاخوة في دول الخليج، ومتوقّعاً تفهمهم.
ومع المؤشرات التي توحي بإمكان إبعاد بعض اللبنانيين من دول الخليج في ضوء قرار الداخلية السعودية، رأى سلام «ان الأمر غير جديد، اذ سبق ان اتُخذت قبل نحو عامين اجراءات من هذا النوع عندما كانت تُكتشف صلات احد الأشخاص بـ(حزب الله )وغير( حزب الله)، واليوم قد يصبح الامر اكثر تداولاً مع المواجهة الاقليمية، الخليجية - الايرانية».
وكشف سلام عن وجود 16 ألف مواطن خليجي في لبنان رغم قرار منْع السفر إليه والدعوة الى مغادرته، مشيراً الى ان بين هؤلاء 6700 كويتي و3800 سعودي و2700 إماراتي.
وأكد ان الجرائم التي طاولت ثلاثة كويتيين في لبنان الأسبوع الماضي فردية، وقال: «السرعة التي تم فيها كشْف منفّذي الجريمتيْن وتوقيفهم في أقلّ من 24 ساعة تؤكد ان البلد ممسوك أمنياً»، مشيراً الى «ان هذا الإنجاز أراح إخواننا الكويتيين وأثبت ان هذه الجرائم فردية ولا خلفيات سياسية لها أو أبعاد خارجية».
وذكّر سلام بأنه يوم كان في مؤتمر لندن لدعم النازحين في فبراير الماضي «تمنى عليّ سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح الاهتمام بمصير المواطن الكويتي محسن براك الماجد العجمي المخطوف في لبنان، ولم تمضِ ساعات حتى أبلغتُه في اليوم عيْنه أن المخطوف أصبح في أيادٍ أمينة بعدما حرّرته الأجهزة الأمنية».
وازاء مشكلة تورط «حزب الله» في أدوار أمنية وعسكرية في المنطقة، وموقف الحكومة، فان سلام يعتبر «ان الحكومة الحالية ائتلافية والحفاظ عليها في هذه المرحلة الصعبة يتطلب مقاربة بما تيسر لان البديل عنها هو الانهيار»، مشيراً الى انه «عندما اقتضى الامر اتخاذ موقف أمضينا سبع ساعات في جدل واخذ وردّ في الحكومة، حرصاً مني على الخروج بموقف موحد، ولو لم نصل الى إجماع لكانت انهارت الحكومة ربما، وما من احد يريد انهيار الحكومة، فنحن نعمل على تقطيع الأخطار واحدة تلو الاخرى».
ولا يملك سلام اكثر من المناشدة لحض نصرالله على وقف هجماته ضد دول الخليج «المسألة لا ترتبط لا بقرار ولا إجراء فالامر يتجاوز إمكاناتنا»، مقراً بحق دول الخليج القول انها منزعجة مما يجري في لبنان، ومؤكداً في الوقت عيْنه «ان الاشقاء الخليجيين لن يتركوا لبنان. ودول الخليج أدرى من سواها بالمعاناة التي نعيشها. نحاول تصويب الأمور قدر الإمكان».