حوار / «الراي» فتحت مع «صوت العرب» خزانة الذكريات (3 من 6)
نجاح سلام: السنباطي وصفني لأم كلثوم ... «عندي واحدة بتغني زيّك وأحلى منك»!
| بيروت - من هيام بنوت |
1 يناير 1970
01:17 ص
عبدالوهاب كان يريد أن يوطنني في مصر وعبدالناصر منحني الجنسية والسادات قدم
لي وسام الشرف في «أوتيل طانيوس» أعجب بصوتي المنتج حلمي رفلة فوقّع مع والدي فوراً عقد فيلم «على كيفك» الذي استمر عرضه في بيروت 6 أشهر
قلت للمنتج المخرج حسين فوزي «هييجي يوم هتبوس إيدي عشان أمثل معاك وأنا هرفض» وهذا ما حصل
قدمت للسينما المصرية 6 أفلام... لكنني لم أكمل فيها لأن الأدوار التي عرضت عليّ لم تتلاءم مع طبيعتي
أفلام صباح كانت فيها قبلات وهي كانت جريئة جداً في ثيابها وأدوارها ... ولم أكن بمثل جرأتها
نور الهدى شقّت الطريق أمام فنانات لبنان كي يصبحن نجمات في مصر
الفنان المصري متعصب للفنان الحقيقي مهما كانت جنسيته... فقد لحن لي السنباطي والموجي والطويل وبكر وحمدي
ليست مجرد مطربة كبيرة، بل هي مدينة فنية في حد ذاتها! والغناء عندها ليس فقط وسيلة للإمتاع والترفيه، بل هو ثقافة راقية، ونوع من النضال، ومواكبة نبيلة لتاريخ أمتها العربية. إنها المطربة اللبنانية القديرة نجاح سلام، التي شكلت واحدةً من «منارات» الفن العربي، وهي التي انطبعت مسيرتها بنجاحات باهرة استمر صداها يتردد، منذ قرابة 70 عاماً، رغم انكفائها في الفترة الأخيرة.
نحو 5 آلاف أغنية وعشرات الأفلام السينمائية، كلها ساهمت في تكريس ريادية هذه المطربة التي بدأت مشوارها الغنائي في العام 1948، ولم تكن بعد تجاوزت الـ 17 عاماً، لتُراكِم سنة وراء سنة رصيداً فنياً طبع اسمها بـ «أحرف من ذهب» رصّعته عشرات الأوسمة وشهادات التقدير، إضافة إلى ألقاب استحقتها نتيجة مواقفها الداعمة للحركات الثورية العربية ولفلسطين وقضيتها قبل النكبة وبعدها، وللمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، وبينها لقب «المطربة الفدائية» و«مطربة العروبة» و«صوت العرب».
سلام، التي غنت لبنان، لم تبخل بصوتها الذي قدّم لمصر «يا أحلى اسم في الوجود يا مصر»، ولسورية «سورية يا حبيبتي»، وللجزائر «محلى الغنا بعد الرصاص ما تكلم»... وغيرها من الأغنيات للعديد من الدول العربية التي بادلتها الوفاء إما بمنحها الجنسية كما فعلت مصر، أو بتقليدها الأوسمة ومنها «الإخلاص والشرف» من سورية، و«جوقة الشرف» من فرنسا، ومفتاح «مدينة نيوجرسي» و«الأوسكار العربي» من أميركا، وشهادة مجمع اللغة العربية - الجامعة العربية في القاهرة (شهادة لم تمنح لسواها من مطربي ومطربات الوطن العربي) ووسام «الشهيد» من الجزائر وغيرها من دروع التقدير وشهادات الوفاء.
أما لبنان، الذي كان كرمها مرات عدة حيث نالت وسام الاستحقاق الوطني اللبناني المذهب و«وسام الأَرز من رتبة كوموندور»، فأبى إلا أن يرد التحية لها قبل أشهر قليلة بأعلى صوت، حين أقام لها حفل تكريم حاشداً رعاه وحضره وزير الثقافة وجهات رسمية لبنانية وعربية وسط حضور شعبي كثيف، وهو التكريم الذي وصفته سلام بأنه «الأهم في مشوارها الفني»، لأنه جاء من جهة فنية - موسيقية - غنائية هي الأعلى في وطنها لبنان (المعهد الوطني العالي للموسيقى). «الراي» التقت هذه القامة الفنية الكبيرة في حوار ذكريات تنشره على حلقات:
• كيف بدأت رحلتكِ الفنية في مصر؟
- في أحد مواسم الصيف، كنتُ أغني في «أوتيل طانيوس» في عاليه الذي يوجد فيه ملهى ليلي، وكان الموسيقار محمد عبدالوهاب يرتاده باستمرار، والتقيته هناك بعد مرور أربع سنوات على لقائنا الأول في الإذاعة اللبنانية. حينها كان همّي الوحيد أن أجمع رصيداً من أجل السفر إلى القاهرة والعمل فيها، ولكن كلما كنتُ أقول لوالدي إنني أريد السفر إلى مصر، كان يقول لي: «طوّلي بالك. لما يصير عندك نضج فني كامل أنا رح آخدك على القاهرة».
وأثناء غنائي في «أوتيل طانيوس»، التقيتُ عبدالوهاب والمنتج حلمي رفلة وممثلاً مهماً اسمه عزيز عثمان، وهو ابن المغني المشهور محمد عثمان وزوج ليلى فوزي، وكانوا يجلسون إلى طاولة واحدة. فطلب مني عبدالوهاب أن أغني إحدى أغنياته، فأجبته «أكبر تكريم لي إني غنيلك». فأُعجب بصوتي المنتج حلمي رفلة، الذي وقّع مع والدي عقداً في الليلة نفسها للمشاركة في فيلم «على كيفك». وتم التوقيع في أواخر العام 1951 على أن يُنفذ الفيلم في العام 1952، ولكن العقد لم يتضمن شرطاً بأنه لا يمكنني أن أوقّع على فيلم آخر قبل تصوير الفيلم. ولذلك، عندما تلقيتُ عرضاً من المنتج المخرج حسين فوزي وافقتُ عليه، ولكن عندما تبيّن أن الفيلم يتضمن مشاهد رقص وقبلات رُفض الفيلم، كما شعرتُ بأنني أنفر من بعض المشاهد الجريئة، ولذلك قال لي المخرج «لسّاك صغيرة على السينما وفي المستقبل هعمل معاكِ فيلم يناسب طموحاتك». فانزعجتُ كثيراً، لأن الفيلم تحول إلى نعيمة عاكف، التي ما لبث حسين فوزي أن تزوجها، فقلت له «هييجي يوم يا أستاذ حسين هتبوس إيدي عشان أمثل معاك وأنا هرفض»... وهذا ما حصل بالفعل.
• وبالنسبة إلى فيلم «على كيفك»؟
- صوّرناه. هو كان بطولة مشتركة بيني وبين ليلى فوزي ومحسن سرحان وإسماعيل يس، واستمرّ عرضه في سينما «ريفولي» في بيروت لمدة 6 أشهر، فشكّل لي مجداً وشهرة أضيفا إلى مجدي الغنائي. وخلال وجودي في القاهرة، تلقيتُ عروضاً للمشاركة في أفلام عدة، بينها «ابن ذوات» مع إسماعيل يس وسراج منير، و«الدنيا لما تضحك» مع شكري سرحان، ولكنها كانت أفلاماً اجتماعية، فيها غناء ولا وجود للرقص فيها. وكنت أشارك فيها على أساس «نجاح سلام المطربة تغني».
• كنتِ تشترطين الغناء في أفلامك؟
- طبعاً. في الأساس كان المخرجون يتعاملون معي لأنني مطربة. وقدّمتُ نحو 5 أفلام متتالية، كان آخرها «الكمسريات الفاتنات» الذي جمعني بأحمد رمزي وعبد السلام النابلسي والشقيقتين رجاء وعواطف، وهما فنانتان مشهورتان كانتا تقدمان الرقص في الأفلام المصرية.
• هل أخذتك مصر من لبنان في هذه الفترة؟
- وجودي في مصر جعلني أبتعد عن لبنان. وصحيح أنني كنتُ أقدم أغنيات، ولكن حضوري تراجع قليلاً، ولذلك عدت إلى لبنان وقمت بنشاط غنائي مكثف جداً. وعندما كان يقال مَن مطربة لبنان الأولى في تلك المرحلة؟ كان الجواب: نجاح سلام ونور الهدى وصباح.
• هذا يعني أن فيروز كانت لا تزال تغني ضمن الكورس؟
- نعم، ولكن كان لديها بعض الأغنيات الخاصة في الإذاعة اللبنانية.
• إذاً فيروز أصغر منك؟
- نعم، هي أصغر مني بثلاث سنوات. فيروز من مواليد العام 1934 وأنا من مواليد العام 1931.
• ولماذا ابتعدتِ عن السينما المصرية؟
- قدّمتُ للسينما المصرية 6 أفلام، ولكنني لم أكمل فيها لأن الأدوار التي كانت تُعرض عليّ لم تتلاءم مع طبيعتي. أنا مطربة وصباح أيضاً، ولكن أفلام صباح كانت فيها قبلات وجرأة. صباح كانت جريئة جداً في لباسها وأدوارها، ولم أكن بمثل جرأتها.
• هذا الأمر جعل المخرجين يمتنعون عن التعامل معك؟
- كنتُ أفرض شروطاً محدَّدة للمشاركة في أي فيلم.
• ألم يؤثّر فيكِ هذا الوضع، أو يشعرك بالإحباط؟
- على الإطلاق، لأنني أسستُ في لبنان شركة سينمائية «سمر فيلم». كنتُ أحب السينما وقدّمت في لبنان 7 أفلام، وفي مصر 6 أفلام.
• هل حوربتِ في مصر؟
- أبداً. الفنان الحقيقي لا يحارَب في مصر، والمدّعي «بيقطعولوا ورقة من أول يوم».
• ألم تحصل منافسة بينك وبين صباح، لكونكما تواجدتما في الفترة نفسها في مصر؟
- على الإطلاق. كانت بيننا صداقة ومحبة وزيارات.
• حتى سعاد محمد اشتغلت في السينما المصرية؟
- نعم، ولكن من خلال فيلم واحد اسمه «فتاة من فلسطين».
• وبالنسبة إلى نور الهدى؟
- نور الهدى هي نور الهدى، وشقت الطريق أمام فنانات لبنان كي يصبحن نجمات في مصر،لأنها كانت أول فنانة لبنانية تشارك في السينما المصرية، ويومها أعطاها يوسف وهبي 15 ألف جنيه، وهو أعلى أجر في تاريخ السينما المصرية، لقاء مشاركتها في فيلم «جوهرة».
• وهل كان ينقص السينما المصرية وجوه جديدة؟
- بل كان ينقصها وجوه سينمائية تغني. كانت هناك ممثلات، ولكن في ما يتعلق بمطربات يمثّلن لم يكن هناك سوى شادية.
• وكانت هناك ليلى مراد أيضاً؟
- نعم، ولكن كان عددهن لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. والسينما المصرية كانت في حاجة إلى النجمات اللبنانيات لأسباب تجارية، لأن الفيلم كان يباع بسعر مرتفع في السوق اللبنانية. وهذا ما دفعني ومحمد سلمان إلى تأسيس أول شركة سينمائية في لبنان. قبلنا كان هناك إنتاج أفلام، ولكنها كانت أفلاما تعاونية.
• هل أحببتِ السينما أكثر من الغناء؟
- كلا. الغناء احتلّ المرتبة الأولى عندي، كما أنني أحببت السينما لأنني كنتُ أغني فيها. لو أن السينما لم يكن فيها غناء، لما كنتُ مثّلتُ. مثلاً عندما عُرضت عليّ المشاركة مع سعاد حسني وكمال الشناوي وشكري سرحان في فيلم «سرّ الهاربة»، قلتُ لهم: «إذا ما في إلي أغاني بالفيلم ما بدّي... أنا مش ممثلة، بل مطربة ممثلة»، ولذلك أوجدوا لي فيه أربع أغنيات ساهمت في رفع الفيلم. وعندما شاركتُ في فيلم «ابن ذوات»، وفى محمد عبدالوهاب بوعده وأعطاني لحن «يا سكة السعادة» الذي حقق نجاحاً كبيراً.
• هل اقتصر تعاونك مع محمد عبدالوهاب على لحن واحد؟
- محمد عبدالوهاب كان يحب صوتي كثيراً، ولكن عدم إقامتي بشكل دائم في مصر في المرحلة التي عرف فيها طوفاناً بالألحان، حال دون تعاوننا.
• ولماذا لم تقيمي في مصر بشكل دائم، بما أن مصلحتك الفنية كانت تقتضي ذلك؟
- في العام 1960، وُلد نشيد «الوطن الأكبر»، وكان يتضمن مقطعاً يقول: «شوف بيروت بعد العدوان» كان من المفترض أن أغنيه أنا، حتى أنني أجريتُ بروفة عليه، وتم تسجيله بالإذاعة بصوتي، ولكن قبل أن يتم تصويره تلفزيونياً بنحو شهر، طُلبت مني المشاركة في مهرجان «نهر الوفاء» مع وديع الصافي الذي لا يمكن أن أرفض طلباً له لأنني أحبه كثيراً. مع الإشارة إلى أنه عندما كنتُ أعود إلى بيروت، لم أكن أكتفي بالمكوث فيها ليوم واحد أو يومين، بل كنتُ أنهي عملي في الإذاعة وأنفذ التزاماتي الفنية كالحفلات والمهرجانات، ثم أعود إلى القاهرة، ولذلك غبتُ عن الملحنين المصريين.
• وهل نفهم من كلامك، أن الأمر لا علاقة له بما يقوله البعض من أن المصريين «متعصبون» لأولاد بلدهم؟
- هذا الكلام غير حقيقي. الفنان المصري متعصّب للفنان الحقيقي مهما كانت جنسيته، بدليل أنني تعاملتُ مع أهمّ الملحنين المصريين أمثال رياض السنباطي ومحمد الموجي وكمال الطويل وحلمي بكر وبليغ حمدي، وأجمل أغنياتي كانت من ألحانهم. رياض السنباطي زعل مرةً من أم كلثوم، فقال لها: «عندي واحدة سأعطيها ألحاني بتغني زيّك وأحلى منك»، وأعطاني مجموعة كبيرة من الألحان من بينها «عايز جواباتك»، «يا ظالمي» وسواهما.
• هذا يعني أن خلاف رياض السنباطي مع أم كلثوم صبّ في مصلحتك؟
- بل كنتُ أحب أم كلثوم، وأوّل لقاء لها عندما زارت لبنان كان معي. إلى ذلك، فإن وردة الجزائرية كانت تغني أغنياتي في باريس، ومَن يراقب شكلها في صورها القديمة كان يظن أنها أنا. المرحلة السينمائية في مصر، كانت مزدهرة. وكوني مطربة لبنانية أقمتُ في مصر، تم تكريمي فيها مرتين كمطربة عربية وطنية. المرة الأولى في زمن جمال عبد الناصر والمرة الثانية في زمن أنور السادات، بعد وفاة عبد الناصر مباشرة. التكريم الأول كان في إحدى الحفلات بحضور جمال عبد الناصر، أثناء الثورة، في مسرح نادي الضباط في الزمالك. وبعدما انتهيت من الغناء سلّمت على الريّس، فقال لي: «يا نجاح وحشتينا. إنتِ نازلة فين؟»، فقلت له «في أوتيل سميراميس»، فردّ قائلاً: «ياخبر... في أوتيل ليه ما عندكيش بيت في مصر؟»، فأجبته بالنفي. في اليوم التالي أمّن لي فيلا من طابقين، في الطابق الأول كان يسكن أحد ضباط قادة الثورة، وأنا في الطابق الثاني.
• وهل كَتبَ البيت باسمك؟
- بل بموجب عقد إيجار صوري بقيمة 5 جنيهات شهرياً. محمد عبدالوهاب كان يريد أن يوطّنني في مصر.
• وهل منحك الجنسية المصرية؟
- نعم، هو (جمال عبدالناصر) منحني الجنسية في آخر أيامه. أما أنور السادات، فمنحني وسام لجنة الشرف للقوات المسلحة في العام 1971، وقال لي هذا الوسام عن مسيرتك الغنائية، وذلك بعد أن غنيت نشيد «أنا النيل مقبرة للغزاة» في العام 1956. هذه الأغنية، كانت تذاع لبث روح الحماسة والبسالة في المقاومة التي كانت تحارب الجيش الإسرائيلي عندما دخل بورسعيد.
غداً
• الكويت أحسنتْ استضافتي ولشعبها في قلبي كل المودة والاحترام
• هناك مقولة قديمة ولا تزال تقال... «يُولد الفن في مصر ويعيش في مصر ويموت في لبنان»!
• عند وفاة وردة بكيتُ بقوة... وحين رحل وديع الصافي لازمتُ بيتي ثلاثة أيام