«سأقوم بما يتوجب عليّ... والكل يتحمّل مسؤوليته»

سلام مناشداً الملك سلمان: يقيني أن السعودية ودول الخليج لن تتخلى عن لبنان

1 يناير 1970 08:19 م
لم يتشاور أحد معي بخصوص «المؤتمر الإسلامي»...أما بموضوع الجامعة فأطلعوني على ذكر «حزب الله» وقلنا إنه لا يمكن لنا السير بذلك
لا يحتاج المرء للتدقيق ملياً في قسمات وجهه ليدرك ان رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام يعتريه اليوم فائض من المرارة والانزعاج، وربما التعب. فبعدما حاول على مدى عامين إطفاء ما أمكن من «كرة النار» التي وَجدتْ طريقها إليه يوم ترأس حكومةً تقوم مقام رئيس الجمهورية «المغيّب»، يشعر الآن وكأن حرائق المنطقة تكاد تأتي على بقايا الهوامش الضيقة لعلاقات لبنان مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خصوصاً بعدما حوّل «حزب الله» لبنان منصة لفتح النار وبلا هوادة على المملكة وأخواتها.

وينتاب سلام ما يشبه المرارة المزدوجة، هو الذي يعاين سقوط الهيكل بعدما حذّر مراراً وتكراراً من خطر الانهيار، ويتجرّع في عهده من جهة أخرى الانتكاسات التاريخية للعلاقة مع السعودية ودول الخليج والتي غالباً ما كان يفاخر بها كـ «إرث عائلي»، أباً عن جد، فإذا به يجد نفسه فوق فوهة من صراعٍ لاهب عابرٍ للحدود لم ينجح لبنان في النأي عنه بعدما تمادت أطراف في الداخل في لعب أدوار «أكبر من بلدها».

«الراي» كانت أمس في عداد «زوار» رئيس الحكومة الذين نقلوا عنه «لا يمكننا السكوت أو عدم التحرك أمام ضيم وزعل المملكة العربية السعودية، وتالياً علينا التأكيد ان تضامننا مع المملكة وما تواجهه مع أشقائنا العرب وبالنيابة عنهم يجب الا يعتريه أي لبس أو غموض. نحن مع الإجماع العربي ولا يمكن ان نكون خارجه في أيّ شكل من الأشكال. ولو تمّ في غفلة من الزمن أو في أي لحظة اتخاذ موقف أو قرار في اتجاه آخر، فهذا لا يمكن ان يكون من سياستنا الثابتة والمبنية تاريخياً على الحرص على الأخوة العربية. والمملكة هي الأخ الأكبر للعرب جميعاً وللمسلمين أيضاً».

وقال سلام، بحسب زواره: «من جهتنا نتطلّع الى الملك سلمان بن عبد العزيز كأبٍ ووالدٍ وحاضنٍ، ليس للعرب والعروبة فحسب بل للبنان واللبنانيين في شكل خاص»، مذكّراً بـ «مآثر المواقف السعودية والخليجية تجاه لبنان على مدى الأعوام الطويلة والتي لم نحصد منها إلا الخير كل الخير»، مضيفاً: «يقيني ان المملكة ودول الخليج لم ولن يتخلوا عن لبنان».

وأبلغ رئيس الحكومة الى زواره «انني دعوتُ لجلسة استثنائية لمجلس الوزراء (اليوم) لاتخاذ الموقف المناسب، الرسمي والمسؤول، بما لا يفسح المجال أمام أي لبس أو شك أو عدم وضوح»، داعياً الى انتظار ما سيكون عليه الموقف في مجلس الوزراء اليوم «لوضع الأمور في نصابها».

وفي موقفٍ لم يخلُ من الحزم، تحدّث سلام أمام زواره عن «انني كرئيسٍ للحكومة وناطقٍ باسمها، وفي هذا الظرف العصيب الذي يمرّ به لبنان، مسؤول مع حكومتي عن تحصين البلاد وصون علاقاتها مع الإخوة العرب، وتالياً سأقوم بما يتوجب عليّ، والكل يتحمّل مسؤوليته».

وفي ما يشبه المرافعة عن دوره بعد ما أشيع عن عتبٍ عليه من جراء تراخيه في مقاربة العلاقة مع السعودية، ذكّر سلام بانه «عندما تمت دعوتنا للانضمام الى التحالف العربي - الإسلامي لمكافحة الإرهاب، اتخذتُ موقفاً فورياً وعلى مسؤوليتي الشخصية بالاستجابة لهذه الدعوة، وتم انتقادي من البعض، لكنني لم أتنازل عن هذا الموقف حرصاً مني على وحدة الموقف العربي».

وأوضح سلام ما يشاع عن تشاور وزير الخارجية جبران باسيل معه في المواقف التي اعتُبرت خروجاً عن الإجماع العربي، فقال: «موضوع التشاور يتم استعماله في شكلٍ كأنه جرى على كل أمر وكل صغيرة... وهنا دعوني أكون واضحاً، اذ في ما خص الموقف في المؤتمر الإسلامي في جدة لم يحصل معي أي تشاور لا من قريب ولا من بعيد، واتُخذ الموقف بمعزل عني ومن دون علمي. أما في شأن الموقف في اجتماع جامعة الدول العربية، فتم التشاور معي في موضوع ذكر حزب الله في البيان، وقلنا إنه لا يمكن لنا السير بذلك، لكن هذا لا يعني اننا لم نكن قادرين على تأييد المقررات رغم الاعتراض على بند فيها إذا كان يتعارض مع سياستنا في النأي بالنفس»، موضحاً: «أما الكلام عن أنه كانت هناك تغطية كاملة فهذا غير صحيح ابداً، خصوصاً في مسألة الإجماع العربي على إدانة الاعتداء السافر على السفارة السعودية في إيران، الأمر الذي لا يمكن قبوله في أي شكل من الأشكال».

وكرر رئيس الحكومة أمام زواره «أن أملنا كبير بالقيادة السعودية وفي مقدّمها صاحب القلب الكبير الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي لم يوفّر مناسبة إلا واحتضن فيها شؤون لبنان وشجونه... نعم نناشد هذا الأب الكبير للجميع ان يعيد النظر بموقف المملكة الأخير للمساهمة معنا في تعزيز هوية لبنان العربية»، متمنياً «ان تمرّ هذه الغيمة العابرة. فالعلاقات اللبنانية مع المملكة وسائر دول الخليج تاريخية ووثيقة وأخوية، وهم كانوا دائماً الى جانبنا في الملمات وسنسعى لحفظ تلك العلاقات».

وفي اللحظة التي كان سلام يستقبل زواره، تلقى «مفاجأة غير مفاجئة» باستقالة وزير العدل أشرف ريفي من الحكومة، فاكتفى بالقول: «حذّرتُ على الدوام من ان تداعيات الشغور الرئاسي تتراكم لأن إدارة شؤون البلاد في ظل الفراغ وفي حمأة صراع سياسي مستعر ستكون معرّضة لمصاعب لا يستهان بها».