«حزب الله» لفرنجية: عمرك يتيح لك الانتظار لفرصة أكثر ملاءمة

«جمهورية الفراغ» في لبنان تبحث عن «الرئيس المفقود» في روزنامة 2016

1 يناير 1970 09:03 م
لم تُلْغِ بيروت احتفالاتها بعيد رأس السنة، على عكس ما تَسبب به الـ «الهلع الأمني» في باريس وبروكسيل. فالعاصمة اللبنانية أصرّت على «الهرْج والمرْج» في وداع عامٍ غير مأسوف عليه واستقبال سنةٍ غير واعدة على الأرجح.

حبّ الحياة، او ربما الهروب الى الأمام، دفع باللبنانيين ومعهم «نظراؤهم» من اللاجئين السوريين الى تمضية ليلة «ليلاء» في مناخٍ غلبت عليه العواصف... أمطارُ من فوق، وأطنان نفايات من تحت، مرابع ليلية غصّت بالرواد وشاشات غصّت بمبارزاتٍ في تَوقُّع الآتي من أحداث.

ولم تحجب الأسهم النارية والمفرقعات وطوفان الأضواء في حفل التسليم والتسلّم بين الـ 2015 والـ 2016، الواقع المأسوي لـ «جمهورية الفراغ» التي تضجّ بأزمات سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية يئنّ تحت وطأتها المصير الوطني برمّته على وقع المخاوف الأمنية المتعاظمة.

وفي أوّل يوم عمل من السنة الجديدة، يعود اللبنانيون الى قديمهم بحثاً عن الرئيس الضائع بعد 20 شهراً من الفراغ في رأس الجمهورية، عن الحكومة الغائبة منذ نحو 12 شهراً، وعن البرلمان المغيَّب على وقع صراعٍ محلي - اقليمي لم يسترِح منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير 2005.

وأكثر المفارقات إثارة في الزمن اللبناني، ان البلاد التي كانت مقسومة حول سبل لمّ سلاح «حزب الله» عجزت عن لمّ النفايات، وان قرار الترحيل لم يقتصر على النفايات، فالاستحقاق الرئاسي جرى ترحيله هو الآخر الى أجَل غير مسمى رغم بارقة الأمل التي لاحت مع المبادرة غير الرسمية للرئيس سعد الحريري بترشيح زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية.

هل يُنتخب فرنجية رئيساً للجمهورية في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة؟... يخضع الجواب الى اجتهادات متعارضة تراوح بين القول ان فرنجية الذي صار رئيساً مع وقف التنفيذ سيشقّ طريقه الى القصر في وقت ليس ببعيد بكاسحة ألغام اقليمية - دولية، وبين الاعتقاد بأن «حزب الله» أجهز على «الدعسة الناقصة» لفرنجية، وتالياً فإن خيار زعيم «المردة» أصبح في «خبر كان».

وبين القراءتيْن كلامٌ كثير عن الأوراق المستورة، وخلْط الأوراق، والمعطى الاقليمي، والوهج الدولي، وتَقاسُم السلطة، وسلّة الحلول، ودفاتر الشروط، والحُكم بأنماط جديدة... وكلام أكثر في الغرف المقفلة على ملابسات معاودة تحريك المياه الرئاسية الراكدة برمي حجر فرنجية، وما رافقها من مبادرات ومناورات وهزّ تحالفات.

وفي رأي أوساط سياسية ان زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري نجح في خياره المكلف بترشيح فرنجية، حتى ولو لم يصل الأخير الى سدة الرئاسة، وهو النجاح الذي تجلّى في فوزه بالنقاط الآتية:

• قلْب الاولويات من الإغراق في التعاطي مع الأزمات الناجمة عن الفراغ الرئاسي، الذي سلّم به الجميع كأنه «حتمية لا مفرّ منها»، الى معاودة وضع انتخاب رئيس للجمهورية أولوية لا بدّ منها لانتظام عمل الدولة ومؤسساتها كمدخل وحيد لمجابهة الأزمات المتعاظمة.

• إظهار «حزب الله» كمسؤول مباشر عن استمرار الفراغ الرئاسي بعد رفضه تسهيل انتخاب حليفه و«مرشّحه الفعلي» النائب فرنجية، وتالياً تحميله تبعة المضيّ بربط مصير الرئاسة اللبنانية بأجندته الاقليمية وبـ «أثمان» ربما يريدها عبر معاودة توزيع كعكة السلطة.

• إحداث «دفرسوار» لا سابق له بين أطراف «8 آذار» مع «انكسار الجرّة» بين فرنجية وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، وانكشاف أزمة ثقة بين فرنجية و«حزب الله» الذي جاهر وعلى نحو حاد باستمرار وقوفه خلف العماد عون.

• ملاقاة رغبة الشرعيتيْن العربية والدولية بالحاجة الى ملء الشغور الرئاسي في لبنان لضمان تحصينه في وجه الارهاب وحفْظ استقراره ومنعه من التحول دولة فاشلة، خصوصاً انه يؤوي نحو مليون و300 ألف نازج سوري يحتاجون الى «بيئة آمنة».

وإذ تبدي هذه الاوساط ميلاً للقول إن حظوظ نجاح مبادرة الحريري، الذي سيطلّ في فبراير المقبل لإعلان استمراره في التمسك بها، أكبر من احتمالات سقوطها، فانها تعتقد انه بات يصعب إعادة وضع الاستحقاق الرئاسي في الثلّاجة في ضوء قرار دولي وإقليمي كبير يقضي بضرورة ملء الفراغ الرئاسي.

ورغم الكلام عن فوز تكتيكي بالنقاط حققه الحريري، فان «حزب الله» لا يعير اهتماماً لمعارك من هذا النوع، وهو لم يُخْفِ مسؤوليته في احتجاز الاستحقاق الرئاسي وعدم مماشاة فرنجية بخيار تَرشُّحه، بدليل ما قاله بـ «مكبرات الصوت» ومن البطريركية المارونية التي دأبت أخيراً على رفْع الصوت دعماً للمبادرة الجدية التي حرّكها تَفاهُم الحريري - فرنجية.

وقالت أوساط وثيقة الصلة بالحراك الرئاسي لـ «الراي» ان فرنجية، الذي كرّر على مسامع قيادة «حزب الله» ولأكثر من عشر مرات كلمته «فرصتي» لبلوغ الرئاسة، سمع منها ايضاً نصيحة بأن عمره يسمح له بالانتظار لفرصة أكثر ملاءمة، فالخيار اليوم هو العماد عون.

ولفتت هذه الأوساط الى ان «حزب الله» الذي أبلغ الى فرنجية صراحة بأنه لن يتراجع عن دعم عون ما دام مرشحاً، كان يدرك ان الأخير كان حاسماً في لقائه مع فرنجية عندما قال له انه متمسك بترشيحه للرئاسة حتى اليوم الأخير من حياته، الأمر الذي يعني قفْل الباب نهائياً في وجه فرنجية.

وإذ يحلو لخصوم «حزب الله» القول ان إحباطه دينامية وصول فرنجية للرئاسة مردّه الى انتظار ما سيحققه الحرس الثوري الايراني في الانتخابات الايرانية، وفي الميدان السوري لتحديد حجم الأثمان التي يريدها الحزب في اي تسوية في لبنان، فان أوساطاً متابِعة تقلل من شأن هذه التحليلات.

ورأت الأوساط المتابِعة ان جانباً من الأسباب التي دفعت «حزب الله» الى إحباط تفاهم الحريري - فرنجية يعود الى الآتي:

• رغم ان فرنجية أطلع «حزب الله» مسبقاً على اتصالاته مع الحريري، فإن الحزب يعتبر نفسه الجهة الوحيدة المخوّلة إبرام ايّ تفاهم يعيد الحريري الى الحكومة، ووفق نمط جديد من الحكم يضمن من خلاله الإمساك بـ «الإمرة الاستراتيجية» في المسائل الحيوية.

• ان «حزب الله» غير موافق على الإطلاق على المعادلة التي استند اليها فرنجية في تَفاهُمه مع الحريري والقائمة على ان رئاسة الجمهورية لـ «8 آذار» والسلطة لـ «14 آذار»، فالحزب الذي لا يعتبر فوز فريقه بالرئاسة مكسباً جوهرياً، يريد حصة مرجِّحة في القرار الذي تمثّله الحكومة.

• «النقْزة» التي انتابت «حزب الله» بسبب اعتقادٍ ساوره بأن فرنجية أخفى عنه تعهدات قطعها للحريري في الأوراق المنقوصة التي تَسلّمها، حيث جرى تغييب مسائل لا يمكن الحزب الموافقة عليها والتي يطال بعضها جوانب ترتبط بعمل المقاومة في الداخل.

• والأكيد في هذا السياق ان «حزب الله» الذي كان أَخرج الحريري من السلطة بانقلاب سياسي - دستوري العام 2011، لن يسمح بإمرار تَفاهُم (يعيد الحريري الى الحكم) لم يكن مشارِكاً فيه وتمّ إبلاغه بموجباته. فـ «حزب الله» الذي يُقاتِل المحور الذي تتزعمه السعودية على امتداد الإقليم، لم يكن في وارد فرش الورود أمام عودة الحريري الى الحكومة وكأن شيئاً لم يكن.