مشهد / الدور السياسي للمثقف العربي
| د. زياد الوهر |
1 يناير 1970
10:59 ص
من أكثر ما ميّز ثورات الربيع العربي في العام 2011 أن الشباب العربي هو من بادر وقاد ونظم تلك الهبّات الجماهيرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر، وقد كانوا على الأرض في مقدمة المنتفضين ضد الطغيان السياسي في بلدانهم، في حين كان دور المثقف العربي غائبا تقريبا أو صامتا صمت القبور لعدة أسباب ومنها الخوف من سلطة النظام وجبروت أجهزته الأمنية والاستخبارية، وكذلك عدم إيمان بعضهم بجدوى تلك الثورات وتشاؤمهم الدائم من أي حركة تغيير، أو بسبب انفصالهم الحقيقي عن الطبقات الكادحة من الشعوب العربية ذلك أن الكثير من المثقفين العرب يعيشون في بروج عاجية ويطرحون حلولهم ونظرياتهم وهم لا يعلمون ما يدور على الأرض فعلا ويتكلمون بلغة لا يفهمها سوى أقرانهم من المتنطعين بالكلام. هذا الصنف من المثقفين من الممكن تسميته بمثقفي الفضائيات والذين يقدمون الحلول الجاهزة دائما وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، فتارة يقولون أن تفشي الراديكالية الدينية هي السبب وتارة أخرى ان الانفتاح المطلق بلا حدود قد جر لنا الوبال والخراب ولم نعد نستطيع أن نقف سدا منيعا ضده.وبنظرة فاحصة لتاريخ المثقف العربي في التاريخ الحديث تكتشف أنهم لطالما كانوا في المقدمة خلال القرن العشرين إلى أن تراجع دورهم تدريجيا واضمحل تأثيرهم ولم تعد تجد من يستمع لهم أو يقيم لهم وزنا، وقد يكون السبب الرئيسي لذلك أن المثقف العربي الحديث يُعتبر بشكل أو بآخر جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي وهو ركن ركين فيه ويمثل أحد أبواقه الداعية إلى الخنوع والاستسلام للواقع المرير وأن المستقبل مجهول ولا بد أن نسير نحوه بهداية ورعاية النظام دون سواه، أو أن يكون المثقف معارضا أبديا لأي إصلاحات ديمقراطية تقوم بها الحكومة، ولذلك فهو يعارض للمعارضة فقط وليس لديه أجندة واضحة سوى الطعن في إنجازات الآخرين واصطياد أخطائهم.لقد مثل هذا الدور السلبي للمثقف العربي الطعنة القاتلة لأي تحرك شعبي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي وسيادة سلطة القانون، فكان البعض منهم يحبط أي محاولة ثقافية واعدة من خلال بث روح الهزيمة والانكسار في صفوف الطبقات الشبابية التي تبحث عن تحقيق أهدافها بالطرق التي تضمن الأمن والسلم المحليين.وهنا لا بد من التذكير أن من أهم أولئك المثقفين أساتذة الجامعات وأصحاب الصحف والكتّاب والفنانين، فكل منهم يلعب دورا مهما لا يقل أهمية عن غيره ولقد شاهدنا كيف لعبت الصحافة والقنوات الفضائية دورا سياسيا كبيرا في توجيه دفة الثورات باتجاه دون غيره وذلك وفق رؤية صاحب القناة أو الصحيفة وبالطبع تبعهم المثقفون الذين يعملون لديهم فأعدوا النظريات ووضعوا العراقيل أمام الثوار الشباب ومن يتبعهم. في حين أن أساتذة الجامعات قد قاموا بدورهم بشكل خجول ووضعوا النظريات التي قرأوها في الكتب وأرادوا تطبيقها على واقعنا العربي وبذلك فشلوا فشلا ذريعا. فالنظريات الصماء والتي وضعها أصحابها طي الكتب ليس ممكنا تطبيقها دونما إدراك حقيقي للواقع على الأرض وهذا ما لم يحصل مع أساتذة الجامعات العربية وبخاصة أساتذة العلوم السياسية والقانونية منهم.
وعلى الجانب الآخر كان للفنانين دور أكبر فاعلية وتأثيرا دون غيرهم بسبب شهرتهم وحضورهم الإعلامي الدائم، ولكن البعض منهم خرج علينا بآراء تؤكد في معظمها الضحالة الفكرية فكانت آراؤهم أضحوكة لغيرهم، ولكن بقى أن نعترف أن محاولة الأنظمة بالزج بالفنانين بالمعترك السياسي؛ نجحت المحاولة أم فشلت، فإنها كانت خطوة صحيحة أدرك الساسة من خلالها أهمية دور الفنانين والفنانات في التأثير على الساحة السياسية والشعبية.
أما الكتّاب فكان لهم دور محدود أيضا رغم غزارة انتاجهم وتحليلاتهم الصائبة في الكثير من الأحيان (إلا من كان محسوبا على النظام) ورغم ذلك فإن تأثيرهم كان لا يذكر في توجيه دفة الصراع على الأرض وفي الفضاء.. فتدافع الانتهازيون ومن خلفهم أصحاب القلوب السوداء وسيطروا على الثورات وجيروها لحسابهم وقادوا البلاد والعباد إلى الخراب والدمار.
لماذا تراجع دور المثقف العربي في التأثير على السياسة العامة للبلد العربي؟ ولماذا أصبحت الأنظمة وحتى الشعوب لا تقيم لهم وزنا؟ ولماذا انكفأوا وتراجع تاثيرهم وأمسوا عالة على الصحافة والإعلام وزاد عددهم حتى قلّت بركتهم.كان المثقف العربي سابقا يبحث عن التميز والتأثير الإيجابي بينما البعض منهم حاليا يبحث عن ضمان المستقبل والكرسي وتأمين النقد الأجنبي والمحلي ولا مانع من تأمين أحفاده وأحفاد أحفاده.
لست ممن يحبون نكأ الجراح والعبث فيها وتقليب المواجع والعودة إلى ما حدث منذ ربيع 2011 ولكنه تأثير الصدمة التي أفقنا منها مؤخرا لنكتشف حجم الدمار والركام التي خلفته الثورات، وما زلت تسمع من هنا أو هناك بعض الأبواق والغربان وهي تنعق بما لا تفقه وتبشر بمستقبل أسود إن تجرأ الشباب العربي على الانقلاب على مثقفيه وساسته في حركة عفوية لإعادة الأمور إلى نصابها.
وخلاصة القول أن الأمور لن تستقيم بدون سياسي محنك ومثقف مخلص ومجتمع واع وإرادة صلبة وحقيقية لديهم جميعا من أجل مستقبل أفضل.
سؤال: هل صحيح أن العِلم في بلادنا لا طعم له ولا رائحة ولا لون؟