في العمق

هنا... تتساقط الهمم!

1 يناير 1970 08:25 م
مقال اليوم بصورة دعوة لأولي العقول المبصرة للإنسلال من دائرة العطالة غير آسفين دخولاً بدائرة الفاعلية، لا أعني بالعطالة أنها مرادفة للبطالة، بل تلك العطالة المتصلة بالأعمال الآنية اللحظية ذات النتائج الوقتية التي تُعطّل استمرارية النتائج وتأثيرها الفعال، واستبدالها بأعمال مستمرة تتحقق معها الفاعلية والأهداف المنشودة.

أبدأ استرسالي بمكونات الفاعلية وهما اثنان أولهما (القدرة) على الإنتاج، والثاني (الاستمرارية) في الإنتاج، متى ما توافر هذان المكونان تجسدت الفاعلية بصورة واضحة، فالفاعلية لا تنفك عن هذين العنصرين لأن الإنتاج بما لا يتناسب مع القدرة والاستطاعة يُجهد الإنسان ويمنع استمراريته وفي حال القدرة تيسرت الاستمرارية التي تحتاج بدورها إلى الإصرار والعزم.

وهنا أبيّن أن مصطلح الإنتاج المطروح لا يرنو إلى كونه زيادة في رأس المال وفتح الشركات الجديدة البتة، وليس الإنتاج هو أداء العمل المطلوب فحسب، بل معنى أكبر من ذلك كله يمتد ليشمل جميع مناحي الحياة، فالحديث عن الإنتاج في هذا المقام لا يقتصر على الإنتاج المادي فحسب بل يعني كل إنتاج وعمل مؤثر إيجاباً لا سلباً، فتربية أبناء صالحين والتأثير الإيجابي على الآخرين وزرع البسمة في وجوه الآخرين، كله من صميم تعريف الإنتاج.

ولتحديد ماهية أعمالنا هناك مؤشر بسيط يساعدنا في ذلك، وهو التساؤل حول فائدة الإنتاج، هل هي آنية لا تتجاوز فائدتها اللحظة الحالية، أم أنها تتسم بالاستثمار بعيد المدى؟، الأدوم هو الأكثر فاعلية لا شك، ولحفظ وضمان هذه الديمومة لابد من الموازنة وهذا مطلب أساسي بمعنى ألا تستهلك كل طاقتك عند قيامك بعمل معين فبذلك لا تستطيع الإكمال نظراً للإرهاق فقد يحد ذلك من الإنتاج أو قد يمنعه على المدى البعيد، اعرف وسعك واعمل بحيّزه دون زيادة.

من ذلك يتضح أنه مما لا ريب فيه لتكون فعّالاً هو أن تكون منتجاً بشكل مستمر، وما أوضّحه هو من صميم معنى الفاعلية كما أوضح ستيفن كوفي في كتابه المشهور العادات السبع، وهنا يتراود إلى ذهني المثل العبقري الشهير «أن أعلمك كيف تصطاد خير لك من أعطيك سمكة كل يوم»، فعندما تحاول غرس الوازع الذاتي في المرء فإن ذلك يكفيك عناء إعطائه أوامر كل يوم، فالفاعلية بمعناها القاصر (أعطيك سمكة) والمعنى الكامل للفاعلية يتمثل في (أعلمك الصيد).

لا أخفيك سراً قارئي أنني ما ذكرت معنى الفاعلية عند ستيفن إلا لكونه معنى إسلاميا أصيلاً! نعم ولك البيان، إن أصل فلسفة الإسلام غير قائمة على النتائج السريعة العاجلة بل هي دائماً قائمة على النتائج بعيدة المدى، فالإسلام ينظر إلى الحياة الدنيا كلها على أنها موقتة وأن الباقية هي الآخرة، ومن ثم فإن نظرة ديننا غير قاصرة على عمل الإنسان الآن وإنما ما يستقيم عليه ويتعهده باستمرار، فنحن نجد دائماً في الجانب التعبدي التوازن بين العمل الحاضر والاستمرارية في العمل واضحة في كثير من النصوص الشرعية التي منها ذكراً لا حصراً: عندما سُئل صلى الله عليه وسلم عن أحب العمل إلى الله فقال «أدومه وإن قل».

فالفاعلية لا تكون إلا بالاستمرارية وهي التي تتساقط عندها الهمم، لذلك لا بد من استحضار معنى الاستمرارية دائماً وتقديمه على النتائج السريعة والإنتاج القليل المتقطع.

A.alawadhi-85@hotmail.com
Twitter: @3ysha_85