رسالتي

شكراً أيها الأعداء

1 يناير 1970 08:03 م
لا يتمنى الإنسان أن يكون له عدو واحد، فضلاً عن أن يكونوا أعداء عديدين، لكنّ تحقيق مثل هذه الأمنية قد يكون من المستحيلات.

فأنبياء الله تعالى ورسله وهم أطهر الناس قلوباً وأزكاهم نفوساً وأحسنهم أخلاقاً، وأرفعهم منزلة، ومع ذلك لم يسلموا من الأعداء والخصوم، فكيف ببقية الناس.

وليس شرطاً أن تكون سيئ الخلق، حتى تكتسب الخصومة والعداوة، بل أحياناً قد يكون نجاحك وتميزك وإقبال الناس على محبتك هو السبب في عداوتك وخصومتك.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيهم

فالناس أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغضاً إنه لدميم

وكما يقول الشيخ سلمان العودة في كتابه الذي اقتبست منه عنوان المقال: «علمتني التجارب ألا آسى على أولئك الذين يأبون إلا أن يكونوا أعداء ومناوئين، فهم جزء من السّنة الربّانية في الحياة، وهم ضريبة العمل الجاد المثمر».

إن أفضل طريقة تتعامل بها مع أعدائك هي الصبر والاحتساب، وأن تتجلد ولا تتيح لهم مجالاً للشماتة مهما بلغت بك الخطوب، فإن شماتة الأعداء داء.

وتجلدي للشامتين أريهم

أني لريب الدهر لا أتضعضع

أن تتعامل مع الأعداء بالنفسية التي حملها الإمام ابن تيمية رحمه الله حين قال: «ماذا يصنع أعدائي بي إن سعادتي في صدري أينما ذهبت فهي معي، فسجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة في سبيل الله».

وأن تكون على يقين بأنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون».

ومع كيد الأعداء وحسدهم ومكرهم إلا أنهم يحققون لك من الفوائد والمكاسب ما لم يكن في الحسبان.

فأحياناً قد يتسبب هجومهم عليك في كسب تعاطف الآخرين معك ودفاعهم عنك، وقد يكون ذمّهم لبعض محاسِنِك سبباً في انتشارها بين من يجهلونك.

وإذا أراد الله نشر فضيلة طُويت

أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرف العود

وقد ينافسك العدو فتسعى للصدارة، وقد يشيرون إلى بعض عيوبك فتقوم بإصلاحها، وقد يدلّونك - دون شعور - إلى بعض الثغرات فتسدّها

أعدائي لهم فضل علي ومنّة

فلا أعدم الله عني الأعاديا

هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

ومن فوائد الأعداء انكشاف حقيقتهم أمام الملأ، خاصة عندما يتيقن الناس من كذبهم وافترائهم عليك، فلا يقيمون وزناً لما يطرحونه ضدك من شبهات، لأنهم جربوا عدم صدقهم، فيكفيك الله تعالى الرد على كذبهم وتلفيقهم.

ومن فوائد الأعداء ما ذكره الشيخ سلمان العودة بقوله: «أنت من علمتني كيف استمع إلى النقد والنقد الجارح دون ارتباك، وكيف أمضي في طريقي دون تردد، ولو سمعت من القول ما لا يَجْمُل أو يليق».

ويوضح الشيخ سلمان العودة فائدة كبيرة نكتسبها من الأعداء في التوازن بين المدح والذم فيقول: «أنتم من كان السبب في انضباط النفس وعدم انسياقها مع مدح المادحين، لقد قيّضكم الله تعالى لتُعدّلوا الكّفة لئلا يغتر المرء بمدح مفرط أو ثناء مسرف، أو إعجاب في غير محله».

للأعداء فوائد متعددة قد لا يتسع المجال لذِكر بقيّتها، وأنصح لمن أراد المزيد أن يقرأ كتاب (شكراً أيها الأعداء) للدكتور سلمان العودة.

وأختم بعبارة جميلة للشيخ العودة: «أتدري لماذا يهاجمونك؟ لأنهم يحبّون اللعب مع الفريق الفائز».

Twitter:@abdulaziz2002