لا إيقافات للشركات المخالفة ... ولا عواقب للكذب!

لماذا تردّى مستوى الإفصاح في عهد «هيئة الأسواق»؟

1 يناير 1970 04:07 م
• شركات مدرجة تسخر من الرقابة وتقدّم إفصاحات غير دقيقة أو تكتم معلومات جوهريّة

• شركة تعلن الشيء ونقيضه خلال 24 ساعة ... و«الهيئة» لا تحرك ساكناً
بعد أربع سنوات على إنشاء هيئة أسواق المال لا يبدو أن منسوب الشفافيّة ارتفع في سوق المال، بل إن شركات كثيرة باتت تسخر من الرقابة، فتكتم معلومات جوهريّة أو تقدّم إفصاحات كاذبة، من دون أن تتحمّل عواقب سلبيّة.

فقد أصبح الإفصاح عن المعلومات الجوهرية وتعقب تطورات وأخبار الشركات المُدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية منذ تدشين هيئة الأسواق المال متردياً الى حد كبير على عكس ما كان متبعا في البورصة قبل العام 2010.

ويأتي ذلك في ظل ما رصدته «الراي» على مدار الفترة الأخيرة من معلومات حيوية تداولتها الصحف ووسائل الاعلام من دون وقفة صارمة من قبل الجهات المعنية، وكأن الهيئة عادت بسوق المال عشرات السنين الى الوراء بدلاً من الدفع به نحو مزيد من التطوير!

وفي السابق، وعندما يُنشر خبر في الصحف المحلية أو تتناقله أي وسيلة إعلامية كانت الاوساط الاستثمارية تتفاجأ بإجراء يتوافق مع ذلك، منها وقف التداول عن أسهم الشركة موضوع الخبر او الشائعة الى حين تقديم ما يثبت او ينفي هذه المعلومة، وإلا يظل الايقاف عن التداول قائم حتى وإن كان هناك إيضاح منقوص.

لكن يُلاحظ أن هناك عشرات الاخبار المهمة التي تتعلق بالوضع المالي لشركات مُدرجة في البورصة، لم يكن لهيئة الأسواق موقف منها، بل ظلت بعض وسائل الاعلام تتداولها، من دون أن يُحرك ذلك ساكناً لدى الجهات الرقابية، ما جعل الاوساط الاستثمارية تواصل الشراء او البيع على أسهم تلك الشركات من خلال التعاملات اليومية ومن ثم التعرض للمخاطر وكأن شيئاً لم يحدث!

المفاجأة ان بعض المعلومات تؤكد تدهور الوضع العام لشركات بعينها وتعرض الكيان الخاص بها للخطر، ولم تكلف الهيئة نفسها عناء وقف التداول عن أسهم تلك الشركات، على عكس ما كان يحدث في السابق لدى تداول أي معلومات حتى وإن كانت بسيطة وتأثيرها محدود.

ولم يعد السوق طرفاً في القضية بحكم التعليمات الصادرة عن هيئة أسواق المال خلال العام 2012 في شأن متابعة الافصاحات والإيضاحات الخاصة بالشركات المُدرجة، إذ يتوقف دور البورصة عند نشر ما يأتيها من إفصاحات مكتوبة من الشركة او من خلال هيئة أسواق المال كما هي دون التعقيب او طلب مزيد من المعلومات.

وبحسب التعليمات آنفة الذكر لم يعد لدى الجهات المسؤولة في البورصة أي صلاحيات او أنياب حقيقية تطلب من خلالها بتفاصيل فنية تجعل الامور أكثر شفافية في ما يتعلق بتتبع الأخبار الصحافية أو التطورات التي ترد عن أي شركة من الشركات المُدرجة أو التابعة أو الزميلة لها، لافتة إلى أن الأمر كله أصبح من صميم عمل الهيئة والهيئة فقط.

وتؤكد قواعد الافصاح المعمول على ضرورة الإعلان وبشكل شفاف عن أي معلومة لدى المصدر تتعلق بنشاطه او بشخصه أو بمركزه المالي أو إداراته، ولا تكون معرفتها متاحة للجمهور والمتعاملين ولها تأثير على أصوله أو خصومه أو وضعه المالي أو على المسار العام لأعماله، ويمكن أن تؤدي إلى تغير في سعر أو حجم تداول الورقة المالية، أو في جذب أو عزوف المتعاملين بالنسبة للورقة المالية، أو يمكن أن تؤثر على قدرة المصدر على الوفاء بالتزاماته.

وتوضح التعليمات ذاتها في الجانب المتعلق بتوقيت الافصاح البند الرابع انه يحق للهيئة الوقف المؤقت عن تداول أي ورقة مالية طالما كان هناك تأثير للمعلومات المتواردة، إلا أن ذلك لم يعد له تفعيل على كثير من الامور المتعلقة بالشركات المُدرجة، وآخرها ما حدث في التعامل مع ملف كي جي إل لوجستيك وشركة التنظيف وغيرها من الشركات التي صدرت بحقها قرارات تتعلق باستثمارات ومشاريع وآخرها التحويل الى النيابة العامة!

ولم تحرك تلك الاجراءات ساكناً لدى هيئة أسواق المال، وإن كانت مصادر سبق ان نوهت الى ان الهيئة ستتخذ خطوات رقابية مباشرة ضد الشركة وهو ما لم يخرج للنور حتى الآن، فالشركات آنفة الذكر تتداول والمعلومات ما زالت تُنشر في الصحف ووسائل الإعلام، فما السبب؟!

وتشير قواعد الهيئة بشأن الافصاح عن المعلومات الجوهرية إلى ضرورة الإفصاح فوراً ودون إبطاء عن المعلومات الجوهرية المتعلقة به، فيما نوهت إلى ضرورة نشر التفاصيل ذاتها على موقع الشركة الالكتروني (إن وُجد)، فيما نوهت الى أن الشركة مطالبة بطلب وقف التداول عن أسهمها في حال شهدت العملية أحداثاً مفاجئة غير متوقعة، على غرار ما حدث في مناقصة التنظيف.

ومن أبرز الأمثلة على ضعف الإفصاحات واقعة شركة رابطة الكويت والخليج للنقل (كي جي إل)، التي نفت خبراً نشرته «الراي» عن عدم تجديد تسجيل إحدى شركاتها كمقاول لمناولة الحاويات في ميناء الشعيبة، ثم عادت واعترفت بصحته خلال أقل من 24 ساعة، ومع ذلك لم يصدر عن هيئة أسواق المال ما يفيد انها اتخذت إجراء تأديبياً بحق الشركة.

والادهى من ذلك أن الشركة أدلت بمعلومات خاطئة في شأن الخلاف مع مؤسسة الموانئ، إذ ادعت ان إلغاء تسجيل شركة «كي جي إل الدولية للموانئ والتخزين والنقل» المملوكة بنسبة «جوهريّة» لها لن يؤثر على بياناتها المالية، وهو ما يخالف الحقيقة التي تُظهرها البيانات المالية المنشورة على موقع السوق. ومع ذلك لم تتعرض الشركة لأي عواقب قانونية.

وفي مثال آخر صارخ على ضعف الإفصاح، أن الشركة الوطنية للتنظيف كشفت في إيضاح رسمي على موقع سوق الأوراق المالية بتاريخ 25 أغسطس الماضي عن حصولها على أقل الأسعار بمناقصة في لبنان بالتحالف مع إحدى الشركات اللبنانية بقيمة تقدر بـ 426.6 مليون دولار. وفي اليوم التالي ألغت الحكومة اللبنانية المناقصة، لكن الشركة لم تفصح عن الإلغاء حتى الآن!