| علي الرز |
بغض النظر عن حجم تمثيل الفصيل السلفي الذي وقع وثيقة تفاهم مع «حزب الله»، وبغض النظر عن الاهداف التي قيل ان الحزب يسعى الى تحقيقها من خلال شق السلف او الشارع السني، وبغض النظر عن كون الاتفاق «فرقعة اعلامية» ام لا... فإن مسار «التفاهمات» الذي يقوده «حزب الله» يشي بنية مبطنة لتكريس عقد جديد بين مجموعات طائفية لبنانية على حساب بناء قائم اسمه الدولة تم تحصين دعاماته في اتفاق الطائف.
«الطائف» كما نفذه بصبر وجلد الشهيد رفيق الحريري هدف بكل وضوح الى صهر المجموعات الطائفية في مشروع الدولة. بدأ الرئيس الشهيد من فكرة متوازية ترتكز في جزئها الاول على اعادة اعمار ما دمرته الحرب، وفي جزئها الثاني على ترميم النفوس ودفع فرقاء النزاع الى القبول بالخسارة قليلا من اجل وطن رابح. كان يكشف للمعترضين حجم خسارته وحجم الضرر الناتج عن القصف السياسي عليه ليؤكد لهم انه مؤمن بمقولة «ما حدا اكبر من البلد» قولا وفعلا. ولذلك تقدم مسارا الاعمار والمصالحة بوتيرة متقاربة تتسارع او تتباطأ للاسباب التي يعرفها الجميع، فتغير شكل لبنان وشكل التحالفات فيه وتميزت صورة «الرافعة السياسية والاقتصادية» التي تولت قيادة المسارين بتنوعها الطائفي والمناطقي، وبتوحدها حول مشروع تنموي – اجتماعي لا مذهبي – اقليمي.
بعد استشهاد الحريري، بدا ان مشروعا جديدا يجب ان يتقدم للحلول محل الصورة السابقة. ولدت «المسألة الشيعية» في 8 مارس واستمرت بمبررات جارفة وبدعم اقليمي رغم ضعف هذه المبررات اساسا بل وانتفائها. عزل «حزب الله» نفسه فورا عن «ثورة الارز» واطلق صواريخ سياسية عابرة للاجماع تشكك في مبرراتها وفي اهدافها وفي الدعم العربي والدولي لها، واستطاعت هذه الصواريخ عرقلة مسيرة 14 مارس بالتأكيد، كما استطاع التحرك اليومي للحزب اقناع جمهور شيعي كبير بأنه ليس على مساحة واحدة مع الشريك في الوطن، مستفيدا لتكريس ذلك الاقناع من الدعم الاقليمي اللامحدود ومن اخطاء فريق الغالبية.
حصل التفاهم الاول مع تيار مسيحي يقوده الجنرال ميشال عون كان يتزعم الحملة على الحزب وسلاحه ويؤسس لما يعرف بـ «المسألة المسيحية»... من دون ان يذكر اتفاق الطائف فيه. ذهب الحزب الى حرب يوليو مع اسرائيل بغطاء اقليمي وداخلي لا علاقة للدولة به. هزمت اسرائيل وانتصر الحزب وقوي التفاهم مع التيار المسيحي واعطى اللاعب الاقليمي اشارة البدء باسقاط الغالبية. كان احتلال وسط بيروت نقطة انطلاق لمرحلة اخرى من مراحل هدم «دولة الطائف» تماما كما كان اعمار وسط بيروت من قبل الحريري نقطة انطلاق لمرحلة اخرى من مراحل بناء «دولة الطائف».
لم يؤمن «حزب الله» باتفاق الطائف، ومن الطبيعي القول ان الجنرال ميشال عون لا يعتبره موجودا اساسا قبل ان نقول انه مؤمن به ام لا. تغيرت موازين القوى وكان لا بد من ترجمة ذلك في صنع القرار من داخل المؤسسات بعدما نجحوا في شلها. وبما ان «الطائف» وضع معايير واضحة لآلية صنع القرار، وبما انه كاتفاق خارج طموحات «حزب الله» والتيار العوني، وبما ان التفاهم بينهما اكبر من الاتفاق اساسا، تولى الحزب من خلال احتلال بيروت واحداث الجبل وبعل محسن اسقاط معايير «الطائف» وحصل مع حلفائه على حصص في الحكومة وافقت عليها الغالبية كي تحفظ ما بقي من دولة.
واللافت في التفاهم بين الحزب والتيار العوني انه اعد وانتج واخرج وقدم على انه تفاهم بين طائفتين لا كاتفاق بين تيارين سياسيين. وذكر فيه الطرفان انه مفتوح لجهات اخرى فيما هما يخوضان كل معاركهما باسم «حقوق الطائفة» حاصدين المزيد من الجماهير والقواعد.
امس، تفاهم جديد بين الحزب وفصيل سلفي سني لم يكن لاعبا او فاعلا في الساحة السياسية اللبنانية، و «الطائف» بالنسبة الى عمق جذوره العقائدية «اتفاق وضعي». تفاهم كشف «بدهيات» مثل عدم جواز اعتداء مسلم على آخر وانسان على آخر، واتضح من صياغته انه معبر قصير لاهداف اخرى.
تفاهمات طوائفية لا مكان فيها لاتفاق الطائف. تفاهمات تأسيسية لصيغة ما لم تتضح ملامحها تصهر الدولة في مشروع الطوائف. تفاهمات تكرس الولاء للطائفة والحماية من داخل الطائفة ومن التحالف مع الطائفة الاخرى. تفاهمات تزيد الصراع حدة على مصادرة قرار الطائفة اكثر من دفع الجهود قدما لتذويب كل الولاءات في مشروع اكبر. تفاهمات تعيد الى الذاكرة مشروع الميليشيات المذهبية التي استخدم تقاتلها لمصلحة اقليمية واستخدم توافقها لمصلحة اقليمية. تذكروا «الاتفاق الثلاثي» وتذكروا ان «الميليشيا السنية» كانت الغائب الاكبر عنه... وتذكروا اكثر ان معايير القوى آنذاك كانت شبه متقاربة بين الميليشيات فيما معايير القوى الحالية محسومة لطرف واحد يملك امكانيات دولة.
التفاهم على مشروع الدولة افضل واجدى وابدى، والعودة اليه سريعا ضمانة لجميع الفرقاء... من وقع منهم على التفاهم ومن وقع ضحية «سوء التفاهم».
alirooz@hotmail.com