بالطبع... السعودية هي الخطر الأكبر!

1 يناير 1970 10:49 م
لم تعد أميركا «الشيطان الأكبر» ولا اسرائيل «الشيطان الأصغر» و«الشرّ المطلق»... صار الخطر السعودي بالنسبة الى زعيم «حزب الله» حسن نصر الله وزعمائه في إيران، هو الخطر الأكبر والوجودي، اي أن بقاءه مرتبط بضياع المنطقة وزواله مرتبط ببقائها على ما يُفهم من هذا التعبير.

واضحة جداً أسباب ومبرّرات الحملة الإيرانية - المالكية - الأسدية - الحزبللهية ضدّ المملكة، فهناك قرارٌ اتُخذ بتكثيف الحملات الإعلامية عليها واعتبارها افتراضياً الهدف المقبل لمحور «هلال الممانعة»... وهو هدف غير مستتر لا في الضمائر ولا في النيات، مررته تصريحات سابقة حملت وعيداً بـ «تدفيع الثمن» نتيجة مواقف المملكة تجاه استقرار لبنان ودعم الثورة السورية ووحدة العراق وإعادة الشرعية الى اليمن والتصدي للمخطط الإيراني في الخليج والمنطقة.

واذا كان محور الهلال المذكور اعتقد ان الوقت مناسبٌ بعد فكّ الارتباط النووي نسبياً مع «الشيطان» وعقد ارتباط جديد مع «الدبّ»، فإن الاندفاع المستعجل في استخدام كل الترسانة التصعيدية اللغوية وذخائرها التهديدية حمل كماً من الانفعالية في كشْف الأوراق لا تستقيم معه مبررات تصوير طرفٍ بأنه مظلوم او معتدى عليه او حتى يدافع عن قضية.

ليس دفاعاً عن السعودية، وليس إعجاباً بكل ما في خريطتها الفكرية - الاجتماعية من تفاصيل، لكن المفارقة في الحملة عليها ان الكلام الأكثر ضراوةً ضد مدارسها الشرعية والأكثر ضغينة لمعتقدات علمائها، يأتي من جهة، مدارسُها الشرعية منغلقة في العمق لا بل تتفوّق على غيرها في استحضار ظلاميات التاريخ تحت شعار المظلومية، واستخدام هذه الظلاميات سياسياً عصا تفرّق بين المذاهب ولا تجمع... والمضحك المبكي ان بعض أدعياء الليبيرالية والعلمانية واليسارية يستظلّون عباءة الولي الفقيه وهم ينضمّون الى الحملة ضد المملكة حائرين أمام أنصارهم بين احترام تاريخٍ جُبلوا عليه يتعلّق بصراعٍ أممي وبين التسلح بـ «شادور» ضد «برقع» بحجة طبيعة الصراع الجديد.

المملكة خطَر لأن سياستها الخارجية مبنية على حسابات وثوابت تختلف تماماً عن حسابات الآخرين وثوابتهم، وهي - وإن أحجمت عن الإقدام السريع وتأخرت عن بعض المبادرة - لم تعتمد أسلوب المغامرات والمقامرات التي اعتمدتها دول أخرى وأدت الى شلل البلاد وأسْر العباد، ولم تصدّر «ثورتها» ومعها عشرات المشاريع المفخّخة الهادفة الى الفوضى المنظّمة، ولم تتعامل يوماً بمنطق ان خلق الأزمات في الخارج وزعزعة استقرار الدول والمجتمعات القريبة والتورط في مساحات الآخرين هي عوامل ضرورية لاطالة عمر النظام الحاكم وجعله يخطف البلد بحجة انه يخوض «المعارك الكبرى».

السعودية ليست منزّهة عن الأخطاء، والنخب السياسية والفكرية والثقافية فيها خصوصاً التي تحتلّ المشهد العام اليوم تعرف أكثر من غيرها حجم هذه الأخطاء وتسعى الى الإصلاح ما أمكن، لكن غيرها يصرّ على ان خطاياه (وليس أخطاءه) هي الصواب بعيْنه، بل يعطي نفسه أبعاداً قدسية غير بشرية وغير مدنية للخلط بين الكفر بانحرافاته هو وتجاوزاته هو وجرائمه هو وبين الكفر بالدين.

اما عن «داعش» وأخواته وأولاد عمّه ففرية إلصاق ولادته برحم واحد ما بعدها فرية... مناهج وتَحجُّر وانغلاق وتَطرُّف وطريق كابول قبل عقود؟ حسناً، مَن يفسر لنا كيف كانت ورقة «المتطرفين» نقطة ارتكاز محور الممانعة في ضرب المشروع الأميركي في العراق؟ كيف امتلأت المعسكرات بالجهاديين في سورية وايران وانطلقوا منها الى مسرح التفجير في بلاد الرافدين؟ وكيف - وهذا هو الأهمّ - خرج المتطرفون التكفيريون بالآلاف من سجون دول ومنظمات تحكمها وتتحكم فيها ايران وأسسوا دويلاتهم الحالية، اي من سجون عراق المالكي وسورية الأسد ومدن اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون؟ ثم كيف ينتحر «داعشيون» على أبواب حكومة عدن الحليفة للسعودية ولا ينتحرون عند غيرهم؟ ولماذا انطلقت عمليات «داعش» داخل المملكة والخليج حين بدأت «عاصفة الحزم» وطالت دولاً مثل الكويت لا لشيء إلا لأنها في التحالف الهادف الى استعادة الشرعية في اليمن؟

السعودية تمثّل سياسة الاعتدال والواقعية ومدّ جسور التعاون مع الجميع وإعلاء لغة الحوار وتغليب الاستقرار بعكس الآخرين. السعودية لا تشعل الحرائق لتغيير الخرائط والتمدّد امبراطورياً، بعكس الآخرين. السعودية التي يواصل نصر الله مهاجمتها، لا توجد على أياديها في لبنان نقطة دم واحدة بعكس الآخرين، بل لا يوجد في تاريخ علاقتها بلبنان إلا الدعم المادي والاقتصادي والتنموي والمعنوي، وأيضاً بعكس الآخرين. ولهذا صارت السعودية بالتأكيد الخطر الأكبر... انما على مشروع إسقاط المنطقة كلّها في محور إيران.