نصرالله يعلن اليوم دعمه المطلق لتحركه
لبنان: عون يخوض معركة... كأنها الأخيرة
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:36 م
بدت بيروت المأزومة كـ مَن «يشدّ الأحزمة» في لحظة تَزايُد المؤشرات التي توحي بأن المنطقة تقف على عتبة انعطافات تمليها المفاعيل البعيدة المدى للاتفاق النووي بين ايران والغرب، ووهجه المحتمل على الأزمات الممتدة من اليمن والعراق الى سورية ولبنان، وسط تقديرات تتحدث عن ان المرور الآمن للاتفاق في الكونغرس الاميركي من شأنه تغيير اتجاهات الريح عبر نقْلٍ تدريجي للصراع في المنطقة من ضفة الصِدام الأشبه بـ «صراع الفيلة» الى ضفة الحوار الذي يحتاجه الجميع لإطفاء الحروب بعدما تحوّل الارهاب «عدواً مشتركاً» للكلّ.
ومن غير المستبعد ان يشهد ملعب النار على امتداد خطوط الطول وخطوط العرض في المنطقة مزيداً من التطاحن قبل الجلوس على الطاولة في محاولةٍ من اللاعبين الاقليميين للامساك بالمزيد من أوراق التفاوض في إطار عملية إعادة ترسيم الأحجام ومناطق النفوذ. فها هو السباق على أشدّه في اليمن الذي تتبدّل على جغرافيته الصعبة موازين القوى يوماً بعد يوم، وفي سورية التي تندفع تركيا لحجز دور مؤثر في مستقبلها عبر المنطقة الآمنة وتعمل ايران على تحصين الكانتون الذي يضمن لها موقعاً متقدماً على الطاولة.
وفي هذه اللحظة الانتقالية بين حروبٍ لم تضع أوزارها بعد وتسوياتٍ لم تنضج ظروفها، قرّر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون المضي قدماً في حركة احتجاجية ذات أبعاد مطلبية خاصة ترتبط بـ «أجندته» الشخصية التي كانت متمثلة في الدرجة الاولى بالإصرار على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش، وهو الأمر الذي لم ينجح في تحقيقه لانعدام التوافق بين مكونات الحكومة مما أفضى تلقائياً الى إرجاء تسريح قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي لسنة اضافية تجنباً للشغور في رأس المؤسسة العسكرية.
وانتقل العماد عون من حال اعتراضية عطّلت الحكومة التي ورثت صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يتعذّر انتخابه منذ عام وثلاثة اشهر، الى الشارع عبر تحركات مبيتة ومفاجئة، قيل انها في اطار خطة لتصعيدٍ متدحرج، كان وسط بيروت على موعد مع أحد مظاهرها اول من امس حين تجمهر انصار «التيار الوطني الحر» يتقدمهم وزراؤه ونوابه في تظاهرة تضاربت التقديرات حول حجمها، وخصوصاً بعدما جهد العماد عون لحشد مناصريه وجرى تكبير شعارات معركته التي راوحت بين النفايات وحقوق المسيحيين مروراً بقيادة الجيش وما شابه.
أوساط واسعة الاطلاع في بيروت على دراية بسلوك زعيم «التيار الوطني الحر»، قالت لـ «الراي» ان العماد عون الذي صعد الى الشجرة اختار الانتقال الى شجرة أعلى ولم يعد في استطاعته النزول، معربة عن اعتقادها ان عون أصبح مضطراً ان يلعبها «صولد وأكبر»، وتالياً فإنه سيذهب في معركته الحالية حتى النهاية.
وتحدثت هذه الأوساط عن ان الآخرين الذين يحرمون العماد عون من اي إنجاز لم يوفروا له سلّماً للنزول عن الشجرة، الأمر الذي يفسر جنوحه نحو مواجهةٍ تبدو وكأنها مجرد هروب الى الأمام وخصوصاً انه يعتقد ان تراجعه سيشكل له إقراراً بالهزيمة بعدما عمل على «تكبير الحجر» في معركةٍ محكومة بتوازنات لا يمكن التقليل من شأنها.
وفي رأي هذه الاوساط انه لن يكون سهلاً على العماد عون رؤية صهره العميد شامل روكز، الذي خاض معركة تعيينه قائداً للجيش، خارج المؤسسة العسكرية بعد شهرين من الآن، فيما مُنح العماد قهوجي فرصة جديدة كأحد أبرز المرشحين المنافسين له في السباق الرئاسي.
وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» ان العماد عون الذي غالباً ما كان يفاخر بأنه الزعيم المسيحي رقم واحد يدرك ان عمليات الاستطلاع التي تجري بين الحين والآخر تظهر ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ينافسه «على المنخار» عبر هامش ضيّق بين الرجلين على الصدارة، مما يجعل من اي هفوة يرتكبها عون تصبّ حكماً في مصلحة جعجع.
وفي جدول مقارنة بسيط بين سلوك الرجلين، تُظهِر المعطيات السياسية العلاقة البالغة التوتر للعماد عون مع «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري، والمهزوزة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إضافة الى ملاحظات حلفائه على إدارته للمعركة السياسية، في الوقت الذي نجح جعجع في ارساء علاقات متينة مع «المستقبل» وودّية مع الرئيس بري وإيجابية مع جنبلاط، إضافة الى إطفائه المحرّكات مع عون نفسه.
غير ان العماد عون ما زال يتمتع بدعمٍ من حليفه الرئيسي «حزب الله»، وهو دعم مردّه الى حاجة الحزب لهذا التحالف البالغ الأهمية في اطار لعبة التوازنات الداخلية، رغم التضارب بين أجندتيْ الطرفين. فالعماد عون صاحب مشروع سلطة في الوقت الذي يتحرك «حزب الله» في إطار مشروع إقليمي استراتيجي أبعد من لبنان.
وعلمت «الراي» ان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي يطلّ اليوم عبر الشاشة في خطاب جماهيري سيعلن دعمه المطلق وحتى النهاية للعماد عون في معركته «المحقة»، لكن من دون مشاركته التحرك في الشارع.
وقالت أوساط بارزة في «8 اذار» لـ «الراي» في معرض شرحها لحيثيات موقف «حزب الله» الذي سيعبّر عنه السيد نصرالله اليوم، ان موقف الحكومة يشكل تهميشاً لمطالب العماد عون، الذي يمثّل أكبر كتلة مسيحية في البلاد، وتالياً فإنه لا بد من الأخذ في الاعتبار مطالب المسيحيين كمكوّن أساسي.
وإذ لفتت هذه الاوساط الى ان «حزب الله» أبلغ الى حليفه الأساسي (في الثنائية الشيعية) الرئيس بري ان حلفهما لن يهتزّ، أشارت الى ان «حزب الله» وضع الرئيس بري ايضاً في أجواء حرصه على الوقوف الى جانب العماد عون ورفضه لعملية التهميش التي يتعرض لها.
ورأت هذه الاوساط ان العماد عون لا يحظى بالتمثيل الذي يستحقه في الحكومة مقارنةً بحصة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان الذي يتمثّل بثلاثة وزراء لا قاعدة تمثيلية لهم، وتالياً على الحكومة الأخذ بمطالب العماد عون والإصغاء لها.