قصة - مدخل من مذكرات تاريخية...
كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل متأخرا عن اجتماع لمجلس الوزراء فاستعار سيارة ابنته وانطلق مع مرافقه بسرعة تجاوزت المسموح. اوقفه شرطي وحرر له مخالفة رغم علمه بهوية تشرشل وسبب الاستعجال. اما ابنته فتأخرت عن حصتها الجامعية بسبب اضطرارها الى البحث عن وسيلة مواصلات اخرى، ما دفع الاستاذ الى منعها من دخول الصف بسبب التأخير.
التقى تشرشل وابنته مساء وكانا متكدرين. ابلغها بما حصل معه وابلغته بما حصل معها، فابتسم وقال: «بوجود نظام كهذا، الكلمة الاولى فيه للقانون، استطيع ان اقول ان بريطانيا يمكنها الآن المشاركة في الحرب» العالمية الثانية.
لا نريد ان يقال، ولا نريد ان نسمع، ولا نريد ان نستنتج، بأن عزيمة النظام على تطبيق القوانين مهما كانت الاثمان صعبة تقوى في غياب مجلس الامة، وبأن هذه العزيمة تدخل في مساومات وصفقات مع المجلس في حضوره.
لا نريد لذلك ان يترسخ لأن بين ممثلي الشعب من هم اكثر حرصا على الالتزام بالقوانين والتشريعات من بعض الوزراء، كما ان بين الوزراء من هم اكثر حرصا على تحقيق مصالح الشعب من بعض ممثلي الشعب... لكن ماذا نقول عن ذاك الود الخفي بين حزبي الحكومة والمجلس الذي يأبى تحرير البلاد من علاقة «الغرام والخصام»؟
اليوم هناك عزيمة حكومية قوية لتطبيق القانون. ومثلما ننتقد لا بد ان نشد على ايدي ابنائنا المكلفين تطبيق القانون رغم كل ما يرافق ذلك من مصاعب واحراجات، فدرب الاصرار وعدم التراجع دونه صعوبات منها ان البلاد شهدت لعقود، ولأسباب خارجية وداخلية، تراخيا في تطبيق القوانين بدءا من مخالفات السير والسرعة وصولا الى الاملاك المخالفة... مرورا بروائح الصفقات والعمولات من مال عام يفترض انه لخدمة الكويت والكويتيين.
لا نريد الحديث مجددا عن حجم المخالفات وانواعها فقد فعلنا ذلك بشكل يومي تقريبا وسنستمر. ولا نريد الحديث مجددا عن هيبة النظام وعناصر تلك الهيبة فخريطة الطريق واضحة ولا تحتاج الى طرف خارجي ليساعد في تحديدها. نريد فقط ان نقول ان تطبيق القانون لا يتجزأ بين مرحلة وأخرى أو ظرف وآخر، وأن الهيبة لا يجوز أن تظهر في غياب البرلمان وتتراجع في حضوره، وان الفرصة تاريخية اليوم لتأسيس عهد جديد من العلاقة بين الحكومة والمجلس تنتهي معه للابد فضيحة التداخل في السلطات لاسباب آنية لحظية وفي اطار سياسة تنم أولاً وأخيراً عن قصر نظر.
فليطبق القانون رغم كل الاثمان التي ستتحملها الحكومة، او بشكل اوضح التي سيتحملها النظام من خلال أداته التنفيذية (الحكومة). لن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة كي نقول ان هيبة النظام لم تتعرض لانتكاسات. نعم، حصلت انتكاسات ساهم فيها كثيرون بمن فيهم اعضاء من داخل الاسرة ووزراء ونواب، لكن الفرصة الآن مؤاتية ليس لاعادة التأسيس على ما جرى من اجل تكريس نهج لا رجعة عنه في تطبيق القانون فحسب، بل لوضع آلية فاعلة تحول دون زحف سلطة على اخرى وتسمح بانطلاق المسارات كلها بشكل متواز لخدمة الكويت واهلها.
وهنا بيت القصيد
فالهيبة لا تعني فقط ان يطبق رجل الأمن القانون لان ذلك من بدهيات السلطة. هي تعني قدرة السلطة على رفع التحدي التنموي الى المصاف الاول، واطلاق المشاريع الضخمة العملاقة لتحريك الاقتصاد، واستقطاب الاستثمارات المنتجة، وتحويل الكويت فعلا مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة، وتعبيد درب مستقبل الاجيال بالازدهار.
واذا كانت الهيبة ستتقدم فقط على المستوى الأمني وتتراجع امام تجميد المشاريع بفعل اشتباك السلطتين، فلن تكون سوى هيبة منقوصة. وامامنا اليوم مثال حي اسمه المصفاة الرابعة وموازنتها المليارية، فهذه المصفاة قد تكون رافعة اقتصادية تنموية حقيقية تساهم في تشغيل عشرات المشاريع المصاحبة وتستوعب آلاف فرص العمل، كما يمكنها ان تكون مؤشرا جديدا على قصورنا وعجزنا من خلال تجميد المشروع في الثلاجة نفسها التي جمدنا فيها مشروع تطوير حقول الشمال، بسبب غياب شفافية الحكومة في البيانات والارقام من جهة واصرار بعض النواب على مناقشة المشروع من زوايا خاصة من جهة أخرى.
على الحكومة ان تقرر في مشروع المصفاة وغيره. هل ستكون ارقامها وبياناتها واضحة؟ هل ستعدل هذه الارقام والبيانات كرمى لعيون نائب او لشراء ولاءات؟ هل ستعرض المشاريع الكبرى على المجلس المقبل من باب الوساطات الليلية والوعود الشعبية؟
ليس بالأمن وحده تستعاد هيبة النظام، بل بتحريك عجلة المشاريع تحت حراسة القانون، فالكويتيون سئموا فعلا من منظر نادي «المشاريع المجمدة» وينتظرون فك اسرها.
هل هناك رابط بين مقدمة تشرشل ومقدمات العمل لحماية مستقبل الكويتيين من محاولات الخطف؟
لا داعي للاجابة.
جاسم بودي