امتحان الدم... الكويت تواجه الفتنة بالوحدة
«عزاء الكويت» في عيون نساء الشهداء... «دسمان» يقاوم من جديد
| كتبت بشاير العجمي |
1 يناير 1970
04:14 ص
صورةٌ معبرة، على رأس قاعة «اليوسفي» في منطقة شرق، بدت نساء شهداء مسجد الإمام الصادق في مهابة وجلال، كنخلات باسقات تحضرن لاستقبال العزاء عقب جمعة فقدت فيها الكويت أبناءها. نساء شيعن رجالهن عصر السبت، وقفن ليلاً لتلقي واجب العزاء.
في القاعة القريبة من قصر دسمان، بدا الزمن قديماً قبل نحو عقود ثلاثة، حين كانت المعركة في القصر الكبير بين حرس للوطن وغزاة... واليوم تعيد «دسمان» الصورة... تعبيراً عن معركة أخرى بين أبناء للوطن... و«غزاة».
حول قاعة «اليوسفي» انتشرت قوى أمنية، وعلى بابه نصبت مداخل للتفتيش، وقوات للحراسة والتأمين. الداخلات جميعاً في سواد، سواءٌ في الحزن على الراحلين. في مدخل الصالة المخصصة للمناسبات بدت المقاعد المغطاة بمفارش بيضاء تنتظر لابسات الأسود. الأضواء العالية في محيط القاعة زادت من مهابة المشهد، فيما تلألأت الدموع وسط عيون الحاضرات من أسر الشهداء وأحبتهم، وبدت في الضوء وجوه اوجعتها الحادثة والفاجعة التي اصابت أسر العزاء ظهر يوم الجمعة الرمضاني أظلت على وجوه الصغيرات منهن حزناً طويلاً على مستقبل فقد فيه العزيز على يد إجرام صدم البلاد.
نساء صغيرات وكبيرات، و بعضهن بالمقاعد المتحركة يقدمن واجب العزاء، وقبالة السائرات في صف التعازي، وقف صف آخر، من ذوي الشهداء ووسطهن احدى نساء «دسمان» أمثال الأحمد تتلقى واجب العزاء معهن. وفيما تسير المعزيات يمتد الطابور طويلاً خارج القاعة، ويزداد مع تواصل القادمات طولاً، يتحركن في مهل يناغم الحزن في نفوس حاضرات اللاتي شددن بالكلمات والايدي على وحدة وطنية بدت في جلال الموت اكثر صدقاً من تعبير المناسبات السعيدة.
في «عزاء الكويت»، بقاعة اليوسفي تناقلت النساء عناوين مجالس التعزية في بيوت الشهداء على امتداد البلاد، وكانت منطقة الدسمة والشعب، والرميثية وحتى بيان ومنطقة الشهداء وغرب الجليب، مقاصد تتحضر لأجلها المعزيات وتتواعد بعضهن «لاستكمال الواجب» من أجل إتمام فريضة التراحم الدينية في منتصف شهر رمضان الفضيل الذي ألقى بفيض وجداني واضح على النفوس. وبدت النساء في يوم العزاء الاول والذي يمتد إلى ثلاثة أيام مجتمعات على «كلمة واحدة» و«قلب واحد» بدت الأحاديث كلها بين الحاضرات تدور حول الكويت، وفدائها، وتضحيات أبنائها التي تواصلت منذ بدأ الحياة فيها. وسردت بعضهن ما سمعته من أقوال للشهداء قبل وفاتهم تأكيداً على روح جامعة لهذا الوطن «لا تفرق بين أبنائه أبداً». وكانت مواقف الشهداء وآرائهم في «الطائفية» و«البغضاء» ونبذهم للتعصب، ورفضهم للفتنة احاديث على جانب المناسبة. ولكن الحديث الأكثر تكراراً وسط احضان المواساة ولمسات المودة كان «وحدة» الكويت ومصابها الواحد في ابنائها الـ26 الذين استشهدوا وهم سجّدا لربهم في ظهر يوم جمعة في وسط شهر رمضان «خير الشهور».
بكاء النساء في ليل العزاء الرمضاني سبقته زغاريد عصراً حين شيع الشهداء، تأكيداً على الفخر بمن انتقاه ربه في مصاف المختارين للشهادة. وحدة الوطن التي على حسها فاضت ارواح الشهداء كانت محل تشديد في موقفي التشييع والعزاء. بينما كانت الكلمات تختلط بعبرات الآتيات والمغادرات.
نساء الرجال الشهداء الذين قضوا في جمعة الفقد ظللن واقفات لا يشبهن إلا نخيل هذه البلاد، جذوره في الأرض وفروعه في السماء، باقيات يجددن بالقرب من «دسمان» عهد معركة كانت في «القصر» يوم غزانا الدخلاء، وصارت اليوم وبعد سنوات طويلة تهدد أنحاء البلاد في معركة وجود جديدة بين الكويتيين والدخلاء.
المعزيات: خاب مسعى التكفيريين
| كتبت أمل عاطف |
جسد مجلس العزاء النسائي في ضحايا التفجير الإرهابي بمسجد الإمام الصادق اللحمة الكويتية في أبهى صورها، إذ توافدت مئات النساء الكويتيات شيعة وسنة، يدا بيد لتقديم واجب العزاء لأسر الشهداء الذي أقيم في قاعة اليوسفي تتقدمهن الشيخة أمثال الاحمد التي كانت تتلقى التعازي وبحضور حرم سمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد.
«الراي» رصدت أشكالاً من التلاحم بين المعزيات وذوات الشهداء ينبئ بصورة لافتة من الوحدة الوطنية التي اتضح فشل التفجير الإرهابي في استهدافها، لا سيما مع تأكيدات المعزيات السنيات على وقوفهن صفا واحدا ضد الإرهاب وأهدافه التي تهدد ما درج عليه أبناء هذا الوطن من تمازج ووحدة على مر الزمن.
وفي هذا السياق، قالت زينب جاسر العنزي: «إننا اليوم متواجدات في العزاء سنة وشيعة ولا أحد سيفرقنا»، مضيفة: «كنا وسنظل هكذا يدا واحدة وأصدقاء وأقرباء».
وأشارت إلى أن «المتربصين لهذا البلد سيرد كيدهم في نحورهم ولن ينجحوا في زعزعة أمن الكويت»، قائلة «أتقدم بخالص العزاء والمواساة لاسر ضحايا المسجد وأدعو للمصابين بالشفاء العاجل والله يصبر اهالي الشهداء».
كما استنكرت ثنوه السعد بشدة وأدانت «العمل الاجرامي الارهابي» الذي وقع في مسجد الامام الصادق، وقالت: «لابد للشعب الكويتي سنة وشيعة بدوا وحضرا الالتفاف حول القيادة السياسية وعدم الانزلاق في المهاترات الطائفية التي قد تعمل على زيادة هذه المأساة التي نعيشها حاليا».
من جهتها، قالت زهراء العريان «ان اراقة الدماء وازهاق الارواح امور محرمة شرعا وهذا الانفجار يريد فقط اشعال الفتنة بين الطوائف الكويتية ولكن سينتصر الكويتيون امام الارهابيين بالتلاحم والتضامن والوحدة».
وطالبت العريان الشعب الكويتي بـ«الالتفاف حول القيادة الحكيمة وعدم اثارة الفتن والتحلي بالحكمة»، داعية الله تعالى ان يحفظ الكويت وشعبها من كل شر.
من ناحيتها، قالت وفاء مطلق الزامل «ان هذا الحادث الشنيع فجع الشعب الكويتي، ويمثل جريمة ارهابية بشعة أدعو إلى اتخاذ خطوات جدية لردع مثل تلك الاحداث الارهابية وملاحقة تلك الجماعات التكفيرية التي تدمر الشعوب الاسلامية العربية».
واعربت عن املها في «قطع دابر الارهاب والارهابيين وعدم الانجرار وراء مثيري الفتن ومحاربة تلك الجماعات التكفيرية وعلى رأسهم داعش»، مشيرة الي ان «هذا العمل الارهابي يتنافي مع القيم الاخلاقية والانسانية ويتنافى مع كل الاديان السماوية، وبفضل الله مثل هذه التفجيرات لم تزد الشعب إلا تماسكا».
وقالت زهرة اشكناني:«اننا مسلمون ولا يوجد فرق بيننا سواء شيعة او سنة أو بدو أو حضر فاليوم اكبر دليل على التلاحم بيننا فكلنا شعب واحد».
ودانت أغاريد السعد بشدة هذه الجريمة النكراء «التي لا تمت للاسلام او الانسانية بصلة والتي تستهدف مساجد المسلمين وقتل الارواح الابرياء».
وقالت أغاريد «ماحدث بمثابة صدمة قوية ليست فقط للشيعة ولكن كانت صدمة لجميع المسلمين في الكويت»، مشيرة إلى ان «شعب الكويت مترابط منذ زمن بجميع طوائفه ولكن بعد هذا الحادث الاليم ازداد تماسكا ضد الجماعات الارهابية».
بدورها شددت علياء العوض على أن «اليوم تزداد وحدتنا كشعب كويتي بجميع طوائفه ومع هذه الوحدة سنحارب الارهاب بيد من حديد»، مضيفة: «أن تواجد سمو الامير في موقع الحادث فور حدوثه كرست وحدة الشعب الكويتي وجعلته يدا واحدة سنة وشيعة وعكست تماسكه ولحمته في مواجهة الارهاب بلا هوادة مع هؤلاء الارهابيين التكفيرين».