كلام «حربي» لنصر الله عن «المعركة الوجودية والتكفيريين و... الشيعة الأميركيين»

لبنان على مشارف «كوابيس»... «لا تُحمد عقباها»

1 يناير 1970 09:57 م
دهم لبنان في الأسابيع الأخيرة فائض من التوتر السياسي المتدحرج على وهج المتغيرات المتسارعة في المنطقة، لا سيما في سورية، الأمر الذي دفع بيروت الى «ربط الأحزمة» مع رصْدها مؤشرات متزايدة توحي ببدء العد التنازلي لانهيار الستاتيكو القائم على حماية الحدود الدنيا من الاستقرار السياسي والأمني في البلاد التي نجحت حتى الأمس القريب في «شراء الوقت» عبر تقاطعات في المصالح بين لاعبين محليين واقليميين أبعدَ شبح الحريق عن لبنان.

وليس أدلّ على التوتر الـ «ما فوق عادي» من الكلام «الحربي» الذي نُقل عن الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وحدّد فيه وجهة الاحتمالات المقبلة التي لم يعد في الإمكان عزْل الداخل اللبناني عن «شظاياها»، وخصوصاً ان هذا الكلام جاء غداة تصريحات لرئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد انطوت على لغة تهديدية لشخصيتين من «تيار المستقبل» هما وزير العدل أشرف ريفي والأمين العام للتيار أحمد الحريري.

فمن على الشاشة خاطب نصرالله حشداً من الكوادر، وبينهم عشرات الجرحى، لمناسبة «يوم الجريح المقاوم»، فقال «اننا نخوض معركة وجودية بكل معنى الكلمة»، متحدثاً عن «مرحلة جديدة لا مكان فيها للإحباط بيننا، وهي مرحلة سنستخدم فيها كل قوتنا وكل إمكاناتنا لمواجهة التكفيريين».

واذ اعتبر انه «لو لم نقاتل في حلب وحمص ودمشق، لكنا سنقاتل في بعلبك والهرمل والغازية وصيدا وصور والنبطية وغيرها»، قال: «منذ 2011 ذهبنا الى القائد وشخّصنا المصلحة وكان القرار بالمواجهة (التدخل في سورية)، وقتها لم يقبل العراقيون. ماذا حصل؟ كادت ان تسقط كربلاء والنجف وبغداد وأنقذهم شخص اسمه علي الحسيني الخامنئي، (بعدين) جاءت فتوى السيد السيستاني حفظه الله».

وأشار الى «أننا نواجه أربعة خيارات، ان نقاتل أكثر من السنوات الاربع الماضية، ان يستسلم رجالنا للذبح ونساؤنا وبناتنا للسبي، ان نهيم على وجوهنا في بلدان العالم ذليلين من نكبة الى نكبة، ورابعها ما يسوّق له بعض المتوهمين، بمعزل عن انتماءاتهم، بأن نقول للتكفيريين نحن معكم، وبالتالي نسالم ونسلم وهذا مجرد وهم، لان لا خيار إلا المبايعة أو الذبح، ونقول لهؤلاء المتوهمين إما ان نقاتل أو نذبح، ونحن سنقاتل شاء من شاء وأبى من أبى».

واضاف: «هذه الحرب لو استشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف سيكون هذا الخيار الأفضل. بل في هذه المعركة، لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل. إن شاء الله، لن يستشهد هذا العدد. ولكن الوضع يحتاج الى تضحيات كبيرة لأن الهجمة كبيرة، فقد انتهى الخلاف بين السعودي والقطري والتركي، والكل الآن في المعركه ضدنا. واذا استنهضنا الهمم وكنا على قدر المسؤوليه سنحطم عظامهم».

وهاجم مَن أسماهم «شيعة السفارة الأميركية»، ووصفهم بأنهم «خونة وعملاء وأغبياء»، متوجهاً الى الحاضرين قائلا: «الآن وقت التعبئة (...) وفي المرحلة المقبلة قد نعلن التعبئة العامة على كل الناس (..) واليوم، أقول إننا قد نقاتل في كل الأمكنة. لن نسكت لأحد بعد الآن، ونحن نملك أوراق قوة لم نستخدمها في المواجهة بعد».

أوساط واسعة الاطلاع في بيروت رأت في لهجة السيد نصرالله وكلامه تعبيراً عن متغيرات فعلية ومفصلية طرأت على مجمل اللوحة الاقليمية، أشدها وطأة في سورية بعد اليمن. صحيح ان المحور الذي تقوده السعودية لم ينتصر في اليمن، لكن المحور الذي تقوده ايران مني بانكسارة لاندفاعاته، في قمتها هزائم الجيش السوري المتعب الذي اضطر لترك مناطق استراتيجية واحدة تلو الاخرى إما لـ «داعش» وإما لـ «النصرة» وسواهما من الجماعات المسلحة.

وثمة مَن يرى في بيروت ان نصرالله الذي سبق ان اعلن الانتصار في سورية بعيد تدخل حزبه الذي أنقذ دمشق من سقوطٍ كان على الابواب ومدد العمر السياسي للرئيس بشار الاسد، ربما أدرك ان من الصعب على حلفاء الأسد القتال بالنيابة عن جيشه على جميع الجبهات المترامية، فايران تدعم ولا تقاتل، وكذلك الروس، وتالياً فان الامور تتجه نحو وقائع جديدة.

الجديد في هذه الوقائع هو صعود نجم الحديث عن تقسيم سورية الذي تحول معه «داعش» الى ما يشبه حركة «طوبوغرافيا» تتولى ترسيم مناطق النفوذ في سورية، خصوصاً بعد تمدُّدها المريح و«المريع» في اتجاه تدمر والبادية، وهو ما ينظر اليه البعض على انه وليد سيناريو اميركي لتقسيم سورية يعود الى العام 2012.

وفي رأي خبراء على دراية بتطور الأوضاع في سورية ان جميع اللاعبين فيها على مشارف الانتقال من الخطة «أ» الى الخطة «ب»، بمعنى انه اذا تعذر الامساك بكل سورية، فالبديل هو الإمساك بما تيسّر منها، اي تقسيمها، وهي المعادلة التي يكرّسها «حزب الله» على الأرض في معركة القلمون التي يراد منها فتح طريق اللاذقية - طرطوس - القصير - القلمون، وتالياً ترسيم حدود «دولة الساحل».

ومن هنا فان معركة عرسال وجرودها تكتسب، في تقدير هؤلاء، اهمية بالغة لـ «حزب الله» الذي من المرجح ان يضاعف ضغوطه لانتزاع قرار من الحكومة إما بمشاركة الجيش اللبناني في هذه المعركة وإما باضفاء «شرعية» على معركة الحزب، وإما يتولى الأمر بنفسه بمعزل عن اي توافقات داخلية، قافزاً فوق ما أسماه نصرالله بـ «الخطوط الحمر».

وتنطوي معركة عرسال (ذات الغالبية السنية) وجرودها على محاذير فعلية، لكنها لن تشكّل في اعتقاد أوساط متابعة، كوابح لـ «حزب الله» وخصوصاً ان الكلام الذي نُقل عن نصر الله عبّر، بحسب الأوساط نفسها، عن اقتناعٍ مكتوم بأن الشيعة باتوا محاصَرين وان لا مفرّ من خوض المعركة حتى النهاية في ظروف أكثر تعقيداً من 7 مايو 2008، وهو اليوم الذي أطلق فيه «حزب الله» عملية عسكرية في بيروت وبعض الجبل لكسْر قواعد اللعبة متجاوِزاً اي كوابح سياسية او مذهبية.

وهذه التقديرات تشي بأن لبنان يتجه نحو تصعيد «لا تُحمد عقباه»، أقلّ خسائره ايلاماً الحوار المترنّح بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، وربما الحكومة الآيلة الى مزيد من التعطيل، والاستقرار السياسي وربما ايضاً الأمني، وسط قلقٍ من مغبّة انتهاء «فترة السماح» التي نجح لبنان في توظيفها إبعاداً لـ «الكوابيس» التي تستوطن سورية والعراق وليبيا واليمن، وسط قلق من مغبة انتهاء «فترة السماح» التي نجح لبنان في توظيفها إبعاداً عنه لـ «الكوابيس» التي تستوطن سورية والعراق وليبيا واليمن.