لبنان يخشى واحداً من خمسة أحداث أمنية كبيرة لكسْر المأزق الرئاسي
مصدر بارز في «المستقبل» لـ «الراي»: فخّ نُصب لـ «حزب الله» في القلمون
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:57 م
... كل شيء في بيروت وعلى «طاولتها»، كأنها «عاصمة» العالم وعواصفه. فيها تحضر قمة كامب دايفيد وأشرطة فيديو عن متفجرات الرئيس السوري بشار الاسد، تداعيات «عاصفة الحزم» ومعركة «حزب الله» في القلمون السورية بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن ايران، المرارة الروسية من مكائد الغرب ومعارك «طواحين الهواء» حول تعيينات لن تتم لقادة المؤسستين الامنية والعسكرية في لبنان، يونيو النووي بين ايران والغرب، وحوارات تقطيع الوقت على المقلبيْن الاسلامي والمسيحي في بيروت، الحِراك الكردي والاهوازي في بلاد فارس ومأزق ولادة المجلس الوطني لـ «14 آذار» التي يديرها الدكتور فارس سعيْد، «داعش» و«النصرة» وما هبّ ودبّ من جماعاتٍ تُقاتِل وتتقاتل في غير مكان، الى قانون السير الجديد ومنْع التدخين ايضاً.
هكذا هي بيروت التي «تحتفل» بمرور سنة على «ولاية الفراغ» الرئاسي في الجمهورية المخطوفة حتى إشعار آخر... احتفالات تُنكَّس فيها الديموقراطية الهشة حداداً على الرأس المقطوع، بالتزامن مع ضربة موجعة تلقتها العدالة بقبضة المحكمة العسكرية التي كادت ان تبرئ عبر حكمها المخفف مستشار الرئيس الاسد الوزير اللبناني سابقاً ميشال سماحة الذي ضُبط بـ «الجرم المشهود» يعدّ مخططاً موثّقاً بالصوت والصورة لتفجيرات واغتيالات بعلم الرئيس الاسد ورئيس مكتب «الامن الوطني» السوري اللواء علي المملوك الذي زوّد سماحة بأموال ومتفجرات نقلها بسيارته من دمشق الى بيروت، وهو ما اعترف به سماحة نفسه امام المحكمة التي فجّر حكمها المخفف «غضبة» سياسية.
أوساط سياسية واسعة الاطلاع في بيروت رأت في قرار المحكمة العسكرية «خدمة» للرئيس الأسد وحلفائه اللبنانيين تنطوي على رسالة على صلة بمعارك سياسية يشهدها لبنان وتتصل في شكل او آخر بالتمديد للقادة الأمنيين وبالسباق نحو رئاسة الجمهورية. وهي قالت لـ «الراي» ان ثمة مَن يسعى في ظل الاوضاع المعقّدة في البلاد الى ممارسة سياسة «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» ضماناً لـ «التوازن». فقبل قرار المحكمة العسكرية الذي أراح «8 آذار» وأغضب خصومهم في «14 آذار»، كان لافتاً قرار عدم زجّ الجيش اللبناني في معركة القلمون الذي أغضب «8 آذار» وشكل مكسباً لـ «14 آذار».
ورغم التداعيات الداخلية للقرار في شأن سماحة الذي فجّر عاصفة في وجه المحكمة العسكرية وكرّس سابقة كـ «حكم مخفف» قد يفيد منه الموقوفون الاسلاميون، فان مصدراً بارزاً في «تيار المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري وضع انصياع المحكمة العسكرية للضغوط التي مورست عليها في اطار بحث «حزب الله» والنظام السوري عن «انتصار معنوي»، كما يراد من معركة الحزب في القلمون إظهار قدْر من التماسك بعد النكسات المتتالية التي مني بها المحور الذي تقوده ايران في سورية واليمن، وخصوصاً بعد «عاصفة الحزم» وهزائم الجيش السوري و«حزب الله» في ادلب وجسر الشغور في شمال سورية وإخفاقهما في تحقيق اي تقدم في جنوبها.
وصحيح ان «حزب الله» يعلن عن انتصارات إعلامية في جرود القلمون التي يختلط فيها «الحابل بالنابل»، بحسب هذا المصدر، فان الأكيد في رأيه ان فخاً نُصب للحزب يراد منه استنزافه نظراً لاستحالة السيطرة على تلك الجرود الوعرة والمترامية وكلفة الدم المرتفعة التي سيكون من الصعب عليه تفاديها رغم المكابرة سعياً لصنع انتصارات تريدها ايران كأوراق في مباحثات توقيعها على النووي مع الولايات المتحدة في يونيو المقبل.
وفي تقدير المصدر الذي يقارب بـ «مهارة» لوحة الأوعية المتصلة بين الداخل والخارج، التي تشهد الآن تحولات وفي الاتجاه المعاكس بعد نحو عقد من الانفلاش الإيراني، فان المنطقة مقبلة على أوضاع ساخنة قبل حلول موعد التوقيع على النووي الايراني في يونيو، وربما لن يكون لبنان، الذي يعاني مأزقاً سياسياً - دستورياً يتمثل في «العصيان» على انتخاب رئيس للجمهورية، في منأى عنها، وخصوصاً مع تَعاظُم خطر التعوّد على عدم وجود رئيس بعدما مضى على الفراغ في رأس السلطة سنةً تكتمل مع حلول 25 الشهر الجاري.
وبحسب المصدر البارز في «المستقبل»، فان لا أفق للمعارك التي يخوضها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون. ففي مسألة تعيين قائد للجيش، لا فيتو على صهره العميد شامل روكز الذي يتمتع بكفاءة مشهودة، لكنه لا يعقل اختيار قائد للمؤسسة العسكرية في غياب القائد الأعلى للقوات المسلحة، اي رئيس الجمهورية الذي غالباً ما تكون له الكلمة الفصل في تسمية قائد الجيش الذي سيتعاون معه خلال عهده، وتالياً فان الكرة في ملعب عون وحليفه «حزب الله» اللذين يحتجزان عملية انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد.
لكن ما الذي يحول دون التوافق على رئيس للجمهورية والذهاب الى البرلمان لكسْر الحلقة المفرغة؟... يجيب المصدر وفقاً لـ «تحليلات شخصية» ان المجتمع الدولي أكثر ميلاً في ظلّ المخاض الأمني الذي تعيشه المنطقة الى الإتيان بعسكري الى الرئاسة على غرار السيسي في مصر وحفتر في ليبيا، وهو ما يفسّر الحرص على عدم انهيار الجيش السوري نظراً لأيّ دور جديد له في التسوية المحتملة.
وما لم يقله هذا المصدر ويدور همساً في الأروقة السياسية اللبنانية، ان ترجمة هذا المزاج، الذي صار مألوفاً بعد الإتيان بقائديْن للجيش لولايتين رئاسيتيْن متعاقبتيْن، ستكون برسو الخيار الرئاسي على قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي في الدرجة الاولى، او ربما العميد سابقاً في الجيش سفير لبنان الحالي في الفاتيكان جورج خوري.
وتخشى دوائر واسعة الاطلاع في بيروت ان لا يتمّ كسْر الحلقة الرئاسية المقفلة إلا بعمل أمني كبير، وهي كشفت لـ «الراي» عن هواجس فعلية من مغبة تكرار أحداث مشابهة لواحد من خمسة تطوّرات كان شهد لبنان مثيلاً لها في الماضي، اي ما يشبه 7 مايو 2008 (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت وبعض الجبل) وعودة مسلسل السيارات المفخخة (حدث ذلك في 2013)، اغتيال كبير (من نوع الاغتيالات السياسية التي ضربت لبنان بين 2005 - 2013)، نهر بارد جديد في مخيم عين الحلوة الفلسطيني، او حرب بين «حزب الله» واسرائيل.
واذ رأت تلك الدوائر ان حصول ايّ من هذه الأحداث قد يرغم الجميع على الجلوس معاً لانتخاب رئيس جديد، ذكّرت بتحزيرات سابقة للسفارة الاميركية لمواطنيها بتجنب «كازينو لبنان» وفندق «رويال» (شمال بيروت)، ودعت الى التدقيق بتقارير لصحف غربية عن مستقبل الوضع بين اسرائيل و«حزب الله».