قال في لقاء حضرته «الراي»: نعيش ما هو أخطر من الحرب الباردة والغرب يريد تجويعنا وإسقاط نظامنا
السفير الروسي في لبنان: التسوية في سورية أكثر صعوبة بعد تدهور العلاقات الروسية - الأميركية
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:39 م
• أرفض مقارنة «حزب الله» بـ «داعش»
... في صرحٍ تراثي يشبه زمن القياصرة، محروسٍ بأشجار معمّرة ودشم اسمنتية وعوائق حديد، تقيم السفارة الروسية في بيروت، الشاهدة على علاقات ديبلوماسية عمرها من عمر استقلال لبنان، وهي كانت على مدى حروب لبنان وسلامه المتقطّع حاضرة كواحدة من «عواصم القرار» في لبنان الاقليمي المتعدّد الوظائف والأدوار.
في واحدة من الغرف المسكونة بذاكرة المكان الذي توالت عليه الأيام الحلوة والمُرة منذ ان رفرفت «راية اندرييف» مع إنزال القوات الروسية على شواطئ بيروت مع نهاية العام 1773، مروراً بأيام عز الاتحاد السوفياتي ابان الحرب الباردة، الذي كان يدير من هنا خطوطه الحمر، وصولاً الى روسيا الاتحادية بزعامة فلاديمير بوتين التي تشعر وكأن «حرباً كونية» تريد بها شراً.
في واحدة من هذه الغرف استقبلَنا السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين، في لقاءٍ ضم بضعة صحافيين، وكان أشبه بـ «جردة» لواقع روسيا الحالي في علاقاتها مع الغرب وأدوارها في الشرق، وهو اللقاء الذي تزامن مع احتفالات في موسكو بواحدة من أكثر المناسبات «تاريخية»، اي مرور 70 عاماً على الانتصار الكبير على هتلر.
ومن هنا بدأ الحديث مع زاسبكين، الديبلوماسي المخضرم والماهر و«المهضوم» في آن، لكن هذه الصفات لم تحل دون شعورنا بـ «مرارة الرجل» من جراء الهجوم الذي تتعرّض له بلاده بسبب سياستها المستقلة فـ «ما نعيشه اليوم أخطر من الحرب الباردة، انهم يريدون تجويع روسيا وإسقاطها»، هذا ما قاله السفير الذي يجيد العربية التي تَعلّمها ايام الجامعة وتمكّن منها خلال مهماته في العالم العربي.
لا يفصل السفير الروسي بين العداء المتعاظم في الغرب، المأخوذ بالمزاج البلطيقي والبولوني واخيراً الأوكراني ضد بلاده، وبين محاولة إنكار دور روسيا في الانتصار الكبير «كانت فكرة التحالف المعادي لهتلر الذي ضمّ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا شيئا ثابتا حتى إبان الحرب الباردة وشكلت ما يشبه الخط الاحمر الذي لا يمكن التنكر له مهما بلغت خلافاتنا لانه ضمانة لعدم تكرار خطر كارثة مشابهة تهدد البشرية».
واتهم زاسبكين الغرب بانه «يدمّر الذكريات والنظام العالمي الذي قام على التحالف المعادي لهتلر وكان من ثماره الامم المتحدة». ورغم انه لا يدعو الى بقاء النظام القديم، لكنه يرى «اننا في مرحلة انتقالية تحتاج الى التوافق على أشياء أساسية تحمي الاستقرار وتبعد البشرية عن كوارث شبيهة بما تم إسقاطه في الانتصار الكبير قبل 70 عاماً».
وخارج سياق المناسبة العزيزة على قلوب الروس، حضرت على طاولة السفير الذي خدم في عواصم الأزمات في المنطقة، من دمشق الى صنعاء فبيروت، اسئلة كثيرة عن دور موسكو، ولا سيما حيال الحرب في سورية والصراع في اليمن، اضافة الى علاقاتها بالدول الاقليمية كإيران والسعودية ومقاربتها لسياسة المحاور والاتفاق النووي وأزمتها المتعاظمة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً نتيجة الملف الاوكراني.
زاسبكين، الذي خدم ثلاثة أعوام في سورية وفيها تعرّف على صبية روسية تزوّجها واستمتع بالقدود الحلبية وربما «البرازق»، لا يرى تغييراً في الموقف الروسي من الصراع في سورية منذ الهتاف الاول للمعارضة وحتى الجولة الأخيرة من الحرب.
ونسأله عن تَزامُن خسارات النظام مع كلام عن انكفاء روسي - ايراني قليلاً عن مساعدته، فيجيب: «لم أشعر بأن لدينا تغييراً في الموقف، نحن على المنهج عينه تقريباً القائم على العمل من اجل تسوية سياسية».
ورأى ان «الأطراف الأخرى تركز على ان الشيء الأساسي في سياستنا هو التعاون مع النظام، وهذا مستمر منذ البداية وحتى الان، لكن نحن وفي الوقت نفسه نبذل جهوداً من اجل التسوية السياسية»، لافتاً الى ان «تدهور العلاقات بين روسيا واميركا، ومعها اوروبا بدرجة اقلّ، قلّص فرص التحرك الى الامام نحو التسوية السياسية في سورية، لان المحرك السياسي لمثل هذه التسوية يمكن ان يتمثل في مبادرة اميركية - روسية».
و«بيت القصيد» في كلام السفير الروسي «ان ما حدث في اوكرانيا كان له أهميته العالمية. فنتيجة ما حصل، قللت فرص التسوية في سورية... لكننا نحاول المساهمة من جهتنا من خلال اللقاء التشاوري 1و2، وهم (اي اميركا) لا يعارضون لكننا لا نشعر بالتأييد، ولذا قلنا ان اللقاء التشاوري غير رسمي وتمهيدي لعقد جنيف -3 الذي يحتاج الى تفاهم دولي».
وهل لاوكرانيا اولوية على سورية؟ سألْنا السفير، الذي يهوى صيد الاسماك لكن بالشِباك لان صبره قصير، فأوحى بان كل الطرق تقود الى طاحونة واحدة هي استهداف روسيا. وقال: «لا اولوية لاوكرانيا على سورية ولا العكس، فلكل ملف ديناميته الخاصة ولديه الاهمية ايضاً. والمقايضة غير مطروحة، والأهمّ في هذا السياق ان روسيا هي المستهدَفة بالدرجة الاولى. ونحن ننظر لما يحدث في سورية واوكرانيا من هذه الزاوية».
وبعد ان يستوي «سعادته» على مقعده، يشرح رؤيته لـ «الشرّ المستطير» الذي يحوط بلاده فيقول: «الرؤية الاميركية تعتبر ان ما يحدث في العالم يجب ان يتم على الشكل الآتي: تشكيل المركز الأساسي في العالم من الولايات المتحدة، ومن اوروبا جزئياً. اما الدول الاخرى فيتم التعاون معها او الصِدام معها وفقاً لموقفها من الدور القيادي لأميركا. وروسيا اعلنت انها غير موافقة على ذلك ومصرّة على ممارسة سياسة مستقلة ومعها الصين بدرجة أقل نشاطاً».
ورأى زاسبكين: «كنا نعتقد ان الاوضاع ستكون أفضل بعد الحرب الباردة، لكن سياسة غورباتشوف ويلتسين، لا اقول الموالية للغرب بل القريبة منه، دمّرت الاقتصاد من خلال المستشارين الغربيين الذين عملوا في موسكو واقترحوا تدمير الصناعات التحويلية والزراعية، فلم يبق عندنا سوى التجارة والنفط، ونعمل الان على إعادة النظر بواقعنا الاقتصادي في ظل هذه الظروف الصعبة».
وبعد ان نعيد تصويب الحوار في اتجاه ما يحدث في سورية، وما اذا كان تقدُّم المعارضة وتراجُع النظام هدفه إحداث توازن على الارض يؤدي الى تسوية سياسية، قال: «عندما يشعر اي طرف بقدرته على التفوق فلماذا يذهب الى تسوية؟ نحن دائماً كنا نقول انه ما دام لا افق لاي حسم عسكري فلنتقدم في اتجاه التسوية السياسية بغض النظر عن موازين القوى على الارض».
وسأل السفير الروسي: «وحتى لو سقط النظام السوري كيف سيأتون الى السلطة ويتم ترتيب الامور؟ وما هو البديل ونحن نرى ما يحدث في بعض دول المنطقة كليبيا واليمن؟ اذ دائماً تخرج من الدول أشكال جديدة من الصراعات والحروب. هل يسقط النظام ويكون كل شيء تالياً على احسن ما يرام؟».
واوضح: «نحن الروس نقول دائماً ان اهم مسألة بالنسبة الينا ليس الرئيس فلان او الجماعة الحاكمة هذه او تلك. المهم ان يحصل توافق بين القوى الاساسية للحفاظ على مؤسسات الدولة، ولا سيما الجيش».
وهل من خطة ما لدى روسيا للتصدي لملفات الشرق الاوسط؟ قال زاسبكين: «لا يمكن ان نستخدم مصطلح خطة، المقاربة الروسية للملفات في المنطقة لم تتغير منذ عشرات السنين (...) اما ما يسمى الربيع العربي فنحن ضد توريط المجتمع الدولي في إسقاط الانظمة في المنطقة، وموقفنا ثابت بهذا المعنى».
واضاف: «في ما خص الملف النووي الايراني، فان التفاوض في شأنه كان يستند في درجة كبيرة الى مقترحات روسية. اما بالنسبة الى سياسة المحاور فلسنا جزءاً من اي محور في المنطقة. ولذا عندما يتحدثون عن تبدُّل تحالفات، فنحن لسنا معنيين بهذا الامر لانه ضدّ منطق الديبلوماسية الروسية وليس لمصلحتنا. فنحن نريد اليوم اكثر من السابق التواصل مع جميع الاطراف، مع ايران والسعودية ومع الجميع. والتقارب الذي يحدث مع مصر لا يعود الى اليوم وليس نتيجة لعلاقاتها مع الغرب بل هو امر طبيعي ونعتبر انه مكسب عاد الينا بعد فترة. وفي الفترة المقبلة لن نكون جزءاً من معسكريْن».
وزاسبكين، الذي سبق ان خدم في اليمن، قال في مقاربته للملف اليمني: «في البداية كانت المبادرة الخليجية ثم جاء تأييد المجتمع الدولي لهذه المبادرة. اليوم تغيّرت الأوضاع بطبيعة الحال، والعمل الاساسي يجب ان يكون لمجلس الامن»، موضحاً خلفيات موقف موسكو الذي أتاح إمرار قرار مجلس الامن حول اليمن فقال: «الكأس نصف ملآنة ونصف فارغة. أظن ان التفسير الرسمي للموقف الروسي من القرار انه كان نوعاً من الاشارة الى اهمية العمل المشترك والتعاون من اجل اتخاذ القرار. هذا هو العمل الايجابي والديبلوماسية البنّاءة، وفي الوقت عيْنه لم يأخذوا في الاعتبار الاقتراحات الروسية التي كانت مبدئية، مثل وقف توريد السلاح. معنى ذلك اننا كنا نسعى كما دائماً الى التوازن ولكن لم تؤخذ اقتراحاتنا في الاعتبار، ولذا امتنعنا عن التصويت».
وفي رأيه الشخصي ان «روسيا كانت تريد من إمرار قرار مجلس الامن بالامتناع عن التصويت إبقاء المجال امام العمل الديبلوماسي وتفادياً لحصول قطيعة مع جميع الاطراف، لانه لو استخدمنا الفيتو فان الامر لن يغيّر شيئاً على المستوى الميداني اولاً، كما ان من شأن ذلك جعل الامور اكثر تعقيداً بالنسبة الى القدرة على إجراء اتصالاتنا مع كل الاطراف».
وفي الملف اللبناني، كان اللافت في الموقف الروسي هو الالتباس الكبير في تأييد «اعلان بعبدا» الذي يقضي بتحييد لبنان وفي الوقت نفسه تبرير تدخل «حزب الله» عسكرياً في سورية، فماذا يقول زاسبكين؟: «نؤيد اعلان بعبدا كوثيقة مبدئية. والسؤال هل يمكن تطبيقه مئة في المئة؟ نحن نتمنى ذلك ولكن لم يحصل عزْل للبنان عما يجري في سورية منذ البداية، اذ كان يتم تسريب المقاتلين والسلاح وكنا نؤيد الاجراءات لمنع لك».
اضاف: «المسألة الاخرى هي ان الحرب في سورية المستمرة منذ اعوام تنخرط فيها فصائل لا تعترف بالحدود، والسؤال انه اذا سيطرت هذه الفصائل على الاراضي السورية هل يكون لذلك انعكاسات على لبنان؟».
ونسأله: اذا كان «داعش» وخطره عابر للحدود، فماذا عن «حزب الله» الذي يقاتل من سورية الى صنعاء مروراً بالعراق؟ فيجيب: «هناك فارق جوهري بين داعش وحزب الله. وانا لا اقبل بأي مقارنة بين الاثنين. داعش فصيل ارهابي وحزب الله يتمتع بإمكانات مسلّحة وتَأسس كمقاومة وهو يشارك في الحياة السياسية ومهتمّ بالإستقرار في لبنان، وهو يساعد اليوم النظام الشرعي في سورية»، لافتاً الى انه «يجب ان نميز بين مَن هو ارهابي ومَن هو غير إرهابي. ودَعوْنا الى مناقشة هذا الامر لكن الرئيس الاميركي اعتبر ان الخطر هو ايبولا وداعش وروسيا، وربما رأيه ان داعش وروسيا نفس الشيء».
وسئل عن جدوى الحديث عن حلّ سياسي ما دام طرفا الصراع في سورية يتلقيان السلاح؟ فأجاب: «اذا أوقفنا تعاوننا مع النظام ستقول المعارضة المسلّحة في اليوم التالي ان الوقت اصبح متاحاً للحسم العسكري فهيا بنا»، موضحاً: «نريد التوافق السياسي وهو افضل من تدمير البلد، والنظام يقاوم ويريد ان يقاوم على عكس ما حدث في اوكرانيا حيث وقّع الرئيس إتفاقاً مع المعارضة ثم استسلم وهرب واستولت المعارضة على الحكم. والقذافي كان يشعر بانه قوي وقادر على المقاومة والرئيس الاسد يقاوم منذ أعوام ويريد ان يقاوم».
ورأى «ان الظروف الآن اكثر صعوبة من السابق للتقدم في اتجاه تسوية سياسية في سورية لأن التفاعل الاميركي - الروسي مفقود». وقال: «لا نستبعد التعاون مع الاميركيين اذا ابدت الولايات المتحدة رغبة في ذلك على ان يكون هذا التعاون متيناً ومبنياً على الرغبة المشتركة. وهذا أعتقد انه غير موجود حالياً رغم اننا تعاونا سابقاً في شأن السلاح الكيماوي الذي كان التخلص منه مكسباً. وفي مسألة السلاح النووي الايراني التي لأميركا مصلحة فيها، جرت المفاوضات إستناداً الى مقترحات روسية».
وفي توصيفه للهجمة الغربية على روسيا، قال: «يريدون تجويع روسيا وإسقاط النظام الروسي. في نهاية المطاف هذا هو الهدف لأنه منذ ان تحدث الرئيس بوتين في ميونيخ في العام 2007 إستمعوا إليه وهو يقول اننا نريد علاقات على قدم المساواة، ونريد إحتراماً لحقوقنا».
وحين يقال له: هل هو عودة لمناخ الحرب الباردة؟ يجيب: «ربما أخطر من الحرب الباردة، لأنه ايام الحرب الباردة كانت الخطوط الحمر معروفة أما الآن فالامر غير واضح. وأصبحنا جزءاً من الاقتصاد العالمي لا سيما في المجال المالي وهم يريدون استغلال هذا الموضوع، إضافة الى انه ايام الحرب الباردة كان يوجد معسكر اشتراكي وحركات تحرُّر في اطار منظومة مستقلة إلا انهم اليوم اصبحوا مرتبطين اقتصادياً. لذا الصراع اصبح اكثر خطورة».
وفي نهاية المطاف ما الذي يمنع إنتخاب رئيس جديد في لبنان؟ انه سؤال بسيط لكنه معقد بالنسبة الى السفير الروسي، الذي اعتبر انه «خلال المرحلة الاخيرة اصبح لديّ خوف من ان كثرة الكلام عن هذا الموضوع من جميع الاطراف ونهار مساء تكاد ان تفقده جديته، ولا أرى تغييرات في هذه المسألة لأن الاعتبارات ما زالت عينها لدى جميع المعنيين بالملف الرئاسي. ونحن كمجتمع دولي نواصل التأثير على الأوضاع اللبنانية من بوابة الدعوة الى الاستعجال في انجاز الاستحقاق الرئاسي، ولا اظن ان المجتمع الدولي قادر على اتخاذ قرار عن اللبنانيين في هذا الشأن»، موضحاً: «بالنسبة الى لبنان فان مجموعة الدعم الدولية تساعد على تأييد لبنان في مختلف المجالات على المستوى الدولي. وهذا شيء مريح للسفراء والعاملين في لبنان لأن ذلك يعني ان الغطاء الدولي للبنان مستمر».