ألقى قصائده ضمن فعاليات مؤتمر القراءة الوطني الأول

قاسم حداد... يتوهّج شعراً ويغنّي للحب والغريب والجمال

1 يناير 1970 05:33 م
أحيا الشاعر البحريني قاسم حداد أمسية شعرية، اتسمت بالشفافية والحكمة، والقدرة على استلهام الصور الشعرية، من رموز تراثية وإنسانية عدة، وذلك في سياق فعاليات مؤتمر القراءة الوطني في دورته الأولى.

والأمسية أدارتها باقتدار الزميلة الشاعرة سعدية مفرح، والتي تداخلت في تقديمها مع السيرة الذاتية للشاعر وهمومه الشعرية، التي كان يقتنصها من مدلولات إنسانية عدة... لتقول: «قاسم المختلف ككل شاعر يتوسد القصيدة المستحيلة، المأخوذ بشهوة القول الى حيث البئر الأولى يمتح منها ما يشاء من القصائد. يتشظى في حديقة التجربة، ولا يخضع لسطوة المألوف ولا لراحة السائد ولا لمتعة الاستقرار... فالشعر عكس ذلك. والقصيدة كسر»!

وأضافت: «في واحدة من محاولاته لوصف ذاته كتب: أضع المرآة على الطاولة. أحملق، وأتساءل: من يكون هذا الشخص ؟ أكاد لا أعرفه. أستعين بالمزيد من المرايا. وإذا بالشخص ذاته يتعدد أمامي ويتكاثر مثل الصدى في كاتدرائية الجبال، فأتخيل أنني قادر على وصفه: إنه قاسم حداد... تقريبا». وحضر الأمسية الفنان مارسيل خليفة.

وأنشد الشاعر قاسم حداد- في ما أنشد- قصائده، تلك التي انتبذت حيزا من الحياة، تبث فيها المشاعر والرؤى، وتتفاعل مع الكلمة بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء.

وقرأ الشاعر قصائد- كان في معظمها- من ديوان «النهايات تنأى»، ومنها «الغريب»، «قل هو الحب»، «الوقت»، «ظلام عليك أيها الجبل»، «خطاطون»، وغيرها.

ليقول حداد في قصيدة «قل هو الجب»:

هواء سيد، وزجاج يفضح الروح وترتيل يمام

قل هو الحب

ولا تصغي لغير القلب،

لا تأخذك الغفلة،

لا ينتابك الخوف على ماء الكلام

وبدت المشاعر متفاعلة مع الكلمات في قصيدة «الغريب»، ومن ثم فإن الرؤى جاءت متحركة في اتجاهات إنسانية عدة، وبتفاعل حسي مع الغربة والوحشة، والتشرد... ليقول:

أيها الغريب

تلك الصخرة المشتعلة في الأعالي

منذورةٌ لكتفٍ ما

شخصٌ للوحشة شخصٌ لقرينها.

جسارة الحلم لك ولك احتضان الصخرة

أيها الشاحب المشرد الوحيد.

وفي قصيد «وقت الحلم الأول»... تدفقت المدلولات في إنشاد شعري مفعم بالحيوية والحركة، والتدفق الوجداني المتضامن مع توهج الكلمات، وتنوع معانيها في متن النص ليقول:

قولوا

من منكم لا يلمح صورته في قاع الكأس

من منكم لا يتذكر تاريخ ولادته

وطول أصابعه

وملامحه منذ الصحوة حتى الرأس

في كل خيوط الثوب أراه يلوح لي جرحاً

وأراه ملوحة هذا الكون المائل

أنتم يا أبناء الحلم الأول خلف الباب

وأنا في حلمي الآخر منذور دون جواب

وأنا السائل

إن كان النوم، الراحة، حبل السرة

أطراف الفعل البارد، غفلتكم

وفي قصيدة «القلعة»... حرص الشاعر قاسم حداد على التواصل مع حزمة من المشاعر، تلك التي يبدو فيها المضمون أكثر توهجا وحضورا، والمفردات متكئة على رؤى جمالية عدة ليقول:

أبني القلعة من حولي

أشيّدها حجرا حجرا

وأستنفر الجيوشَ لتبدأ الهجوم

وحدي

أستعدي شهية القتال في شجاعة الأعداء

أهيئ لهم كي يبدأوا شحذ الأسلحة

ويحسنوا التصويب

أبعث بكتب التحديات وأنتظر في القلعة

وحدي

وبدى الفعل الرمزي متوهجا في قصيدة «مرارات»... وهو توهجت أظهرته الصور الجمالية التي ساقها حداد في نسيج قصيدته، بقدر من الحضور الذهني، الذي يحتاج إلى التفكير والتأمل:

مررنا بهم

يشخصون إلينا بأحداق تطلع منها طيورٌ عمياء

نكسر في وجوههم الشمس بالمرايا

فلا يرفُّ لهم جفنٌ ولا تتهدّل أهدابهم

يتفصّد الرخام من مقلهم

وينبثق كأنه الحمم

كلما ظننا لهم شكلاً

طاحَ قناعٌ لندرك قناعاً آخر خلفه

ثم استخلص الشاعر مضامينه في «ظلامٌ عليك أيها الجبل»، من خلال تشابيه حسية، تتمادى في عنفوانه، عبر أنساق شعرية متوهجة:

كان الجبل في أحداقنا

ينقل أقدامه الزجاجية من حلم في هيبة البحر

إلى حلم في أبّهة النخيل

ذهبنا لشحذ أعضاءنا بأسنانه

بصلافة صخوره وغدر نتوءاته

فيما هو منشغل بصقل شظاياه

مباهياً بهيبة مراثيه وبراثنه الباسلة

في ما اتسمت قصيدة «خطاطون»... بالقدرة على الدخول إلى أعماق المتلقي، وذلك بفضل ما تحمله من مشاعر ساقها الشاعر في رؤى إنسانية، تحتاج إلى التركيز في مضامينها، لتحقيق الفهم الرمزي لها:

يهب الخطاطون

يلوبون بتسع مرايا موغلةٍ في السر،

يفضون الختم عن الأبواب التسعة

في أشلاءٍ خائفةٍ،

وكلام الله يزين بالأسماء زجاج المشكاة ويحرسها.

تسعة خطاطين

يذوبون لفرط الشطح

ومجد الجسد الذاهب في الشطرنج وزهر النوم.

وقبل أن ينهي الشاعر قاسم حداد الأمسية، طلبت منه الزميلة الشاعرة سعدية مفرح أن يتلو قصيدة جديدة لم ينشرها، فقرأ من كتاب «تعديل في موسيقى الجحر، والتي تجول عبرها في ألوان شعرية، امتزج فيها الخاص بالعام... الحديث بالقديم، الواقع بالخيال:«طفق الخزافون يحفرون الاختام وينحتون الرقوم ويرسمون الرقش في زندها لئلا يخطئها الطوفان ولا تقصر التجارة، يهندس سدنة العمل الأفلاج لها، فلا يتأخر الماء عن مكانه ولا الزرع عن أوانه».