فقه الواقع
| عبد الله مساعد يوسف بوغيث* |
1 يناير 1970
09:36 ص
لقد قص الله علينا قصة نبي الله سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وما من الله عليه من المعرفة بأحوال الأنس والجن والطير والنمل ، وجعل ذلك من جملة فضائله ، قال الله تعالى (( وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون )) يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله (( وقد أعطاه الله من الفهم ومعرفة أحوال الآدميين ما قص الله علينا نبأه في هذه القصة )) والعلماء مرجع للناس في الأحكام الشرعية كما قال الله تعالى (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وقد أمر الله تعالى بالرجوع إليهم أيضاً في الأمور المهمة وما يتعلق بمصالح المؤمنين في معاشهم ودنياهم وما يستجد من النوازل الجديدة وما يحصل لهم من فتن وشرور كما قال تعالى (( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )) ولا يتأتى الحكم الصحيح إلا بمعرفة الواقع على ما هو عليه ، وهذا واجب على أهل الفتوى الذي تحملوا فرض الكفاية عن سائر الأمة ، فكما أنه لابد للفقيه من الفقه في كليات الأحكام ، فكذلك ينبغي أن يكون فقيهاً في أحكام الحوادث الكلية والوقائع وأحوال الناس ، يقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله (( فالحكم الحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية ، والعلم بصورة القضية المحكوم بها ، وكيفية إدخالها في الأحكام الشرعية الكلية ، فالجاهل بواحد من هذه الأمور لا يحل له الإقدام على الحكم بين الناس )) وهذا باب انحرف فيه البعض عن حد الإعتدال ، وفرطوا في طلب العلم الشرعي وأغرقوا في قراءة الصحف والمجلات ومتابعة مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي ووثقوا بها بما فيها من تخرصات ، وجعلوها بمنزلة الدلائل والبينات حتى أن بعضهم جعلها بمنزلة القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، وتناسوا أنها في بعض الأحيان إن لم تكن أغلبها مبناها على الظن الخاطئ إن لم يكن كذباً متعمداً ، وصاحوا على رؤوس الخلائق أنهم مختصون بهذا العلم ، وقطعوا الطريق على العباد من الرجوع الى العلماء في النوازل بدعوى الإختصاص الذي لهم وأن عندهم ماليس عند العلماء وقد زعموا في ذلك ، فالحذر الحذر من هؤلاء المتعالمين الذين حذر منهم أئمة السلف ، والواجب إتباع أهل العلم الموثوق فيهم .
*ماجستير في الشريعة الإسلامية