مشاهد / اليمن الذي كان مجهولاً!
1 يناير 1970
06:12 ص
عندما كانت مصر تحارب في اليمن في ستينيات القرن الماضي... فكّر المشير عبدالحكيم عامر في سفر عدد من الأدباء المصريين إلى اليمن لمتابعة التجربة على الطبيعة.
الأدباء الذين سافروا كانوا: «نجيب محفوظ ويوسف السباعي وأنيس منصور وصالح جودت ومحمود حسن إسماعيل ومهدي علام».
وكانوا يزورون اليمن لأول مرة في حياتهم، ركبوا الباخرة من ميناء الأدبية في السويس إلى اليمن، وقطعت الباخرة ألفيّ كيلو متر.
مجلة «آخر ساعة» في تلك الأيام البعيدة جدّا، كلفت المحررة: حكمت عبدالحكيم إجراء لقاء مع أدباء مصر الستة الذين سافروا.
لم تتوصل لهم جميعا، ولكنها حاولت، وبفضل الجهد الجميل الذي يقوم به الصحافي المصري محمد شعير، رئيس تحرير مجلة «عالم الكتاب»، عثرت على رد كاتبين من الكُتَّاب الذين سافروا، هما يوسف السباعي وأنيس منصور.
وماذا قالا عن اليمن؟
تكلم يوسف السباعي، بصفته ضابطا قديما في الجيش، عن المتاعب التي صادفت رجالنا في اليمن.
وقال: «كانت مشكلة معركة اليمن تنطوي على صعوبتين... وهما المرحلتان الرئيستان لكل معركة، وأقصد بالمرحلتين المرحلة الاستراتيجية والمرحلة التكتيكية... فمرحلة الاستراتيجية هي الإعداد للقتال، بحيث يخوض جنودنا المعركة في أنسب الظروف لها ومجهزة أكمل التجهيزات التي تمكنها وتساعدها على خوض المعركة، وهي في أفضل مستوى للكفاءة... والمرحلة التكتيكية هي مرحلة القتال الفعلي في أرض المعركة... أو بتشبيه أقرب إلى الأذهان إذا افترضنا أن الجيشين المتقاتلين هما فريقان لكرة القدم فتكون المرحلة الاستراتيجية هي كل ما يسبق الإعداد للمباراة حتى بدئها... أي حتى يبدأ في إطلاق صافرة بدء المباراة، ويتضمن هذا تدريب الفريق وتكوينه ولياقته المدنية والوقت الذي سيلعب فيه والأرض التي سيلعب فيها وأشياء أخرى كثيرة يعرفها مدربو الكرة ولاعبوها أكثر مما أعرفها..
أما المرحلة التكتيكية، فتقابل المباراة نفسها منذ أن يطلق الحكم صافرته مؤذنا ببدء المباراة حتى يطلقها مؤذنا بانتهائها بكل ما فيها من جهد للاعبين وتكتيك للعبة وتصويب للمرمى وتضامن بين اللاعبين... إلخ.
ويتضح من التشبيه، أن المرحلتين مرتبطتان تمام الارتباط، وأن النصر لا يمكن أن يحرز إلا بأن يؤدي كل منهما على أكمل وجه... فعندما ننظر إلى الصعوبات التي اكتنفت المرحلة الاستراتيجية لمعركة اليمن نجد أهمها وأبرزها صعوبة نقل القوات في أقصر مدة ممكنة لمسافة تزيد على ألفيّ كيلو متر عبر منطقة لا تملك تأمينها تأمينا كاملا، وأعني بها منطقة البحر الأحمر... أعني أننا جابهنا صعوبة الوقت والمسافة وسلامة القوات، فكان علينا أن نتغلب على ضيق الوقت وطول المسافة وانعدام الأمان، ثم أكثر من هذا كان علينا أن ننقل كل ما تحتاجه المعركة وليس جزءا منها..
كان عليناـ يكمل يوسف السباعي ـأن ننقل الجنود والأسلحة والمؤن والذخائر والبترول وكل ما يحتاجه العسكري لكي يخوض معركة وسط الجبال... وكان علينا أيضا، أن نعد المعركة إعدادا استراتيجيا معنويا... فلم تكن أسباب المعركة من الوضوح والبساطة بحيث يسهل إدراكها، لأننا أقدمنا على معركة جديدة من نوعها لم يتصورها البشر... معركة دُفع إليها للخلق والإيمان بالإنسان، وبحقه في الحياة الكريمة... كان علينا أن نوضح أننا دخلنا معركة لا للذود عن حدودنا ولا لهجوم على عدو يتربص بنا، ولكن لنعين شعبا بأكمله على أن يحمي نفسه ضد سجانيه وأن يحافظ على حرية حققتها ثورة بعد طول سجنه وعلينا أن نعنيه فعلاً لا قولاً.
وتكلم أنيس منصور، عن الأسرة في اليمن، وقال: إن الأسرة تعتبر أرقى الأشكال الاجتماعية... وعن طريق فهم الأسرة يمكن فهم مدى تطور أي مجتمع، فمثلاً في اليمن وعلى قدر المعلومات القليلة التي عرفتها أو عن طريق الكتب المترجمة التي كتبت عن اليمن، أجد أن الأسرة اليمنية أسرة بدائية جدّا، يكفي أن تعلم أنه من الممكن أن يعقد الرجل على فتاة في الثانية ويتزوجها في السابعة... وعليها التزامات الزوجة، وطبيعي أن يكون الرجل أكبر منها بخمس أو عشر سنوات... وهو في هذه السن يكون قد أدمن القات!
هذا على وجه العموم... لأنه يجب استثناء بعض المدن النشيطة الواقعة في جو معتدل مثل تعز، وهي مدينة تجارية قريبة من عدن، وهي في قلب مجتمع زراعي.
أما بقية نساء اليمن، فهن قبليات يعشن من يوم إلى يوم، يأكلن بعض الحبوب أو الأعشاب أو أوراق الشجر.
فمن المعروف أن الأئمة كانوا يستعينون برجال القبائل كجنود وشرطة ومحصلي الضرائب أو متنفذين أو مخيفين، كما يسمونه في اليمن.
وهذا المتنفذـ يستطرد أنيس منصور ـ ينطلق بورقة صغيرة في يده ليحصل فيقيم في بيت الفلاح يأكل ما يعجبه ويتقاضى بدل إقامة وبدل سفر من الفلاح ويأخذ الضرائب منه قسرا... فهذا المتنفذ هو الذي تعيش عليه بقية القبائل... والقبائل تعتمد حياتها عليه القبائل الأخرى.
فالإمام يصدر أمرا بالهجوم على قبيلة واستباحة كل ما تملك... فهذه كلها مجتمعات بدائية في حالة من الرعب، ولا يمكن أن تكون هناك حياة أسرية إلا في ظل الاستقرار، لأن الأسرة حضانة ولا يمكن أن تكون حضانة بلا دفء ولا دفء بلا جدران.
وهناك مَثل ياباني يقول: «إن الحجر المتحرك لا ينبت عليه عشب»، ولا يمكن أن تنبت أي علاقات أسرية في بلد كهذا... إنه ليحدث في كثير من الأحيان أن نسأل الزوجة اليمنية أين زوجك؟ فلا تعرف متي غاب... منذ عشر سنين... والزوج في سن الـ 25 سنة يصبح عاجزا تماما عن واجباته الزوجية... فالأسرة اليمنية أسرة طفولية لا يزيد عمرها على 10 سنوات!
والمرأة اليمنية هي التي تقوم بكل شيء، والرجل عالة عليها... في المجتمع اليمني، وكلمة مجتمعنا تجاوزا يجب أن تغير كلمة عامل إلى كلمة عاملة... وليس غريبا أن نجد في تاريخ اليمن ملكتين: بلقيس ملكة سبأ وأروا بنت أحمد.
والمرأة في اليمن تنقسم إلى قسمين: المرأة في الجبال، وهي من البدو الشيعة، والمرأة في الوديان من الفلاحين السنيين.
والمرأة الفلاحة هي التي تعمل ووجهها سافر وهي جميلة وترتدي البنطلون أو بالأصح السروال وتضع على وجهها مادة صفراء مثل الكريم لتحميها من أشعة الشمس.
هذه شهادة ضابط، هو يوسف السباعي، يتحدث عن صعوبات العملية العسكرية. لم تكن كلمة التدخل البري قد دخلت قاموس الحياة العامة وقتها، لكنه يفرّق بين التكتيك والاستراتيجية. أما أنيس منصور فقد اختار الكلام عن المجتمع.
ويبدو أنه أخذ معه كتبا مكتوبة بالإنكليزية تتحدث عن يمن العصور الوسطى، لكنها تؤكد حتمية الثورة لكي يخرج هذا المجتمع من العصور القديمة إلى زمننا الحديث. وهذا ما يعطي جيش مصر- في ذلك الوقت البعيدـ مبررا للذهاب إلى هناك لمساعدة شعب ثار على حكامه بحثا عن حياة جديدة أكثر أمنًا وأكثر كرامة.