الرواية ترصد ثلاثة أجيال متعاقبة وصدرت عن «الدار العربية للعلوم- ناشرون»
قراءة / «هزمتهم امرأة» لحسن صبرا ... صراع واقعي في حياة مزدحمة بالأحداث
| كتب مدحت علام |
1 يناير 1970
08:05 م
•الحبكة الروائية تكشف حالات إنسانية موجودة بشدة على أرض الواقع من دون تبسيط أو تهويل
• الأحداث مفعمة بالمفاجآت... من خلال شخصياتها الكثيرة والمتشعّبة وامتدادها عبر الزمن وتقاطعها أحياناً وتنافرها في أحيان أخرى
• أسلوب الرواية مزيج بين الأدب والصحافة... بين السرد الناعم للأحداث والسرد الذي يقتحم الأعماق الإنسانية اقتحاماً
تأخذك رواية «هزمتهم امرأة» لمؤلفها رئيس تحرير مجلة «الشراع» اللبنانية حسن صبرا... إلى حياة مزدحمة بالتناقضات والصراعات المحمومة على الشهوة سواء كانت في جمع المال أم المناصب أم الشهوة المتعلقة بالجسد. كما تترصد رؤى تبحث في واقع لبنان... والدخول إلى عوالم إنسانية مليئة بالتوتر والقلق، وعوالم أخرى يتبدى فيها الإحساس بالحياة خافتا، ومن ثم فإن المعالجة الفنية والإبداعية لكل هذه الأحوال جاءت في أنساق مكثفة، وأسلوب تتلاقى فيه الأحداث في تصاعد مستمر. كما أنها تزدحم بمقومات جمالية، تكاد تستشعرها، وانت تسترسل في القراءة، من دون توقف أو انتظار.
وفي سياق هذه التوليفة الروائية الممتدة إلى ما يقترب من ثلاثة أجيال، اقتحم المؤلف المستور كاشفا أسراره، مسترسلا في تحليله والوقوف عند مضامينه وتفاعلاته الاجتماعية والإنسانية.
ورغم أن هذه الرواية هي التجربة الأولى لمؤلفها حسن صبرا، غير أن الطريقة التي رسمت من خلالها الشخوص والأماكن والأحداث تشي بقدر وفير من الموهبة المتعلقة بكتابة فن الرواية.
وبالتالي تمكن صبرا من الإمساك بحرص بخيوط الرواية، ومن ثم تحريكها وفق ما يتطلع إليه، لذا فقد جاءت المعالجة الفنية للرواية متماسكة، وفي الوقت نفسه معبرة عن الحالات التي رصد فيها المؤلف الواقع.
ولنبدأ من عنوان الرواية «هزمتهم امرأة»... وهو عنوان يبدأ بالجمع وينتهي بالمفرد، يبدأ بهزيمة مجموعة وينتهي بانتصار واحدة، ومن ثم فهذا العنوان- في مضمونه هو مدخل اراد من خلاله المؤلف أن يهيئ ذهن المتلقي لاستقبال أحداث الرواية التي ستضمن في متنها مجموعة من الأشخاص رجال أم نساء ولربما رجال فقط... سيتواجهون مع امرأة بطرقة أو بأخرى، وسيكون الانتصار للمرأة وهو انتصار حتمي، كما يشير إله العنوان.
ولنسرد القصة أو الحبكة التي استخلص منها المؤلف روايته، وهي حبكة واقعية، وربما تكون غارقة في الواقعية، وبعيدة جدا عن الخيال، وهذا ما كان يراد لها، كونها تترصد حالات إنسانية ستجدها موجودة بشدة على أرض الواقع، من دون تبسيط أو تهويل.
فلنبدأ بشخصية أنور... شاب مقبل على الحياة، من أسرة ثرية، تدفعه عاطفته إلى الاقتران بفتاة ليست من نسيج مجتمعه المخملي «سميرة»، فهي فتاة تستفيد من العمل الخيري الذي يقوم به والده في المساهمة في تعليم بعض ابناء الأسر الفقيرة، وفي خضم هذا القرار الذي اتخذه أنور والاقتران بسميرة يخسر موقعه الاجتماعي والمالي وتجرده أسرته من ثروتها، ويجد نفسه منبوذا، ما يجعله يلجأ إلى صديق العائلة المحامي عماد ويعمل لديه في مكتبه غير أنه يتوفى في ظروف سيئة، وتجد سميرة نفسها وحيدة من دون سند أو زوج بعد انجابها لابنتها «جال»، وتتناقل الأحداث من هذا الجيل... إلى الجيل الثاني وهو الجيل الذي تشكله شخصية «جمال» وزواجها من «شاكر» ابن بائع الجرائد «توفيق»، وتتدافع الأحداث مرة أخرى ليظهر الجيل الثالث في الرواية ويمثله ابنة جمال وشاكر واسمها «ميرا»، مع أخيها «خليل»، وفي سياق هذا التواتر في الأحداث نجد أن الأحداث الخاصة بالجيل الأول تكاد تنطفئ ولا يبقى منه إلا القليل، في ما تتوهج الأحداث مع الجيلين التاليين، ومن هنا أخذت الرواية منحاها حتى نهايتها.
وتسير الأحداث في سياقها الدرامي لتسعى شخصية «جمال» في استغلال جمالها وذكائها في تجارة العقارات بالشراكة مع الرجل المتنفذ «كمال»، ومن ثم تجمع ثروة تقدر بالملايين، ومن ثم يجد زوجها شاكر في صراع مرير مع نفسه، في خضم المستوى المادي الذي وصلت إليه زوجته «جمال»، وفي ما تسير الأحداث الخاصة بجمال نجد ميرا تأخذ طريقا آخر من خلال الأحداث التي تتحدث عن غرامها بزميلها في الدراسة ربيع، وهو ابن شريك والدتها، ثم يحدث المحظور وتحمل ميرا بجنين في أحشائها نتيجة غلطة مع حبيبها «ربيع»، وبعد افتضاح الأمر يرفض «كمال» ان يتزوج ابنه من حبيبته «ميرا» انتقاما من أمها التي تمنعت عليه في الفترة الأخيرة، وتحاول زوجة «كمال» التوسط كي يتزوج ابنها «ربيع» ممن أحبها قلبه، ولكن كل المحاولات تذهب هباء.
ثم تمضي الأحداث بتواتر وبالكثير من المفاجآت، كي تستسلم «جمال» لنزوات «كمال»، ولكن هذه المرة بغرض إرغامه على أن يوافق على زواج ابنه من ابنتها، ومن ثم تقوم بتصويره بالفيديو من دون أن يعلم، وتبعث بهذا الشريط إلى زوجته مها، وتكون النتيجة أن يموت كمال كمدا، وبعد مرور الوقت يتمكن «ربيع» بالزواج من «ميرا».
وفي سياق هذه الأحداث سنجد أحداثا أخرى تسير... توفيق«بائع الجرائد يستطيع كسب المال من عقار يبيعه ويتزوج من فتاة صغيرة«سليمة»، غير أنه يقرر أن يطلقها ويزوجها لمن تريد بشرط أن يعيش معهما في المنزل نفسه، وتوافق«سليمة»على ذلك، ثم وفاة توفيق، بعد أن كتب كل ما يملك لـ«سليمة»، وسميع- في تواتر الأحداث- أصبح عارفا بسوق العقار ويشارك«كمال»، ومن ثم تعترف له زوجته«جمال»بأن في حياتها شخص آخر غيره... ويتم الطلاق.
والرواية تترصد مجالس النميمة للنساء، ووصول هذه النميمة إلى صحافي، قرر أن ينشرها في المجلة التي يعمل فيها، ولكن يتم شراء ذمة صاحب المجلة بالإعلانات، وتسلط الرواية الضوء على الرشوة والوساطة، والضمائر الخربة، والأحوال الفاسدة التي يعيش فيها بعض المسؤولين.
إنها أحداث مفعمة بالمفاجآت، تلك التي اتسمت بها رواية سمرا، بأشخاصها الكثيرة والمتشعبة، وامتدادها عبر الزمن، وتقاطعها أحيانا وتنافرها في أحيان أخرى.
وحينما نتحدث عن الأسلوب الواقعي الذي أوجده صبرا في روايته، سنجد أنه مزيج بين الأدب والصحافة، بين السرد الناعم للأحداث والسرد الذي يقتحم الأعماق الإنسانية اقتحاما:
«تنمو جمال بدموع العين... والأم الصبية ترد الوفاء لأنور تفرغاً كاملاً لتربيتها، تقفل الأبواب دون كل طالب ود أو قرب أو وصال، لا تخلع محبس الزواج من يدها اليسرى، لا ترتدي السواد، إشارة إلى حياة حبيبها إلى جانبها، فالحياة لا تحب السواد، تصمم سميرة على ارتداء كل فستان أحبه أنور، أن تسرّح شعرها بكل طريقة كانت تلقى ثناءه... أن تكعب كل حذاء لاقى إعجابه».
في ما استلهم المؤلف مشاعر أبطال روايته، من خلال لغة متماسكة متواصلة مع المشاعر الإنسانية الخلاقة:
«ظل أنور حاضراً في المنزل... هو نموذج للتضحية، هي نموذج للمقاومة نفسها... وجمال تنمو، شبراً... (ندراً) أنوثة، جمال فوق كتفيْ جمال، في وجهها، وصدرها وردفيها، تجذب كل من في المدرسة التي حرصت سميرة على إدخالها إليها... إنها مدرستها... لكن مصاريفها الآن من جهد سميرة... ومن تعبها ومن إيثارها».
وعلى هذا الأساس اتسمت رواية«هزمتهم امرأة»بالتفاعل مع الواقع بأكبر قدر من التكثيف، وبالتدفق الوجداني، الذي حرص المؤلف على إنجازه بأسلوب مرن وسهل، ومفعم بالحيوية والحركة.
في ما ركزت الصور الأدبية التي ساقها المؤلف في عمله، على استشرافات ذهنية مستوحاة من الحياة، ولم تخرج عنها البتة، وذلك على سبيل إيجاد معالجات واقعية بعيدة عن التهويل، أو التهوين أو التصنع.
والرواية في بساطتها تعد أرشيفا أو وثيقة يمكن الرجوع إليها عند الحديث عن الواقع اللبناني- وقت كتابة الرواية- من خلال ما تكشفه من حياة المنعمين، والمتنفذين، والطريقة التي تمكنت بها بطلة الرواية«جمال»من كسب المال غير المشروع من خلال شراء الأراضي والعقارات بأسعار رخيصة، على إثر تعاون بعض المتنفذين معها في الكشف عن النية لشق طريق مقابل هذه العقارات أو الأراضي، وهكذا.
وعليه يمكن التأكيد أن رواية«هزمتهم امرأة»للكاتب الصحافي حسن صبرا، من الروايات المهمة التي صدرت عن الدار العربية للعلوم- ناشرون، وهي تضم 317 ورقة من القطع المتوسط، وحظيت بمقدمة كتبها المؤلف تحدث فيها عن مقدمتين لروايته الأولى كتبها الأديب الكبير يوسف الشرنوبي تحت عنوان«قفزة إبداعية»، واشاد فيها بالرواية وما تحمل من معان راقية، والمقدمة الثانية بقلم الكاتب الليبي الكبير الدكتور أحمد ابراهيم الفقيه بعنوان«خصوصية أمسك بها المؤلف... فأبدع»، وتحدث فيها عن مضامين الرواية.