الاتفاق على «النووي» لن يفرج عن الرئاسة اللبنانية وفشله يطلق تصعيداً يطيح بالانفراج الحالي
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
08:55 م
هل يتّجه لبنان نحو مزيد من الانفراجات التي من شأنها ان «تفرج» عن الانتخابات الرئاسية المعلّقة منذ نحو عشرة أشهر أم أن في الأفق ما يؤشر الى «رياح ساخنة» قد تهبّ على البلاد؟
هذا السؤال الذي يتزامن مع «إطفاء المحركات» في بيروت «المستكينة» هذه الأيام، مردّه الى تطورين مرتقبين تجري محاولات حثيثة للتحري عن ارتداداتهما على الداخل اللبناني، وهما: الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران، والمعركة العسكرية على حدود لبنان الشرقية مع سورية.
ورغم ان نهاية الشهرالجاري التي سيرتسم معها مصير المفاوضات بين مجموعة الدول 5+ واحد وايران في شأن النووي، صارت لـ «ناظره قريب»، فان الوسط السياسي اللبناني ينخرط في رصد الانعكاسات المحتملة لنجاح عملية التوقيع على الاتفاق او فشلها، خصوصاً على أزمته السياسية - الدستورية المستحكمة.
وفي تقويم لافت لأطراف لبنانية حليفة لإيران ان «التوقيع على الاتفاق النووي لن ينعكس ايجاباً بالضرورة على لبنان والمأزق الرئاسي فيه»، وهي خلاصة غالباً ما عبّر عنها «حزب الله» الذي يحرص على القول ان لا دور لطهران في الملفات الداخلية اللبنانية، اضافة الى انها - اي هذه الخلاصة - تضمر الإيحاء بان التفاهم بين واشنطن وطهران لن يفضي الى فك الاشتباك الاقليمي بين ايران والمملكة العربية السعودية.
غير ان الأكثر إثارة للانتباه ان هذه الاطراف الحليفة لطهران تعتقد انه في حال فشل التوقيع على الاتفاق النووي نتيجة الضغوط التي تُمارس على الرئيس الاميركي باراك اوباما، فان موجة من التصعيد قد تضرب لبنان، لان خصوم ايران الاقليميين سيتعاملون مع فشل «النووي» على انه إشارة للقيام باندفاعة في مواجهة تمدُّد النفوذ الايراني لا سيما في اتجاه اليمن.
ومما يجعل تلك الأطراف اكثر ارتياباً هو إدراكها ان خصوم ايران الاقليميين بدأوا بعملية إنعاش لتحالفات من النوع الذي يؤسس لمحور عربي - اسلامي عريض، سعودي - خليجي - مصري - تركي - باكستاني، هدفه الرئيسي مواجهة القوة الصاعدة لايران وتمدُّد نفوذها على نحو غير مسبوق، من لبنان وسورية والعراق الى اليمن.
ومع إدراك حلفاء ايران لصعوبة قيام محور واحد بين متناقضين، في اشارة الى الودّ المفقود بين تركيا ومصر، فانهم يميلون للاعتقاد ان الرياض ستسعى الى لعب دور «المايسترو» في إدارة هذا المحور غير المتجانس عبر تفاهمات سعودية - مصرية وسعودية - تركية في اطار هجوم معاكس بمواجهة فائض التدخل الايراني في المنطقة وساحاتها.
غير ان بيروت دائمة الانشغال بسؤال محوري هو: ما دام الاتفاق النووي الايراني «لا ناقة له ولا جمل» في تحديد مصير الأزمة الرئاسية في لبنان، فما الذي يمنع اللاعبين المحليين الذين ينخرطون في حوارات جانبية من الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للبلاد ولو بتأخير عشرة أشهر؟
في جولة الحوار الاخيرة بين «القطبيْن» الأبرزين «8 و14 اذار»، اي «حزب الله» و«تيار المستقبل» طُرح الملف الرئاسي عندما تحدث وزير الداخلية نهاد المشنوق عن ان الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب تحتاج الى انتخاب رئيس للجمهورية لانه «القائد الاعلى للقوات المسلحة»، ومن دونه لا يمكن قيام مثل تلك الاستراتيجية.
وعلمت «الراي» ان «حزب الله» الذي تجنّب الخوض بالأسماء، حدد مواصفات للرئيس العتيد لا تنطبق الا على حليفه المسيحي العماد ميشال عون، وهو الامر الذي دفع بالوزير المشنوق الى مخاطبة المحاورين المنتدبين عن الحزب بصراحة حين تحدّث عن انه لا يمكن إمرار الاستحقاق الرئاسي إلا عبر رئيس توافقي.
واشارت معلومات مستقاة من الطرفين ان احد المحاورين من «تيار المستقبل» سعى الى تضييق الفجوة مع الحزب في الموقف من «الرئاسة» حين طرح مخرجاً يقوم على انتخاب المرشح الذي يحظى بتوافق مسيحي وبدعم من العماد عون، وهو الأمر الذي لم يرق لـ «حزب الله» الذي استشعر بوجود محاولة لـ «زحزحته» عن موقفه المؤيد لمرشح «اوحد ووحيد» هو العماد عون.
هذه المراوحة اقترنت بنصائح متبادلة بين الطرفين، فـ «حزب الله» يريد من «المستقبل» المضي في حواره مع العماد عون إما لتأييده وإما لاقناعه باستحالة وصولة الى الرئاسة، و«المستقبل» يريد من الحزب استخدام ثقله لدى عون لاقناعه بالتحول من مرشح لا حظوظ له الى ناخب اول في اختيار الرئيس العتيد.
ومن غير المتوقع، بحسب اوساط سياسية واسعة الاطلاع في بيروت، ان يفضي الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» الى اي ايجابية في شأن الملف الرئاسي، اقله في المدى المنظور، على عكس النتائج الجيدة على مستوى تنفيس الاحتقان السني - الشيعي عبر معالجات موْضعية وخطط أمنية وما شابه.
وثمة قراءة لخصوم «حزب الله» تجد في موقفه من الملف الرئاسي مناورة الهدف منها اصطياد اكثر من عصفور بحجر واحد، وهي تضمر الآتي:
• ان الحزب، الذي لا يرغب في وصول العماد عون الى الرئاسة، يريد الاحتفاظ به حليفاً «استراتيجياً» في الداخل، وتالياً فانه لن يساوم عليه كمرشح لإدراكه انه لن يحظى بدعم «تيار المستقبل» و«14 آذار».
• ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليست اولوية «حزب الله» الذي ربما يكون صاحب مصلحة في تعليق هذا الاستحقاق في المرحلة الانتقالية التي يعيشها لبنان، في انتظار «صفقة شاملة» تتناول الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب على النحو الذي يعيد توزيع «كعكة السلطة».
واللافت ان ما يجري على مستوى الحوار المسيحي - المسيحي بين تيار العماد عون و«القوات اللبنانية» بزعامة الدكتور سمير جعجع ليس اقلّ التباساً في شأن الملف الرئاسي، خصوصاً انه يراوح حول مسائل تتصل بـ «الجمهورية» وليس لملء الفراغ في سدة الرئاسة.
وعلمت «الراي» ان العماد عون يستعجل وضع الرئاسة على الطاولة في حواره مع «القوات» ظناً منه أن في الامكان كسب تأييد جعجع، او اقله حسم هذه المسألة التي في ضوئها يتحدد مصير الحوار، غير ان «القوات» تتمهل لانضاج ظروف تفاهم سياسي لن تكون الرئاسة جزءاً منه بالضرورة.