طبول الفرح دوّت في أركان متحف الكويت الوطني

«فرقة النيل» حرثت مجرى الفنون الشعبية... وحرّكت نهر موسيقاها

1 يناير 1970 08:14 م
• سليمان: الشراكة الكويتية - المصرية في أوج تميّزها وازدهارها

• بهجت: للفن أهمية قصوى في مواجهة الحملة الإعلامية ضد العرب
وسط هتافات «عظمة على عظمة» التي استعادت ليالي الزمن الجميل، وخلال حفل تعالت فيه زغاريد البهجة ودوّت في أركانه طبول الفرح «حركت» فرقة النيل للآلات الشعبية، نهر موسيقاها الفولكلورية فارتوت الجماهير العطشى من عيون الموروث المصري التي أفاضت قاعة متحف الكويت الوطني عبر مجرى روائع الريف الأصيل والنغم البلدي الخالد.

غصّت قاعة المسرح بالحشود الجماهيرية التي فاقت التوقعات وملأت المدرجات بأكملها، ضمن أسبوع الفن الشعبي المصري مساء أول من أمس الخميس، وكان في مقدم الحضور راعي الحفل سفير جمهورية مصر العربية لدى البلاد عبد الكريم سليمان والملحق الثقافي المصري الدكتور نبيل بهجت، والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحه ومساعداه محمد العسعوسي وبدر الدويش إلى جانب رئيسة الجمعية الكويتية للأسرة المثالية رئيسة نادي الفتاة الرياضي الشيخة فريحة الأحمد والشيخة لطايف الصباح، ولفيف من المسؤولين والشخصيات العامة.

في مستهل الحفل، ألقى الملحق الثقافي المصري الدكتور نبيل بهجت كلمة عبّر من خلالها عن امتنانه باحتضان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لهذه الفعالية الثقافية التي من شأنها توطيد أواصر الأخوة بين الشعبين الشقيقين والتي جاءت لتؤكد على عمق الروابط المشتركة بين مصر والكويت، معرباً عن فخره واعتزازه بالفرق الفنية الشعبية التي تزخر بها أرض الكنانة، ولا سيما أن «فرقة النيل» على رأس الهرم الفني، مثمناً «دور الفن في توحيد الشعوب في ظل ما تشهده الأمة العربية من أحداث أمنية شديدة الخطورة، إضافة إلى الحملة الإعلامية الشرسة التي تشن ضد العرب والمسلمين».

من جانبه، عبّر سفير جمهورية مصر العربية لدى البلاد عبد الكريم سليمان عن شكره وتقديره لكل من حضر هذه الأمسية الفنية، خصوصاً الشيخة فريحة الأحمد، «التي بالرغم من متاعبها وانشغالاتها، فإنها أبت إلا أن تكون حاضرة معنا الليلة».

وأشاد سليمان بأعضاء «فرقة النيل» التي عكست الوجه الثقافي المشرق للفنون الشعبية المصرية على مدى أكثر من 60 عاماً، حيث قام بتأسيسها الفنان القدير زكريا الحجاوي منتصف القرن الماضي، معرباً في الوقت عينه عن سعادته بتدوين الحرف اليدوية في معرض التصوير الضوئي الذي أقيم قبل أيام في متحف الكويت الوطني تحت عنوان «الذي بنى مصر... كان في الأصل حلواني».

وأشار السفير المصري في سياق حديثه إلى أن العلاقات المصرية الكويتية في أوج تميزها وازدهارها على جميع الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، لافتاً إلى حكمة أمير الإنسانية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في تعزيز الشراكة الثنائية، مبيناً «أن سموه استطاع بخبرته السياسية الطويلة أن يفوّت الفرصة على من يحاول تعكير صفو العلاقة بيننا وأن يتصدى بحزم إلى الأخطار التي تهدد أمن المنطقة العربية بأسرها».

بعد ذلك، تسربلت قاعة متحف الكويت الوطني بجلابيب الفلاحين، عندما انطلقت أهازيج المزامير فتمايلت الأجساد على إيقاع الطبلة الشرقية بالرقصات الاستعراضية فصدحت حناجر أعضاء «فرقة النيل» مع روائع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في أغنيتي «على حسب وداد قلبي» و«أنا كل ما قول التوبة يا بوي». ثم قدمت الفرقة أغنية «سلّم عليّ لما قابلني» التي تعد واحدة من أشهر أغاني الصعيد، فيما ألهب أعضاء الفرقة حماسة الحضور بأغنية «دوغلي» التي عادة ما يتغنى بها الفلاح المصري وهو يحمل فأساً على كتفه متجهاً نحو أرضه ليحرثها ويزرعها. حتى ساد الهدوء داخل المسرح وكان الانسجام سيد الموقف مع العزف الانفرادي لآلة «الربابة» التي عزفت أوتارها على شغاف القلوب، لتنطلق أغنية «آه يا الأسمر يا زين... حياتي يا نور العين»، تلاها أغنيتا «ليه يا حبايب تبيعوني وأنا الغالي» و«على بلد المحبوب وديني»، حتى أضناها المسير في عمق الصحراء فاستنجدت بأصحاب الإبل في أغنية «عمي يا جمال قم شدلي حمولي»، وسرعان ما حملتها في الهودج عبر زفة مصرية رائعة كأنها حفلة زفاف في حواري خان الخليلي العريقة «دوسي يا عروسة دوسي... على البساط الأحمر دوسي... يارب تممها علينا وفرح قلبنا وأهلينا».

غير أن ليلة الفنون الشعبية ليست بمعزل عن بقية الأمسيات الغنائية التي لا تتلألأ سماؤها ما لم ترصعها روائع كوكب الشرق أم كلثوم، وإن اقتصرت هذه المرة على المعزوفة الخالدة لأغنية «حب إيه»، إلا أنها لامست إعجاب الحضور، لتنثر «فرقة النيل» من جديد عبق التراث الريفي أثناء غنائها «آه يا عيني يا ليل... والله الهوى ميال»، قبل أن تدق باب الهوى ويئن الناي الحزين على فراق الأحبة في موال «الهوى خبط على الباب... قلت الحبيب جاني»، فأغنية «نخل عالي... وميّة النيل اللي منها الخير يسيل»، ثم أغنية «على الغالي يا عين»، تبعتها بأغنية «على ورق الفل دلعني... محملش الذل ده يعني» وأغنية «متى أشوفك وقلبي مبسوط» لتختتم فقرتها العاطفية في أغنية «حبيبي في الأقصر وأنا بلدي أسيوط». ولم تغفل الفرقة المصرية عن ذكر «المحروسة» برائعة «مصر يا غالية يا أم الدنيا» التي هيجت المشاعر الوطنية في نفوس الجمهور الذي ما انفك يردد كلمات الأغنية ويهتف بالشعارات القومية «تحيا مصر» و«نموت ويحيا الوطن».

وفي الختام، قام الملحق الثقافي بتكريم بعض رموز الفن الشعبي، وفي مقدمهم المخرج القدير عبد الرحمن الشافعي، إلى جانب أعضاء «فرقة النيل» والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فضلاً عن الشيخة فريحة الأحمد وعدد من القائمين على فعاليات أسبوع الفن الشعبي المصري.