تقرير / يحميه التوازن السلبي ويحاذر الانزلاق الى«إعلان دستوري»

لبنان على «مقاعد الاحتياط» في المنازلات الإقليمية... وعيْنه على «صفّارة» ما

1 يناير 1970 09:29 م
يمضي لبنان وبـ «مهارة» في الإفادة من جلوسه على «مقاعد الاحتياط» في منازلاتٍ إقليمية لاهبة... يتفنّن في إدارة «لعبة الانتظار» وعيْنه على «صفّارة» من هنا او هناك لمعرفة مصير «دولته المعلّقة» على قرار كبير بـ «احتجازها» في المنطقة الرمادية، فلا انفجار ولا انفراج حتى إشعار آخر.

فالأكيد ان حال اللا سلام واللا حرب التي يقيم لبنان في رحابها منذ انفجار النظام الإقليمي واشتعال ساحاته، تعكس توازناً سلبياً بين مشروعيْن واحد اسمه الحرَكي «8 آذار» ويقوده «حزب الله» وآخر يتمثل في «14 آذار» وقاطرته «تيار المستقبل»، وهما يشكلان امتداداً لمحوريْن يخوضان مواجهات قاسية في عموم المنطقة.

وثمة مَن يعتقد في بيروت ان «حزب الله» القابض على «الإمرة الاستراتيجية» في لبنان لا مصلحة له في «قلْب الطاولة»، وتالياً الذهاب الى تفجير كبير، وجلّ ما يريده الآن حماية ظهره للتفرغ الى معركته في إعادة صياغة المنطقة من سورية الى اليمن مروراً بالعراق في سياق مشروع تقوده ايران.

اما «تيار المستقبل»، الذي يقرّ ضمناً باختلال موازين القوى ويعمل على الحدّ من الخسائر، فيرى في سياسة كبْح انزلاق لبنان في أزمةٍ ذات قعر مفتوح، مصلحة حيوية لمشروعه ولخياره الاقليمي الذي تتصدّره السعودية، وتالياً فان تجميد الواقع على ما هو عليه يشكل انجازاً نتيجة إدراكٍ حاسم بان معركة لبنان تُحسم على الجبهات الأخرى المترامية في المنطقة.

ومن هنا فإن «8 آذار» كما «14 آذار» يجدان في 24 آذار (مارس) الحالي موعداً مفصلياً لان من شأن لون الدخان المرتقب تَصاعُده من الجولة الحاسمة في المفاوضات الاميركية - الايرانية حول الملف النووي لطهران، ان يفضي الى تبديد سوء الانقشاع الذي يخيّم على الملفات اللبنانية المعلّقة، سلباً او ايجاباً، وفي مقدّمها تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من تسعة اشهر.

ورغم المهادنة التي يبديها طرفا الصراع في بيروت، إما عبر المشاركة في حكومة «ربْط النزاع» او من خلال الانخراط في حواراتٍ جانبية، كما هو الحال بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» (عقدا امس الجولة السابعة)، فان الجميع يدركون انه لا يمكن ايجاد حلّ للأزمة الدستورية السياسية الكبرى في البلاد بمعزل عن المآل الذي سينتهي اليه الصدام الكبير في المنطقة.

ويسود انطباع في بيروت ان المنطقة المتدحرجة فوق خطوط النار، من سورية الى ليبيا مروراً باليمن والعراق، تتجه نحو وقائع جديدة في ضوء حراك متعدّد الاتجاه تبرز تجلياته على النحو الآتي:

• المحاولة السعودية لبناء تحالف اقليمي في مواجهة التمدّد الايراني المتمادي، وهو ما تمثل في القمتين السعودية - المصرية والسعودية - التركية، والاتجاه الى ايجاد مقاربة أقل تشدداً لملف «الاخوان المسلمين» في اطار تفاهمٍ يؤدي الى رأب الصدع بين أنقرة والقاهرة.

• الكلام المتزايد عن إمكان تشكيل قوة تدخل عسكرية عربية او إسلامية، وهو ما بدأ الحديث عنه في شأن ليبيا وصدرت تلميحات حياله مع تَفاقُم الأزمة اليمنية، وازدادت مؤشراته مع الدور الذي قد تضطلع به تركيا في معركة الموصل في العراق.

• التطورات المتسارعة في اليمن والتي تشي بـ «هروب الجميع الى الأمام». فبعد اعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي من عدن ان «صنعاء محتلة»، يسعى الحوثيون الى فك عزلتهم عبر الذهاب الى طهران وموسكو. ولعلّ الاتفاق الجوي مع ايران شكل «رمزية» تؤشر الى اشتداد الصراع الاقليمي في اليمن «غير السعيد» وعليه.

غير ان التحول الاكثر إثارة في رسم اتجاهات الريح في المنطقة، ومن ضمنها لبنان، يرتكز على مغزى إبرام الاتفاق النهائي بين الغرب وايران في شأن ملف طهران النووي في 24 الشهر الجاري (اذا لم يتأجل) لان من شأن ذلك إنهاء حقبة من العداء بين الولايات المتحدة وايران تمتدّ لأكثر من 35 عاماً في لحظة مفصلية في أزمات المنطقة، علامتها الفارقة النفوذ الايراني المتزايد في ساحات سورية، العراق، اليمن و... لبنان.

والى ان تتضح طبيعة انعكاسات هذا الحراك الاقليمي بالنار والديبلوماسية، يتفادى لبنان المزيد من الانهيارات السياسية والأمنية... فـ «حزب الله» يستمرّ في «حراسة» الفراغ الرئاسي عبر ترْك «المفتاح» في يد حليفه المرشح العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة تمام سلام الذي اعتكف عن الدعوة لعقد جلسات لمجلس الوزراء بعد حرب «الفيتوات» بين مكوّناتها يجهد لتحريك عجلة العمل الحكومي، متفادياً قطباً مخفية ربما يكون هدفها دفْع لبنان نحو «إعلان دستوري».

ففي تقدير أوساط واسعة الاطلاع انه وبغض النظر عن النيات، فان تعطيل الحكومة (في ظل الفراغ الرئاسي) من جهة، او الدفع في اتجاه تكريس آليات جديدة لاتخاذ القرار بمعزل عن المادة 65 في الدستور من جهة أخرى، ينطوي على مجازفات قد يكون ضحيتها اتفاق الطائف.