الملتقى الثقافي كرّمه في جلسة تليق بقامته الثقافية الكويتية والعربية
أدباء وباحثون: خليفة الوقيان... شاعر عَبَر بكتاباته المسافات والأزمنة
| كتب مدحت علام |
1 يناير 1970
07:24 م
•سالم خدادة: جمع بين الشعر المتميّز والرصانة في البحث
•علي الفيلكاوي: يمتلك رؤية واعية تتقد بعاطفة جارفة
•ليلى العثمان: لم يمسك العصا من الوسط... في حياته
•عبد الله خلف: لم يتزحزح عن مواقفه رغم المتغيّرات المتلاحقة
•سليمان الشطي: لم أره غاضباً أبداً... ولغته الأدبية تتسم بالصفاء
• علي العنزي: صاحب نهضة أدبية متميزة وشخصية منصفة
• عبد العزيز السريع: يحمل في شخصيته أخلاق الفرسان
تظل حياة الشاعر العربي الكبير الدكتور خليفة الوقيان... مبتهجة بإنسانيتها، ومعتزة بتوهجها الثقافي الخلاق.
وتظل الكلمة في مستوياتها الشعرية والبحثية... متألقة بالحضور، والتميز، طالما أن صاحبها الشاعر الدكتور خليفة الوقيان.
وفي سياق هذا التألق الذي حظي به الوقيان شعرا واخلاقا... افرد الملتقى الثقافي- لصاحبه الروائي طالب الرفاعي- مساحة انيقة، ليجلس فيها شاعرنا الدكتور خليفة الوقيان مكرما، بكلمات توهجت عذوبة وحبا من ألسنة الحضور... أصدقاء وشعراء وباحثين ومحبين.
وفي سياق تقديمه للجلسة التكريمية، أشار الرفاعي إلى الدور الكبير الذي قام به الوقيان في إثراء الحياة الثقافية والأدبية شعرا وبحثا... ثم قدم الشاعر الدكتور سالم عباس خدادة بحثا شيقا... ذكر فيه الكثير من المواقف والرؤى التي ميّزت الوقيان، عبر مسيرته الأدبية والبحثية الطويلة.
ومن ثم تحدث خدادة عن جوانب مضيئة في حياة الوقيان الذي جمع بين الشعر المتميز والرصانة في البحث، إلى جانب إنسانيته من خلال شخصيته التي تناولها بالبحث الكثير من النقاد والكتاب والأكاديميين منهم الدكتور سليمان الشطي، والدكتورة هيفاء السنعوسي والدكتورة نجمة إدريس، مشيرا إلى مقالة متميزة كتبها الشطي في حديثه عن الوقيان الذي يحتشد للأمر إذا تصدى له، إلى جانب إجهاره لمبادئه القومية والسياسية والاجتماعية التي يؤمن بها.
في ما تحدث خدادة عن مشاركته للوقيان في تحقيق وجمع قصائد الشاعر الراحل أحمد العدواني، وما شهده من أخلاق عالية ودقة في البحث، خلال هذا العمل الأدبي المهم.
وتفجرت المفاجأة بقصيدة ألقاها خدادة مادحا فيها الوقيان مطلعها:
أيها النجم يا قريبا تسامى
يغرس النور كي يزيل الظلام.
وتميزت ورقة الشاعر علي الفيلكاوي في الجلسة بالكثير من الومضات الأدبية، التي خص بها الشاعر خليفة الوقيان... والورقة جاءت تحت عنوان «الشاعر الدكتور خليفة الوقيان: لمحةٌ من خلال ما كتَبَ وبعض ما كُتبَ عنه»، ليقول: «كان لشاعرنا نصيبٌ وافرٌ من الاحتفاء والتكريم على المستوى الثقافيّ الرسميّ أو على مستوى المؤسسات والمنتديات الثقافية الأهليةِ، مما يعكسُ علوَّ مكانتِه، ودورَه المتميز،وقد حاز باقتدار على جوائزَ عدّةٍ داخل الكويت وخارجها، نذكر منها: حصولَه على جائزة الدولة التقديرية للعام 2004، وتكريمَه في مدينة فلورنسا بوصفه شخصيةً كويتيةً مرموقةً في مجال الثقافة والآداب للعام 2011، فضلا عن حصوله على جائزة الشعر العربي في مهرجان الشارقة للعام 2012. ولعلنا نذكرُ مؤلفاتِه في مجال الشعر، وقد تمثّلتْ في أربعة دواوين شعرية توزعت على مساحة زمنية امتدتْ بين عامي 1980 – 1995،وهي على التوالي: المُبحرون مع الرّياح، تحوّلات الأزمنة، الخروج من الدائرة، حصاد الريح، وكان لنتاجه الثقافيّ بشكل عام، والأدبيِّ بشكل خاص، أثرٌ عميقٌ في مسار القصيدة الكويتية، ودورٌ طليعيٌّ في تطورها».
موضحا أن الوقيان ينتمي إلى جيل الستينات، وفقا لتصنيف الدكتور سليمان الشطي في كتابه المهم «الشعر في الكويت»، وأضاف: «ان المتتبعَ لنتاج الشاعر خليفة الوقيان يدرك أنه أمام شاعرٍ يمتلك رؤيةً واعية، تتقد بعاطفةٍ جارفة، وهنا يعتمل تضادٌّ ما بين العقلِ الذي يمثله الوعيُ، والعاطفةِ التي تمثل اللاوعيَّ، ومن هذين العنصرينِ الأساسين تقدح قصيدة ُالوقيان المحكَمةَ الإخراجِ، ضِمن أطرٍ منظمةٍ، وأبعادٍ واعيةٍ ذكية إلى جانب انطلاقةٍ حفلتْ بخفّةِ وعذوبةِ وحريّةِ الشعر، فكأنما قصائدُه شجرةٌ أبديّةُ الاخضرارِ ذات جذورٍ أصيلةٍ، وفروعٍ حديثةٍ».
وأشار الفيلكاوي إلى كتاب الدكتورة نجمة إدريس «خليفة الوقيان في رحلة الحلم والهم» والذي شاهدنا فيه امتزاجا بين الإنسان والشاعر ضمن حلقةٍ محكَمةٍ من السرد والتحليل والنقد، كما توقفَ أمام كتاب الدكتور أحمد بكري «خليفة الوقيان من الألف إلى الياء» لما احتوى من قراءاتٍ ذكيةٍ وعميقةٍ للدلالات الفكرية والنفسية والعاطفية التي تضمنتها نصوصُ الشاعر.
وذهب الفيلكاوي إلى ان المتأملَ في نتاج الشاعر على مدى مساحةٍ زمنيةٍ تمتدّ من عام 1980 إلى العام 1995، يلحظ من دون كثير من عَناء بدايةً تنمُّ عن قضيةٍ يؤمن بها،وقد عبّر عنها في رسالته للماجستير: «القضيّة العربية في الشعر الكويتيّ»، وعن موهبةٍ شعريةٍ تكاد تكون ناضجةً ومكتملةً.
وقال:«صنّف الشاعرُ كتابَه (إبحارٌ مع القلم) حسب الموضوع، مما سهل على الباحث والقارئ اختيارَ موضوع البحث، وحصرَ المادة المراد دراستِها أو الاطلاع عليها، فضلا عن أن تاريخَ النشر مدونٌ في هامشِ الصفحةِ الأولى من كل مقالةٍ».
موضحا أن الشاعرُ خليفة الوقيان يذهب في رؤيته الثقافية إلى أبعدَ من مجايليه في كتابه«الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات»، فبعد أن نتخطى الدوافعَ التي أدت به إلى خوض هذه الدراسة،ندرك أهميةَ الإشكاليةِ المتمثلةِ في أسئلةٍ تشكلتْ من الصراع الدائر بين قوى الإصلاح والتخلف، والتي كانت في أصلها جزءا من حركة التطور الفكري للمجتمع الكويتي، وإن أهميةَ الكتاب لا تنبع من الزج بأكبر عدد من المعلومات التاريخية المحققةِ عن مسار الحركة الثقافية والفنية في الكويت في مطلع القرن الفائت، فهو لم يكن بحثا في التاريخ، ولم يهدفْ إلى سبقٍ ما، بل إن معظمَ المعلوماتِ الأساسيةِ الواردة بين دفتيْ الكتاب قد تناثرتْ في مصادرَ أو مراجع الكتب التي غالبا ما تحدثتْ عن تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتي قلما رصدتْ دورَه الثقافيَّ.وأهميةُ كتاب«الثقافة في الكويت:بواكير واتجاهات»، تنبع من السياق المنهجيِّ الموجهِ برؤيةٍ واعيةٍ من أجل إثبات حقيقةٍ محددة، وقال في ختام ورقته:«يتبقّى... أن هذه الأوراق مجرّد مشاركة محبٍّ لشاعر مهم وكبير،وإن الاحتفاء بهذا الرجل هو تكريمٌ للمكرِّم بقدرِ ما هو تكريمٌ للمحتفى به، وهذا هو شأن الرجال الكبار».
وقرأ الرفاعي ورقة القاص عبد الوهاب سليمان- الذي حالت الظروف دون حضوره الجلسة- موضحا فيها المواقف الأدبية في كتابات الوقيان، والتي تدل على إجادته في البحث والطرح الثقافي، واصفا الوقيان بانه نقل الثقافة من المفهوم الضيق إلى مساحة ارحب مرتبطة بالإنسان.
وظهر تواضع وشفافية الوقيان حينما جاء دوره في إلقاء الكلمة، موضحا أنه منذ سنة طرح عليه الرفاعي فكرة تكريمه غير أنه رجاه أن يصرف النظر عن هذه المسألة، وبعد مرور سنة، فاجأه بأن تكريمه سيكون بعد أسبوع، غير أن رجاءه بصرف النظر عن مسألة التكريم لم تفلح، وبالتالي تقدم المحتفى به بالشكر للجميع، وقال:«نحن جميعا نحمل هما ثقافيا مشتركا... وعلينا أن نؤدي واجبنا، وأن نعطي لهذا الوطن ما يستحق»، وأضاف:«أهم ما يتعرض له الوطن هو تغييب هويته»، مؤكدا أن العجلة تدور إلى الأسوأ، مشددا على أن الجيل الجديد عليه مسؤولية كبيرة في المحافظة على الوجه الثقافي للبلد، والوقوف ضد الهجمة الظلامية.
وتوالت الشهادات من الأدباء والكتاب، كي تؤكد الروائية ليلى العثمان أن أكثر ما يميز الوقيان إنسانيته، وتمسكه بمبادئه، كما أنه لم يمسك العصا من الوسط ابدا في حياته، وهو مع الحق دائما، وذكرت العثمان موقفه من سحب جائزة الدولة التشجيعية منها، بعد حصولها عليها، والذي تمثل في انسحابه من لجنة تحكيم الجائزة.
في ما تحدث الكاتب عبد الله خلف عن الوقيان كصديق وزميل، الذي لم يتزحزح عن مواقفه رغم التغييرات السياسية والاجتماعية، وزهده في البحث عن المناصب، وبالتالي استذكر خلف علاقته بالوقيان حينما كانا زميلي دراسة في الثانوية، واستاذتهما الشاعر الراحل احمد العدواني وابراهيم الشطي ودخولهما الجامعة فور فتح أبوابها عام 1966، ورحلتهما في رابطة الأدباء، وقراءته لقصائد الوقيان في الإذاعة قبل نشرها.
وأوضح الكاتب عبد العزيز السريع ان الوقيان شخص متميز في كل شيء، واصفا أخلاقه بأنها تشبه أخلاق الفرسان، وانه قامة شعرية كبيرة، وأنه يتصدر الجيل الرابع من شعراء الكويت.
واشار الكاتب الدكتور نزار العاني إلى أخلاق الوقيان النبيلة، وقدرته الجميلة على الإنصات للآخرين، واشار الدكتور سليمان الشطي إلى مشكلتين... الأولى فنية والثانية شخصية او فكرية، يراهما في تعامله مع صديق عمره الوقيان، كاشفا ان المشكلة الاولى «الفنية»، تتمثل في أنه كلما قرأ له يجد أنه لا ينتهي، وكلما كتب عنه يكبح جماح قلمه بصعوبة، وذلك بفضل صفاء لغته وصحتها، مؤكدا أنه عندما تقرأ شعر الوقيان تجده بسيطا ولكنه مكتوبا بطريقة غير عادية، وان المشكلة الثانية «الشخصية او الفكرية»، تتمثل في أن صداقته للوقيان امتدت لما يقارب 50 عاما، خلال هذه الفترة الطويلة لم ير الوقيان وهو غاضب منه، رغم جدله وخلافه معه في بعض المواقف، طارحا تساؤله: «كيف تصادق مثل هذه الشخصية، هل هي مشكلة أم هي حظ كبيرّ؟!».
والكاتب الدكتور علي العنزي أكد أن الوقيان صاحب نهضة أدبية متميزة، ويشعرك بالحنان الأبوي، كلما تحدثت معه، كما أنه شخصية عادلة ومنصفة.
وأشار الكاتب سليمان الخليفي إلى مسألة تعلمه علم العروض على يدي الوقيان بلغة مختصرة ومفيدة، وطرح الزميل شريف صالح مسألة التحولات الفكرية وتقاربها في الكويت ومصر.
وأشار الكاتب عبد المحسن المظفر إلى معرفته بالوقيان والشطي عن طريق الشاعر الراحل خالد سعود الزيد.