حديث / موضة الكتابة!

1 يناير 1970 04:52 م
في مجتمعنا الكويتي الجميل!، ولاسيّما الشبابي منه، كل شيء فيه، من الممكن أن يتحول إلى موضة و «هبّة»، حتى الحب وإكمال الدراسة العليا!، ونوعية الأكل والرجيم أصبح «هبّة» و تقليدا، «فتّوم تريد أن تلتحق بجامعة خاصة لأن دلّول تدرس فيها، وحُمَيّن اشترى بورش لأن عزوز يمتلك مثلها»!، وقس على ذلك من الأمثلة الأخرى التي تكشف لنا أن هذا النمط المعيشي «الهبّة» غدا جزءاً أساسياً ومحورياً في حياة الكائن الحي الكويتي!.

وأخيراً، وبعد تزايد وسائل التواصل الاجتماعي والتي أتاحت لمستخدميها إمكانية تدوين ونثر ما يشاؤون من نصوص وكلمات، أصبحت الكتابة هي «الهبّة» الجديدة بين الأوساط الشبابية، بعد أن لعبت «الريتويتات» و«اللايكات» دوراً مهماً في تسويق أقلامهم الجافة! (ليس الكل طبعاً)، ونشر تغريداتهم (أحياناً تكون مقتبسة أو مسروقة!)، حتى أدى الأمر إلى إصدار كتب تحتوي في مضمونها على مجرد تغريدات تعاني في الغالب من ضعف في اللغة والإملاء والصياغة، وخواءً في المعنى!، وقد حفل معرض الكتاب الدولي الذي تم تنظيمه أخيراً بالعديد من الكتب والروايات التي غردت في هذا الاتجاه، وكان أيضاً من اللافت وجود العديد من الروايات التي تجاوزت حدود الأدب إلى درجة أنها امتلأت بمحتوى تجرد كلياً من الأخلاق والمروءة، متضمنةً معاني هابطة وكلمات خادشة للحياء.

وما زاد الطين بلة أن لازَمَت هذه «الهبّة» استجابات لا واعية!، من جمهور منبهر بهذا التهافت!، إذ، وبشكل عجيب قوبل مثل هذا الإنتاج «العبثي»، الذي يصعب علينا أحياناً تصنيفه ووضعه ضمن لون معين من الكتابة، بتصفيق حار، ومدح غير واعٍ وغير متخصص، كان من شأنه تشجيع استمرار كتابة مثل هذا العبث وإصدار بعضهم المزيد من الكتب التي واصلت في انحدارها على المستويين اللغوي والمعنوي!، الأمر الذي أصاب الواقع الثقافي في مقتل بعد أن كشف لنا عن مستوى وحال يرثى لها لأدباء المستقبل!.

الغريب أن مثل هذه الكتب باتت اليوم تتصدر أكثر الكتب مبيعاً في فترات زمنية قياسية في البلاد!، مع تزايد كبير في عدد الطبعات ودور النشر التي تسعى لأن تحظى بها، بعد أن فتحت أبوابها مشرعة لها، وقد تجاهلت أنها بفعلها هذا تحيد عن هدفها السامي والمتمثل في تنوير الإنسان بما تنشره من إصدارات ترتقي بعقله، إلا أن الجانب المادي وانعكاس رغبات جمهور مراهق ثقافياً هو الذي طغى عليها فكانت شريكةً في هذه «الهبّة».

واقعاً، ليس غريباً أن نرى مثل هذا النتاج المتهافت في معرض الكتاب الماضي، ولاسيّما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدافع الأكبر الذي يستحث مثل هؤلاء الكتّاب هو البحث عن الأضواء والشهرة السريعة المزيفة، وولعهم الشديد في التقاط الصور مع الجمهور أثناء اطلاق رصاصة الرحمة / التوقيع على كتبهم بصرف الأهمية عن مضمون ما يقدمونه، فالناظر إلى محتوى ما يتم نشره يجد وبشكل مؤسف ضعفاً شديداً على المستوى الثقافي والخبرة في الموضوع الذي يكتب فيه، ويتبين لك من الوهلة الأولى أن كاتب هذه السطور يعاني وبشكل كبير من عقدة نقص وعدم ثقة بالنفس يحاول أن يسد فراغها ببعثرة كلمات غير متناسقة في المعنى، ليجذب فيها أنظار جمهور - غالبيته من المراهقين والمراهقات - يعاني اضطراباً في التذوق الفني والمعنوي!، وما لفت انتباهي خلال قراءتي لعدد من الكتب أن يُظهر هؤلاء الكتاب وبشكل صريح إفلاسهم في أول كلمات يخطونها في كتبهم، الأمر الذي يضطرني في أحيان كثيرة إلى عدم إكمال قراءة ما كتبوا، فكيف تريدني أن أقرأ لكاتب يعترف في مقدمته بأنه لا يجيد الكتابة ورسم الحروف كما ينبغي؟!، بل كيف تريدني أن أقرأ لكاتب يعلن في مقدمته أن ما سيجده القارئ في السطور التالية ما هو إلا محاولات متواضعة لشخابيط قلم؟!.

لست استهدف من هذا المقال أن أثبط من عزيمة الشباب الطامح لولوج عالم الكتابة، لكن الفوضى التي بتنا نشهدها لا يمكن السكوت عنها، والجهل الثقافي على مستوى اللغة العربية وطبيعة النصوص المكتوبة وطريقة كتابتها أمر يبعث على الأسى والشفقة، ومن المؤسف أننا لم نجد ردود فعل حقيقية تحاول معالجة هذا الموضوع ولاسيما من قبل المتخصصين، والذين يقع على كاهلهم دور مهم في توعية مثل هؤلاء وتصحيح أخطائهم، حتى لا يقع هؤلاء الكتاب في حرج مع الناس خصوصاً أن ما يخطونه بأقلامهم سيطلقون عليه اسم كتاب، وفي الحقيقة لو كان للكتاب لسان ينطق به لاشتكى وبكى!.

لا جدل بأن كل إنسان واع لابد وأن يكون لديه هدف وطموح في هذه الحياة، وربما كان طموح بعضنا هو التميز في عالم الكتابة، لكن أن تصل إلى هذا الهدف فإن الأمر يحتاج منك أن تبذل مجهوداً متواصلاً ومكثفاً له أصوله وقواعده، فالكتابة ليست «شخابيط» أطفال، وليست عملية عبثية، ولا يمكن أن نحترف إتقانها بمجرد كتابة تغريدة ركيكة في صياغتها اللغوية والمعنوية حصلت وبشكل غريب على إطراء ومديح من قبل أناس غير متخصصين، ولا يمكننا أن نكتب كتاباً ونحن لا نمتلك ما يكفينا من ثقافة واطلاع على الأقل في الموضوع الذي نكتب فيه، ذلك أن الكتابة هي فعل عظيم يعبر عن رقي الإنسان، ويكشف في الوقت عينه عما يخبئه من فكر ومستوى عقلي، فالكلمات التي تنثرها ما هي إلا انعكاس لمستوى وعيك وطريقة تفكيرك ورؤيتك للحياة، وتسطير هذه الكلمات في كتاب أمر غاية في الأهمية، لأن الكتاب هو بمثابة الباب الذي من خلاله نستطيع أن ندخل فيه ونغوص في أعماقك، فكيف هي أعماقك إن كان ما ستكتبه تجربة متواضعة أنت تعترف بأنها تعاني الكثير من النواقص؟!. إن الكاتب الحقيقي هو من يحمل في قلمه فكراً نيّراً يشرق عطاء نحو البشرية، هو من يحمل في قلمه هموم الناس وقضاياهم، يسلط الضوء على هذه الهموم ويسعى في الوقت عينه إلى اقتراح الحلول الممكنة لمعالجتها، وليس مجرد نثر لمعان عاطفية مراهقة تعبر عن نفس مضطربة ما زالت في بدئها، تعيش مرحلة الطفولة في فهم واستيعاب المعاني في هذه الحي.

همسة إلى الجمهور المنبهر

مؤسف أن نكون أمة لا تقرأ، ومؤسف أكثر أننا عندما نريد ـ وبالخطأ ـ أن نقرأ نتجه صوب هذا التهافت الذي ينحدر بنا إلى أسفل درك التخلف الثقافي، ألا يكفي ما تتعرض إليه اللغة العربية من تجاهل وإهمال من قبلنا حتى نزيدها هماً على همها باهتمامنا في قراءة كتب مراهقين سطرها متطفلون على اللغة لا يفرقون بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة، ولا يلتزمون بضابط أخلاقي ولا مبدئي في المعاني التي يكتبونها؟

إن تهافتكم هذا نحو شراء مثل هذه الكتب الفارغة ما هو إلا تقليل من قيمة اللغة العربية وتشويه وإجحاف بحقها، فكلما زاد الطلب على اقتناء مثل هذه الكتب ازدادت في المقابل حماسة هؤلاء الكتاب في استمرارية تقديمهم للمزيد من هذا العبث الذي دائماً ما يخرج عن قواعد اللغة وأسلوب الكتابة السليم، علاوة على تضمنه معاني هابطة غير صالحة للنشر. إن الأمر إليكم فإما أن تساهموا في تشويه لغتكم أو أن تُقلعوا عن هذا التهافت وتكونوا أمة اقرأ التي لا تقرأ إلا ما يكون سبباً في رفعتها وتقدمها والمحافظة على لغتها سليمة غير مشوهة.

@alialfadliq8