قراءة / ديوانها الجديد صدر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع

«خواتم النسيان» لثريا البقصمي ... الشعر برؤى تشكيلية

1 يناير 1970 06:26 م
من الأشياء التي تتميز بها الكاتبة والفنانة التشكيلية ثريا البقصمي... أنها تكتب وكأنها ترسم، وترسم وكأنها تكتب، وبالتالي لا تكاد تجد فرقا جوهريا بين ما تبدعه بقلمها من نصوص أدبية سواء كانت شعرا أم نثرا، وبين ما تبدعه ريشتها من أعمال تشكيلية متنوعة. وهذه الميزة جعلت من البقصمي حالة ابداعية متفردة وشديدة الخصوصية، وذلك بفضل ما تتمتع به من روح البساطة في كل ما تطرحه من إبداع، ومن ثم فإن أعمالها الأدبية والتشكيلية تتناغم مع ما يطمح إليه المتلقي من قراءة أعمال أدبية أو فنون تشكيلية قريبة من وجدانه ولا تتعالى عليه بالكثير من التعقيد والتصنع، فهو يقرأ النص الأدبي فيجده متناسبا مع وجدانه وانفعالاته الحسية، ويشاهد اللوحة فيرى فيها مشاعره وأحلامه من دون تكلف. وفي كتابها الشعري الأخير «خواتم النسيان»الصادر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع... توازى الحس الشعري مع التشكيلي، في أنساق إنسانية مفعمة بالحيوية والحركة... ليأتي إهداء الكتاب على هذا الوجه:

إلى عرائسي الورقية

الراقصة في فسحة الروح

إلى أجمل لوحاتي

غدير

فاطمة

منيرة

انها البداية التي استهلت بها البقصمي ديوانها، من خلال الإهداء الذي اتسم بروح الأمومة الخلاقة، تلك الروح التي ترى الجمال والعلو وارتفاع القيمة في البساطة وهل هناك أبسط من العرائس الورقية التي جعلت معزة بناتها فيها، إنها بساطة الروح التي تخلصت من البهرجة والزيف.

امنحني مساحة

من الحب

لتكف أسماك

الوجع

عن قرع زعانفها

في تجاويف قلبي

هكذا تعبر البقصمي عن رؤاها الأدبية، وذلك من خلال رسم لوحة فنية للحالة التي تريد استشرافها بالكتابة، ومن ثم فإن الرؤى تتواصل في أنساقها مع معان جديدة ومتنوعة. والديوان الذي نحن بصدده يتألف من 130 ورقة من القطع المتوسط، ضمنته البقصمي بلوحاتها الفنية، تعبيرا عن العديد من المشاعر المرصودة في النصوص:

أرادته مرة أخرى

كما هو

استعادته

من خزائن

الذاكرة

جاء دافئا

كدم حار

سرى في شرايينها وقسمت البقصمي ديوانها إلى أجزاء كل جزء حمل عنوانا منفصل... تاريخ امرأة، خواتم النسيان، خد أسمر آخر الأحزان، عرائس التراكوز، زجاج الروح، رمانة شيرازية، ومن ثم احتوى كل جزء على نصوص أدبية تعبر عن حالات مختلفة، وذات طابع إنساني شفاف: أقف على حافة هاوية

ملساء

في نعومة خد صبية

وعرة

في خشونة

ذقن لم تحلق

أقف بلا قشور

منزوعة من الخوف

يشدني غموض

الأسفل المظلم

المنسكب من فم الموت في النص السابق «هاوية»... سنتمكن لو أمسكنا بريشة أن نرسم تلك الهاوية، التي يجتمع فيها النقيضين النعومة والخشونة، لترسم خد صبية وذقن لم تحلق، ومن الأسفل الغموض، إذ أن الكتابة لديها ممهورة دائما بالرؤى التشكيلية وصفا وشرحا:

ولنتأمل معا الصورة التي رسمتها لنا البقصمي في نص «خروج»:

سأخرج من الغرف المغلقة

من أقفال معلقة

على صدور الحوائط

لأتمرد ولو مرة واحدة

حارج إطار الصورة

أردم حفر الذاكرة

المملوءة ببقايا

ألم اللحظة

المنسية بكل تأكيد لم يجد المتلقي صعوبة في رسم لوحة تشكيلية في خياله لهذه المعان التي أوردتها البقصمي في نصها، وسيطفق مسرعا إلى تجسيد هذه الصورة المعبرة بألوان روحه وحلمه.

ونص آخر:

روحك لم تعد شفافة

تلوثت

ازدحمت بالثقوب

غدت كجدار متعب

رشق برصاص طائش

بينما نرى أن الشاعرة ترسم صورة معبرة عن الروح الممتلئة بالثقوب، وهذه الصور تعبر بشكل واضح عن ميول الشاعرة إلى تضمين مفرداتها الأدبية بعناصر تشكيلية مختلفة، ونقرأ نص «عباءة حزن»:

انزعي عباءة أحزانك

تعطري بماء السماء

دعي البلابل

تغني أشعارك

الطبيعة نزعت

ثوبها الأخضر

أضناك الجفاف

رسمت زهرة نوير

في طرف قلبك

وأخرى في ذيل ثوبك.

إنها الكاتبة والفنانة التشكيلية ثريا تتوهج شعرا وتشكيلا عبر ديوانها الجديد «خواتم النسيان»، بكل ما يحمله من رؤى ومفردات وتطلعات إنسانية متنوعة.