نساء مسلمات / حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم (أم كلثوم بنت علي)
1 يناير 1970
10:30 ص
أمها: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبوها: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب رضي الله عنه
بعد مخاض عسير، وضعت فاطمة الزهراء طفلة، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحضر إلى بيت فاطمة رضي الله عنها فواساها في آلامها وهنأها بمولودتها، وسماها أم كلثوم تيمنا باسم خالتها، وبارك المولودة بأن مسح بيده الشريفة عليها ودعا لها بخير.
فكبرت الطفلة وزادت حسنا وبهاء وما أن بلغت بضع سنوات حتى فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ولحق بالرفيق الأعلى، واكتسبت في مستهل حياتها الفصاحة والبلاغة، كما اكتسبت الاعتزاز بالنفس، وصلابة الإيمان.
زواجها
كان عمر بن الخطاب حريصا على أن يرتبط بالدوحة النبوية الشريفة بالمصاهرة فلم يتيسر لرغبته هذه أن تتحقق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فازداد حرصه عليها، فبعد أن أصبح أميرا للمؤمنين سنحت له الفرصة في خطبة أم كلثوم من أبيها، ففي يوم بعد أن انتهى علي من فض الخلاف بين متداعيين وأراد الانصراف استبقه عمر قائلا: إن لي حديثا خاصا معك يا علي فانصرف الحضور، وخلا المكان بعمر وعلي رضي الله عنهما وحدهما. قال عمر: أريدك أن تنكحني أم كلثوم..
فقال علي: إنها صغيرة…، فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد.
وقف عمر في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم بين القبر والمنبر وفي حضور علي، عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، وعبدالرحمن بن عوف، فقال لهم عمر: رفئوني.. أي هنئوني فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟؟
قال: بابنة علي بن أبي طالب إذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري» فكان لي به صلى الله عليه وسلم النسب والسبب، فأردت أن أجمع إليه الصهر … فرفأوه، وهنأوه وتمنوا له الخير والسعادة.
ذكره ابن حجر في «الإصابة» (8/276) وابن الأثير في «أسد الغابة» (5/489) وابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/509) والحديث بتمامه رواه الحاكم في «المستدرك» (3/142).
هدية بهدية
عاشت أم كلثوم في بيت عمر بن الخطاب زوجة طائعة وفية تتقبل وترضى ولا تمل من شدة عمر على نفسه وتقتيره على بيته، وحذره الشديد على المسلمين وأموالهم.
وذات يوم حدثت حادثة: إذ أرسلت يوما مع رجل البريد هدية إلى زوجة هرقل ملك الروم ودون أن تخبر عمر بذلك.
فلما وصلت الهدية إلى صاحبتها جمعت وصيفاتها ونساء قصرها وقالت لهم: هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم، وإني أرى أن أبادلها، فوافقنها ثم إنها كتبت رسالة شكر لأم كلثوم وأرسلت مع الساعي بعض الهدايا، وكان فيما أرسلت عقدا فاخرا فلما انتهى رجل البريد إلى المدينة المنورة أمسك عمر بالكتاب والهدية، واحتجزها عنده وحدث أم كلثوم معاتبا أن يحدث ذلك دون علمه، ثم أمر أن ينادى في الناس: الصلاة جامعة فاجتمع خلق كثير فصلى بهم ركعتين وقال بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: «إنه لا خير في أمر أُبْرِم من غير شورى من أموري» ثم أخبرهم بما حدث، وأوقفهم على التطورات وما آل إليه الأمر واستشارهم بشأن العقد، فقال قوم: هو لها بالذي لها، وليست امرأة الملك هرقل بذمة فتصانع به أي تداهن، ولا هي تحت يدك أي حكمك فتتقيك. وقال آخرون: كنا نهدي الثياب لنستثيب، ونبعث بها لتباع ولنصيب ثمنا...
استمع عمر إلى آراء الجميع، ثم قال: ولكن الرسول أي ساعي البريد رسول المسلمين، والبريد بريدهم، والمسلمون عظموها في صدرها.
ثم أمر برد الهدية إلى بيت المال … لكن عمر كان حكيما بالغ الحكمة، حاكما يرعى شؤون الأمة ويحفظ على بيته أمنه وسكونه واستقراره ودعته، فأعطى أم كلثوم نفقة بقدر الهدية من ماله الخاص.
أنجبت أم كلثوم لعمر رضي الله عنهما ولدين: زيد بن عمر الأكبر، ورقية سمتها تيمنا باسم خالتها رضي الله عنهم.
الأيم
تأيمت أم كلثوم وترملت بعد استشهاد عمر رضي الله عنه فحزنت لفراقه أشد الحزن واهتمت واغتمت فدخل عليها أخواها حسن وحسين عليهما السلام يوما قائلين: إنك ممن قد عَرَفْتِ، سيدة نساء المسلمين، وبنت سيدتهن، وإنك والله إن أمكنت عليا من رِمَّتِكِ لينكحنك بعض أيتامه، ولئن أردتِ أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبنه.
فدخل عليهم علي كرم الله وجهه يتكئ على عصاه، فاستقبله أبناؤه، وأجلسته أم كلثوم في صدر الدار، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة، وآثرتكم على سائر ولدي لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتكم منه، فقالوا: صدقت رحمك الله، فجزاك الله عنا خيراً.
ثم التفت إلى أم كلثوم وقال: أي بنية، إن الله عز وجل قد جعل أمرك بيدك، فأنا أحب أن تجعليه بيدي…فقالت: أي أَبَهْ، إني امرأة أرغب فيما يرغب النساء، وأحب أن أصيب مما تصيب النساء من الدنيا، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي.
فقال وقد أدرك الحقيقة: لا والله يا بنية، ما هذا من رأيك، ما هو إلا من رأي هذين.
ثم قام غاضبا وقال: والله لا أكلم رجلا منهما أو تفعلين.
فشعر حسن وحسين بوطأة غضب علي عليهما، فأخذا بثيابه وقالا: اجلس يا أبَهْ، فوالله ما على هجرتك من صبر، اجعلي يا أم كلثوم أمرك بيده. فقالت على التو: قد فعلت.
زوجها علي كرم الله وجهه من ابن أخيه عَوْن بن جعفر كما أعطاها أربعة آلاف درهم لتستعين بها على الحياة.
و عاشت معه أياما طيبة سعيدة، ما نقصها شيء أبدا، فهو إنسان كريم عاقل ورث عن أبيه جعفر الدماثة والرقة، كما كانت أم كلثوم زوجة وفية، تقدس حقوق الزوج وتحترمها رضي الله عنها.
ذكره ابن حجر في «الإصابة» (8/275)
نكبات متوالية
عاشت أم كلثوم نكبات متتالية زادتها حزنا على حزن وألما على ألم وأول هذه النكبات: وفاة والدها علي الشهيد وقد ذكرت كتب التاريخ أن أم كلثوم هي التي جرى بينها وبين عبد الرحمن بن ملجم قاتل أبيها حوار.
فقد دخلت على أبيها وهو مسجى يعاني من آلام السم الذي تسرب إلى جميع أنحاء جسده باكية، وابن ملجم مكتوف بين يديه فقالت: أبي !! لا بأس على أبي. يا عدو الله، الله مخزيك..فرد عليها ابن ملجم: على من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف يعني السيف وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المِصْر ما بقي منهم أحد.
وتلي نكبة مجزرة كربلاء أكبر مجزرة في التاريخ التي لم يراع المجرمون فيها حرمة المصطفى صلى الله عليه وسلم فقتلوا أحفاده، وذبحوا أهل بيته وعِتْرَتِه، وشردوا ذراريه من النساء.
قالت أم كلثوم تخاطب أهل الكوفة: أبدأ بحمد الله، والصلاة والسلام على نبيه.
أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختْر والخذلان، فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرَّنَّة
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ألا وهل فيكم إلا الصَّلَف والشنف، وملَقُ الإماء وغمز الأعداء؟
وهل أنتم إلا كمرعىً على دِمنةٍ، وكفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون..أتبكون؟؟ إي والله فابكوا، وإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد فزتم بعارها وشَنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا. وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شبان أهل الجنة، ومنار محجتكم، ومِدْرَه حجتكم ومُفْرخَ نازلتكم. فتعساً ونكداً.. لقد خاب السعي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، ” لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الأَرْضُ وَ تَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا (90)» (مريم) أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم؟ لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرها طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم إن قطرت السماء دما؟ «ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَ هُمْ لاَ يُنْصَرُونَ» فصلت 16
فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تَحْفِزه المبادرة، ولا يخاف عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لنا ولهم بالمرصاد.
قالت ذلك، ثم ولت عنهم وأقامت أم كلثوم على وفائها للحق حتى لقيت ربها رضي الله عنها، وطيب ثراها.
ترجم لها المصنف ابن حجر في «الاصابة» (8/275) وابن الأثير في «أسد الغابة» (5/489 – 490) وابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/509-510)