إضاءات
المبدع والدولة
| دكتور صباح السويفان * |
1 يناير 1970
07:21 م
في عصور النهضة العربية، اهتم الحكام بالأمور الثقافية لدرجة كبيرة، وأمر بعضهم بترجمة الكتب وطباعتها وتأليفها. وعبر العصور فإن اهتمام القيادات السياسية بالفكر والثقافة ينتج حضارة باسقة وخالدة.
وارتبط التاريخ الثقافي للشعوب بأمرين مهمين، الأول هو يقين القادة بأهمية الثقافة كمكون أساسي في الصرح التنموي مثلها مثل الاقتصاد، والثاني هو توافر مناخ ديموقراطي لبذور الوعي الثقافي كي تكبر وتتكرس في وجدان المجتمع جيلاً بعد جيل.
ومن باب التوضيح لكثير من النقاشات التي تدور حول دعم الدولة عندنا للثقافة، والتي يجعلها بعضهم كمشجب يعلق عليه أخطاء وإخفاقات وسلبيات، سأحلل بموضوعية وإنصاف واقع الثقافة لدينا من هذه الناحية، وللتاريخ، كي يتحمل كل فرد مسؤوليته، ولا يلقي بأعبائه على الدولة فقط.
يتوافر لدينا في الكويت هذان العنصران، وللحق، فإن حكام الكويت اهتموا بهذا الجانب، ودعموا العمل الثقافي بسخاء، واليوم يرأس حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وهي من أهم المؤسسات التي صدرت أصلاً بموجب مرسوم أميري صدر في 12 ديسمبر 1976تشجيعاً من سموه لأهمية العمل العلمي، حيث تقدم المؤسسة جوائز رفيعة تمتد إلى أشخاص من خارج دولة الكويت.
وقد كانت لفتة كبيرة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله بأن تفضل برعاية احتفالية رابطة الأدباء بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسها، فقد كانت رسالة واضحة تعكس اهتمام القيادة السياسية بالعمل الثقافي، جنباً إلى جنب بما يشمله سموه من رعايات لمناسبات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وبفضل الوعي الديموقراطي الذي تتيحه الدولة، ظهرت في العقد الأخير من الزمن أجيال جديدة تكتب بشغف وتنشر بحرية كبيرة، وازداد معها عدد دور النشر الكويتية وبعضها كان متخصصاً تقريباً بأدب الشباب.
إذاً أين تكمن المشكلة؟. تكمن المشكلة بأن عدداً كبيراً من المثقفين يريدون أن تتعامل الدولة مع نتاجهم الثقافي معاملة تيسير أمور القروض ثم إسقاطها، ومعاملة التخلص من الضرائب وحتى التهرب من فواتير الماء والكهرباء، أي يريد بعض الأدباء أن تقوم الدولة بطباعة كتبه على نفقتها ثم شرائها منه. أي الشعور بعدم المسؤولية تجاه المال العام في كثير من القضايا التي يستسهلها المواطن، ويلقي بأعبائها على كاهل الدولة.
في كل دول العالم يتحمل الكاتب تكاليف كتبه، بل أين نحن من بعض الكتاب في دول نامية لا يجد الكاتب فيها ثمن طباعة الكتاب، ومع ذلك تظهر أعمال إبداعية على درجة عالية من المستوى الرفيع، وتحصد الجوائز.
لا بد للكاتب أن يشعر بجهوده في إصدار الكتاب كي لا يصبح لدينا سيلاً من الكتب لا فائدة منها. ولا بأس أن تقوم الدولة بدعم الأعمال التي تستحق كما كان يفعل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولا ضرر من أن تقوم بعض الجهات العلمية والأكاديمية باقتناء شيء من هذه الكتب على سبيل الدعم، أما أن يطالب الكاتب بتحميل الدولة أثقاله، فهذا ترف لا طائل منه.
* كاتب وأكاديمي في كلية الآداب بجامعة الكويت
alsowaifan@yahoo.com