«الراي»... تعيد فتح الملف في الذكرى الـ «11» لاختفاء نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية

رضا هلال... الصحافي الذي اختفى في 90 ثانية

1 يناير 1970 06:50 ص
• شقيقه يلوّح بتدويل القضية في ظل تجاهل الجهات المصرية لها... والضباط: لم نصل إلى شيء

• عبدالحليم قنديل: جمال مبارك وراء اختفاء الصحافي المصري... وإبراهيم نافع «ينفي»

• دخل العمارة التي يسكن فيها وانتظر المصعد... لكنه اختفى قبل أن يصل إلى شقته

• رئيس تحرير الأهرام العربي الأسبق عبدالعاطي محمد يعتقد أن وراء اختفائه جهة مخابراتية أجنبية

في الحلقة المقبلة... «الراي» تتصفح تحقيقات النيابة المصرية في قضية اختفاء رضا هلال
«إحدى عشرة» سنة بالتمام والكمال، مضت على اختفاء الصحافي المصري رضا هلال، أحد صحافيي مؤسسة الأهرام القاهرية، من دون أن تفك الجهات الأمنية المصرية شفرات الاختفاء المفاجئ والمستمر، الذي لا يزال يخالطه كثير من الجدل واللغط. 90 ثانية فقط، كانت كافية لفقدان أي أثر للصحافي المثير للجدل منذ 11 أغسطس 2003 إلى اليوم.

هكذا بكل «بساطة» دخل العمارة التي يسكن فيها وانتظر المصعد الكهربائي لكنه لم يصل إلى شقته. كما لا يزال نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في مرمى الاتهام والتورط في إخفاء الصحافي الأربعيني يومئذ، الذي كان يتمتع، قبيل اختفائه، بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة وجهات غربية أخرى، حتى إنه تردد أنه على علاقة مع عدد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية.

وفي ظل هذه الأجواء والأخبار المتناثرة هنا وهناك، وفي ظل روايات مختلفة وغامضة وغير مكتملة، تبقى للروايات الافتراضية مجال خصب تنمو وتترعرع فيه بلا وعي، وتتفاعل الاجتهادات يميناً ويساراً. «الراي»... تفتح ملف اختفاء نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» المصرية الصحافي رضا هلال، في ذكرى اختفائه الـ«11»، والذي لا يزال اختفاؤه يشكل لغزاً محيراً ومؤلماً لأهله وزملائه وأصدقائه وكثير من المهتمين بأمره، والذين يتساءلون بمرارة: «أين اختفى، وما أسباب اختفائه؟ هل هو حيٌ فترجى عودته أم ميت فيُنسى ذكره»؟

2من3 / ما المعلومات الخطيرة التي حصل عليها هلال أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة؟



وجبة «فتة بالموزة» من مطعم «أبو شقرة»... آخر طلب



| القاهرة - من مختار محمود |

... ويتواصل، البحث في أوراق، تتناول غموض اختفاء الصحافي المصري، رضا هلال، ومن بينها تصريحات إعلامية وأمنية وتحقيقات قضائية.

وأمنيا، قال العميد ياسر الفقي، الذي كان وقت اختفاء رضا هلال، رئيسا لمباحث السيدة زينب بالقاهرة، «مكان سكن رضا»: «إن وزارة الداخلية حشدت، منذ اليوم الأول، لاختفاء رضا، خيرة الضباط لهذه القضية، لم نترك أحدا قال لرضا: صباح الخير، إلا وسألناه، كنا لا ننام، ولو استطعنا أن نأتي برضا «تركيب» لفعلنا حتى ننتهي من هذه القضية، فقد كنا فريق بحث من المباحث الجنائية والأمن العام وأمن الدولة، لم ننم.

وأضاف: «بحثنا في كل مكان، عدا السفارة الأميركية حيث قيل لنا: إن المخابرات هي من تقوم بذلك، والحقيقة التي توصلنا إليها أن هذه العملية أعلى من إمكانات البحث الجنائي، فإما تم تنفيذها بدقة شديدة، أو بمصادفة فنجحت، فالبحث الجنائي دائما ما يعتمد على وجود عنف ما لحظة الاختطاف، لم نصل إلى ذلك تماما، ومع بحثنا لم نصل أيضا إلى من له مصلحة جنائية في الخطف، فما حدث هو إمكانات عالية جدا جدا، حيث لم يستغرق الأمر سوى من دقيقة إلى دقيقة ونصف الدقيقة».

دقيقة ونصف

وأوضح الفقي أن «رضا هلال» لم يصل إلى شقته، هو دخل العمارة، ولكنه لم يصل، واختفاء رضا تم في دقيقة ونصف تقريبا، حيث رآه أحد السكان وهو في انتظار المصعد الكهربي «الأسانسير»، وكان آخر اتصال له وهو في طريقه إلى مسكنه، أن اتصل بمطعم أبوشقرة وطلب وجبة لفرد واحدة «فتة بالموزة».

ولم يتأخر الطلب، حيث جاء بعد عشرين دقيقة من الاتصال، وما قيل عن وجود هاتف رضا في محيط السفارة الأميركية غير صحيح، حيث قمنا بمعرفة أماكن وجود تليفون رضا منذ وجوده في الأهرام.

وأشارت المعلومات إلى أن رضا تحرك من «الأهرام» في حدود الثالثة والنصف مرورا بالكورنيش والسفارة الأميركية، ثم استقر في شارع قصر العيني وذلك حتى الثامنة مساء».

إبراهيم نافع يتجاهل

اللافت في الأمر أنه عندما سُئل رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام الأسبق إبراهيم نافع عن ملابسات الواقعة، لا سيما أن «رضا» كان من المقربين إليه.

أجاب في هدوء: «أنا لا أعلم شيئا عن الأمر... وقد سألت الرئيس مبارك والوزير عمر سليمان وحبيب العادلي فنفوا نفيا قاطعا أن يكون لديهم علم بالأمر».

مناورات وروايات

بعد ثورة 25 يناير، طفت على السطح، قصص عن التنظيم السري لأمن الدولة في مصر، من بينها أنهم هم من اختطفوه، كما ظهرت روايات تفيد بأنه شوهد بسجن برج العرب بالإسكندرية، كما شوهد بمستشفى الأمراض العقلية، غير أن صحيفة «الأهرام» رجحت أن من اختطفوه هم من يقومون بهذه المناورات لتشتيت الانتباه، وإضعاف الأمل لدى ذويه في البحث عنه، كما قيل أنه ذهب إلى منتدى دافوس العالمي في الأردن في شهر يونيو 2003، وأنه تحدث كثيرا هناك عن جمال مبارك، وأن الترتيب لخطفه بدأ منذ هذه اللحظة.

ويتقاطع هذا مع ما فجره الكاتب الصحافي المصري عبدالحليم قنديل عن الواقعة، قبل شهر، مؤكدا أن مصادر بصحيفة «الأهرام» أكدت له أن «هلال» قُتل ودُفن في مكان مجهول بعد تسريبه معلومات خطيرة عن جمال مبارك.

وأوضح قنديل، أن «هلال» اختفى بعد أن باح بمعلومات لأحد الأشخاص حول ثروة جمال مبارك وشراكته لرجال أعمال أجانب بينهم يهود في لندن.

جموح رضا

رئيس تحرير الأهرام العربي الأسبق الدكتور عبدالعاطي محمد، يعتقد أن وراء اختفاء زميله السابق، جهة مخابراتية أجنبية.

مشددا على أن «رضا هلال» كان لديه جموح سياسي وليس طموحا، وفي الفترة التي سبقت اختفاءه، لمع فيها نجمه جدا، خاصة عندما تمكن قبل الغزو الأميركي على العراق العام 2004، من أن يرتب حوارا صحافيا لصحيفته مع نائب الرئيس الأميركي الأسبق «ديك تشيني»، كما أعد الحوار وكتبه.

وقبل اختفائه بأسابيع ذهب إلى مؤتمر «دافوس»، وهناك التقى وزير خارجية إسرائيل سيلفان شالوم، وهو لم يخف ذلك حيث قال له هذا الأمر علنا.

والكلام لا يزال لـ «عبدالعاطي»، الذي أضاف أمرا آخر له دلالة، وهو أن رضا قبيل اختفائه بأيام، أظهر جواز سفر جديدا، وقال: «من يقدر على أخذ تأشيرة لأميركا وأوروبا في ثماني وأربعين ساعة... أنا فعلت ذلك».

وأكد أن رضا كان على علاقة وثيقة جدا بديفيد وولش، وكان يتحدث معه في أي وقت أراد، وكانا يلتقيان كثيرا.

كما أن «رضا» كان يظهر كثيرا في التليفزيون وأظن أنه كان يظهر على غير هوى النظام، لكن أتصور أنه كان تحت ضغط، فكثيرا ما كان يروي لي أنه احتد على الرجل القوي في نظام مبارك، صفوت الشريف، وعلى السياسة المصرية.

حتى إن مدير تحرير الأهرام وقتها سامي متولي، قال في أحد اجتماعات الديسك بالأهرام، وكان رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة إبراهيم نافع موجودا : « لابد أن يهدأ رضا، لا يصح ما يفعله، هناك شكاوى عديدة من أحاديثه»! وأردف: «في يوم الأربعاء 13 أغسطس 2003، كان رضا مسؤولا في هذا اليوم عن الديسك وكنت أنا مساعد له، وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا، أبلغت الأستاذ سامي بعدم مجيء رضا، وهو بدوره قام بالاتصال أولا بمعارفه في الأهرام، وحين لم يعثر عليه، اتصل بجهات عليا، لم تكن من بينها الداخلية، أظنها أكبر، لأنه كان يشعر بشيء ما، ووقتها جاءته الإجابة : لا نعلم شيئا».

وتوقف عبدالعاطي مليا أمام عدم اهتمام الصحف الأميركية بواقعة اختفاء «رضا هلال»، رغم علاقة الأخير بنائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني، كما كان صديقا مقربا للسفير الأميركي بالقاهرة الأسبق ديفيد وولش، كما أسلفنا، واعتبرها علامة استفهام كبيرة.

يلعب مع أنظمة

وفي شهادته...كشف اليساري القديم وأحد اللاجئين إلى هولندا بعد خروجه من السجن في 2002، المهندس أيمن إبراهيم، أن «رضا هلال» كان أحد اليساريين المعروفين، وأنه في شهر فبراير سنة 1999، حصل على تقرير مهم جدا لوزارة الخزانة الأميركية في إحدى زياراته إلى الولايات المتحدة، وكان عن معدلات الاستثمار الحقيقية للولايات المتحدة من العام 1996 وحتى 1999، وكذلك معدلات الادخار وحجم العجز في الموازنة، وكان اللافت للنظر أن حجم معدلات الاستثمار 23.3 في المئة وهي معدلات مرتفعة إذا ما قورنت بالمعدلات الخاصة عن حجم الادخار في نفس الفترة وهي 16.8 في المئة.

كما أن اللافت للنظر في التقرير أيضا أن حجم العجز في الميزان التجاري بلغ 534 مليار دولار في الفترة نفسها، وبصورة متراكمة وصل إلى 4016 مليار دولار، وهو كفيل بتدمير أميركا ألف مرة.

وقد زاد من طلاسم هذا اللغز أن تقرير «رضا هلال» كان يحتوي على معلومات غاية في الأهمية، وهي تبين أن أميركا تتوسع في الإصدار النقدي بصورة مكثفة في هذه الفترة».

كما كشف «إبراهيم»، عن أن رضا كانت له علاقة مع حركة الوفاق الإسلامية العراقية، وهي حركة سنية مقرها سورية، تعارض الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين علنا، ومقربة منه سرا، وطلب رضا منهم أن يطلبوا أن يكون النفط مقابل الغذاء من خلال سلة عملات أو باليورو.

كما أكد «إبراهيم» أن «رضا هلال» كان يرصد عناصر الإيباك اليهودية في المغرب والخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، واستطاع أن يرصد اثنين مهمين من عناصر الحركة، هما: شاؤول موشيه، وعافيروكاتيا، وأحدهما كان يعمل في الإذاعة العبرية وهو من أصل عراقي أو يمني، والثاني من أصل يوناني، وقد كتب كتاب «المسيح والصهيونية» من خلال رصده ذلك».

وبين عبدالهادي أن رضا هلال كان يساعده وقت اعتقاله في الكشف عن الصهيونية، ولم يعلم شيئا عنه بعدها، وحين اختفى تم التحقيق معه عن صلته به، غير أن أعنف العبارات التي قالها عبدالهادي هي أن «رضا» كان يلعب مع أنظمة وعلى أنظمة، وقد حدثت له تحولات عديدة في شخصيته، ورأيي أن ما كان يمتلكه رضا من معلومات هو سبب تصفيته، ولن يتم الكشف عنه، فالنظام في مصر يتبع حكمة القرود الثلاثة: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم».

أسرته... لديها أمل!



بعد مرور أحد عشر عاما على اختفائه، لم تفقد أسرة رضا هلال الأمل في وجوده حيا، أو حتى معرفة مصيره، ذهبوا إلى المستشفيات والسجون دون جدوى. يقول شقيقه أسامة، إن أوراق القضية مبعثرة ما بين مكتب النائب العام والنيابة العامة والنيابة الجزئية في بلاده، وفي كل مرة يكون الرد:«تُكلف المباحث بإجراء التحريات»، مطالبا بعودة قضية شقيقه مرة أخرى، وإسنادها إلى قاضي تحقيق ليجمع كل أوراق القضية المتناثرة هنا وهناك، ويستدعي كل الذين عاصروا واقعة الإخفاء.

وشدد على أن أسرته تشعر بأن هناك تواطؤا متعمدا من أجل طمس حقيقة ما جرى، كما كشف عن أنه سيتوجه إلى محكمة العدل الدولية لحل لغز اختفاء شقيقه.

قبل اختفائه بشهرين... كتب رضا هلال مقالا بجريدة «الشرق الأوسط» عنوانه: «أمركة العالم... وعولمة الإرهاب»، قال فيه:«خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية شن المرشح جورج دبليو بوش هجوما على إدارة كلينتون بدعوى أنها زادت من التدخلات العسكرية الاميركية في العالم، وكان المجلس العلمي للدفاع DSB، قد أصدر تقريرا، اعتمد عليه بوش في هجومه على كلينتون، توصل إلى أن هناك علاقة قوية بين التدخلات الاميركية في العالم والهجمات الإرهابية ضد أميركا»، مضيفا: «وبعد الهجمات الانتحارية على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، تجاهل بوش ما قال به خلال حملته الانتخابية وما ورد في تقرير المجلس العلمي للدفاع، وتساءل مع الأميركيين: لماذا يكرهوننا؟ وتعددت الإجابات الأميركية على السؤال: لماذا يكره المسلمون أميركا؟ واختار الأميركيون الإجابات المريحة لهم، مثل أن أميركا غنية وقوية ولذلك يحسدها ويمقتها المسلمون، أو مثل أن المسلمين يكرهون الحريات والقيم الأميركية. وعندما حاول الأميركيون انتقاد سياسة بلدهم، قالوا إن الشعوب الإسلامية تعيش في ظلال حكومات قمعية وغير ديمقراطية ويعتبر بعضها حليفا مقربا من الولايات المتحدة».

وأردف: «وقد حاول رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة «نيوزويك» الكاتب فريد زكريا أن يكون منصفا، عندما كتب أن أحد أسباب كراهية أميركا هو السياسة الأميركية في المنطقة والتي يراها العرب في دعم أميركا لإسرائيل، وفي تركيزها - أي أميركا - على مصالحها البترولية وتأييد الحكام المستبدين والطغاة ».

وبعد تحليل وتدقيق انتهى إلى أن أميركا تريد «خدمة التوجه الإمبراطوري الأميركي ومحاربة الإرهاب، ولكن التوجه الامبراطوري الأميركي بالعسكرة سيظل دوما يخلق عدوه... أي الإرهاب العالمي»!