رأي مالي / قرار «المركزي» الأوروبي ... هل جاء متأخراً؟
1 يناير 1970
09:09 ص
• أقرّ بأن ما يحتاجه اقتصاد «اليورو» وبشكل عاجل برنامج للتيسير الكمّي
• الخطوة الأخيرة تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تبدأ نتائجها بالظهور
فاجأ البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس الماضي الأسواق بالإعلان عن اعتماد سلسلة من التدابير والسياسات المهمة جداً تتضمن حزمة من التدابير الجديدة من بينها خفض سعر الفائدة إلى مستوى قياسي جديد ليصبح أقرب إلى صفر في المئة، وذلك من 0.15 إلى 0.05 في المئة، وإطلاق برنامج بقيمة غير معروفة لشراء أوراق مالية مدعومة بأصول وسندات مضمونة من البنوك.
ولم يتطرق رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد انتهاء اجتماع مجلس محافظي البنك إلى مسألة شراء البنك للسندات السيادية.
وقد أخذت هذه الإجراءات المستثمرين على حين غرة، وكانت النتيجة المباشرة لهذا الإعلان موجة صعود في أسواق الأسهم في منطقة اليورو، وتراجعاً في قيمة اليورو مقابل الدولار، وأخيراً ارتفاعاً في قيمة الأوراق المالية المدعومة بالأصول.
نحن وبعد هذه الخطوة من المركزي الأوروبي نعتقد أنه أقرّ أخيراً بأن برنامجاً للتيسير الكمّي هو ما يحتاجه اقتصاد منطقة اليورو وبشكل عاجل. وبناء على ذلك فقد حان الآن الدور على المركزي الأوروبي لإدارة سياسة مماثلة لتلك التي اعتمدها كلٌّ من مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي وبنك إنكلترا. ولكن هل من الممكن أن يكون إقرار البنك بضرورة هذه السياسة واعتمادها قد جاء متأخراً؟ قد يكون الجواب لا، إلا أن الحجم الهائل لهذا البرنامج قد يسبب بعض الإرباك.
سوف يعمد البنك المركزي الأوروبي إلى ضخ تريليون دولار أميركي في النظام المالي، وكم تمنينا لو أن دراغي كان أكثر انفتاحاً معلناً أن هذه السياسة هي سياسة تيسير كمّي.
هل ستنجح هذه الخطة؟
إن اعتماد هذه السياسة على الأقل أفضل من اعتماد لا شيء على الإطلاق، إلا أنه وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه السياسة تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تبدأ نتائجها بالظهور. إن شراء الأوراق المالية المدعومة بالأصول من البنوك ليست بتلك السهولة، ذلك أن سوق هذه الأوراق ليس سائلاً بما فيه الكفاية ولا يتمتع بأسعار حيّة يمكن أن ينظر إليها المستثمرون. وبالإضافة إلى ذلك ليس هناك ما يضمن زيادة البنوك لعمليات الإقراض لمجرد بيعها تلك الأوراق المالية للبنك المركزي الأوروبي.
إن للبنوك مبادئها التوجيهية الداخلية والخارجية الخاصة بالإقراض، ونحن نعتقد أن الشيء الأكثر أهمية هو أن «المركزي» الأوروبي أدرك أخيراً جوهر المشكلة التي تواجه اقتصاديات منطقة اليورو. كما أننا على ثقة أن المركزي الأوروبي سيعمل على مراقبة نتائج عمليات شراء هذه الأوراق المالية من البنوك، وقد يتخذ بعدها قراراً بالبدء بشراء السندات السيادية على الرغم من اعتراضات البنك المركزي الألماني على هذه الخطوة.
إننا نرى أنه من الأفضل للبنك المركزي الأوروبي البدء فوراً في شراء تلك الأوراق المالية المدعومة بالأصول من البنوك، وعليه في الوقت نفسه إجبار تلك البنوك على زيادة الإقراض للقطاع الخاص. إن لمنطقة اليورو بعض تلك الأصول التي تعود للقطاع الخاص ولكن ليس بما يكفي لإخراج المنطقة من البؤس الاقتصادي الذي تعيش فيه.
إلا أن الخطر يتمثل في استمرار معدلات التضخم بالانخفاض، وازدياد ضعف الاقتصاد في منطقة اليورو الأمر الذي يؤدي إلى فشل أي برنامج ضخم للتيسير الكمّي في تحسين الأوضاع. إننا نعتقد أن أي تدابير نقدية أو مالية يتم اعتمادها من أجل تحفيز الأنشطة الاقتصادية تحتاج إلى وقت لتبدأ نتائجها بالظهور، وعلى المستثمرين منح البنك المركزي الأوروبي قرينة الشك.
يبدو أن مجلس محافظي المركزي الأوروبي استطاع تجاوز اعتراضات بعض الدول الأعضاء مثل ألمانيا، وهذا أمر جديد تماماً وينبغي تشجيعه.
إن خفض سعر الفائدة إلى مستوى 0.05 في المئة هو في حد ذاته ذو رمزية كبيرة، ومع ذلك فإنه بمثابة مؤشر على أن البنك المركزي الأوروبي أصبح الآن أكثر قلقاً مما كان عليه قبل أشهر قليلة من الآن، وأنه بدأ باتخاذ تدابير أكثر جدية لوضع حد للأوضاع الاقتصادية السيئة والبائسة التي تعيشها منطقة اليورو.
إن برنامج شراء أوراق مالية مدعومة بأصول وسندات مضمونة من البنوك هو القرار الأكثر أهمية بين الاثنين. ونحن نرى أنه من الأفضل النظر إليه باعتباره برنامجاً للتيسير الكمّي على نطاق صغير. وتشمل الأصول السندات المغطاة، السندات التي تصدرها البنوك بضمانات، والأوراق المالية المدعومة بالأصول.
تعمل البنوك على إصدار الأوراق المالية المدعومة بالأصول مقابل القروض التي قدمتها للقطاع الخاص سواء كانوا أفراداً أو شركات.
إن ضمان شراء تلك السندات سوف يسهّل على البنوك تقديم القروض لأنها ستنقل المخاطر إلى البنك المركزي الأوروبي الذي سيتحمّلها، وهي المخاطر التي سيتحمّلها في نهاية المطاف دافعو الضرائب في منطقة اليورو إذا فشل المقترضون في سداد ديونهم.
تتمثل المهمة التالية الأكبر بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي في ضمان بدء البنوك بالإقراض مجدداً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة في الطلب الكلّي. دعونا نأمل أن تكون المخاوف في شأن الانكماش لم تؤثر سلباً على المستهلكين، لأنه إذا حدث ذلك فإنه سيكون من الصعب جداً تشجيع القطاع الخاص على الإقتراض.
قد ينبغي على الدول في منطقة اليورو التي تتمتع بوضع مالي أفضل بكثير، مثل ألمانيا على سبيل المثال، المساهمة بشكل أكثر عبر اعتماد سياسات مالية ميسّرة بشكل أكبر لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي. إننا وللأسف لا نستطيع تخيّل قيام السلطات الألمانية بشيء من هذا القبيل، وحتى لو قامت بذلك فإن السيولة النقدية الإضافية التي سيتم تقديمها للمستهلكين الألمان ستنتهي في نهاية المطاف في صندوق المدّخرات.