أقدم قطعة أثرية عنده «سيف» يعود إلى الحاج إسماعيل بن مرواح

عبدالهادي جمال... بين التراث والتاريخ

1 يناير 1970 05:42 م
• استغرق تجميع مقتنيات متحفه 35 عاماً

• جعل جزءاً من متحفه لمقتنيات عائلته

• متحفه حوى الموروثات الشعبية
ليس هناك من شعب إلا وله تراث شعبي وموروثات تاريخية في مختلف جوانب الحياة، وتفتخر الشعوب بتراثها وتاريخها وما تركه الآباء والأجداد من أشياء تتعلق بجوانب الحياة المختلفة من ثقافة وأدب وفنون وعمران وأثاث وعُدد وأدوات مختلفة تدل على نمط ومستوى المعيشة ومكوناتها في الأيام الغابرة. ويتفرع من كل هذه الأمور جوانب لا تعد ولا تحصى تحكي قصة ذلك الشعب وكيف عاش وما شهده من أحداث وتطورات على مدى مئات السنين أو أكثر.

يحكي لنا م. محمد هادي جمال قصة متحفه الذي حوى تلك الاشياء، فلنترك له ذلك.

المتحف

وتزخر المتاحف الوطنية لجميع البلدان بما تركه الآباء والأجداد من آثار تعكس حضارة كل شعب وتبرز تراثه وطرق معيشته، ولا تختلف الكويت - بالرغم من تاريخها القصير نسبياً - عن بقية الشعوب، فقد ترك الآباء والأجداد تراثاً وموروثات كثيرة تدل على حيوية هذا الشعب وكفاحه بالرغم من صعوبة العيش وقلة الموارد. فقد كان هذا الشعب منتجا ومبدعا في عطائه في مختلف المجالات، وكان لا يترك سبيلا شريفا إلا وسلكه في بحثه عن عمل لائق يحقق له عيشة كريمة ومستوى من الحياة يليق به، لذلك نجح في تطويع بيئته القاسية لخدمته وتسهيل أموره، وتدل على ذلك إنجازاته الرائعة في مختلف المجالات التي أبدع فيها أروع ابداع ابتداء من انتاج وتطوير أفضل أنواع السفن وأنسب وأميز أنواع المساكن والمباني التي تجاري عوامل الطقس الصعبة التي صبغت محيطه، كما مارس أكثر الأعمال صعوبة ووصل إلى أقصى بلدان الشرق وغاص في أعماق البحار في سبيل الحصول على ما يستطيع من رزق حلال لتلبية احتياجاته ومن يعول، وبقاءه عزيزاً كريماً لا يحتاج إلى مساعدة أحد.

الصبا

حرص منذ الصبا على البحث عن كل ما يمت إلى التراث والتاريخ من أشياء، والاحتفاظ بها إلى أن وصلت أعدادها إلى مستوى جعله يخصص لها مساحة كبيرة لتضمها بعد أن قام بتصنيفها وترتيبها وتجهيز الأماكن المناسبة لكل صنف منها، وبذلك أصبح لديه متحفاً متواضعا؟ً يحكي قصة الموروثات الشعبية الكويتية ويبرز الكثير من الأشياء والأدوات التي استخدمتها الأجيال السابقة في مناحي الحياة المختلفة.

المحتويات

يضم المتحف 10 «فترينات» متوسطة الحجم و3 «فترينات» كبيرة تعرض كل منها أنواعاً عديدة من المعروضات والقطع الأثرية التي تعكس الحياة الاجتماعية والمعيشية القديمة في الكويت، بالإضافة إلى الكثير من الأدوات والأجهزة القديمة من البلدان المختلفة. وتتكون المعروضات من الوثائق والمطبوعات والمصاحف القديمة واللوازم المكتبية بالإضافة إلى أنواع الأواني والأدوات المنزلية. كما يضم المتحف أنواعاً من الحلي والسيوف والخناجر. وهناك أيضاً أنواع مختلفة من الأثاث وأدوات الزينة ومواد التسلية والملبوسات وكذلك نماذج من السفن الكويتية القديمة. كما تضم القاعة عددا من السجاد الإيراني القديم الذي كان يستخدم في المنازل والدواوين. كما يوجد مجسمان أحدهما لمنزلهم القديم في الديرة، والذي يمثل نموذجاً للبيوت الكويتية القديمة، وآخر للكاركة العائدة لآل جمال والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 160 عاماً. ويضم المتحف عددا من الأجهزة الكهربائية القديمة كالراديوات والجرامافونات والتلفونات بالإضافة إلى ساعات الحائط التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مئة عام، كما يوجد سرير قديم من خشب السيسيم يعود تاريخه إلى أكثر من مئة عام وكذلك عدد من الخزانات الخشبية القديمة (الكبتات) والأبواب و(البشتختات) المستخدمة لحفظ الأوراق واللوازم المكتبية وكذلك لحفظ أدوات الشاي.

الاستغراق

استغرق منه تجميع وتنظيم مكونات المتحف ما يقارب من خمسة وثلاثين عاماً بذله خلاله جهوداً كبيرة في الحفاظ على هذه التحف والموروثات التي يرجو أن تسهم في الحفاظ على ما تركته الأجيال السابقة من موروثات، لتذكر - الأجيال المخضرمة - بالأيام الجميلة التي في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، ولتبين للأجيال الجديدة نمط المعيشة الذي عاشه الآباء والأجداد. وسيجد المهتم الكثير من الأشياء التي شكلت جانبا من البيت الكويتي ومكوناته في تلك الحقبة، بالإضافة إلى أشياء أخرى تتعلق ببعض الأعمال والحرف، ويعتبر كل ما عرضه جزءا يسيرا جدا من التراث الكويتي وغيضا من فيض مما كان موجودا من أشياء تتعلق بذلك الزمن، حيث ان هناك مكونات لا تعد ولا تحصى تمثل جوانب كثيرة من مجتمعنا الكويتي القديم منها أدوات ومكونات العمل في البحر وغيره من أعمال، ومنها ما يخص الحرف والمهن الكثيرة التي مارسها الكويتيون في الماضي، بالإضافة إلى المكونات الأخرى لجوانب المعيشة المختلفة مما يحتاج إلى مساحات واسعة لاحتوائها.

نبذة

لقد قام بتقسيم هذا المتحف إلى ثلاثة أجزاء، الأول بعنوان مقتنيات عائلية، وهو يضم كل ما آل اليه من أشياء قديمة تخص عائلته من مخطوطات ووثائق وأثاث ولوازم وأجهزة وما إلى ذلك من موروثات. أما الجزء الثاني فيضم المقتنيات الشخصية التي عمل على جمعها والاحتفاظ بها منذ صغر سنه. فقد كان بطبيعته يهوى جمع التحف والآثار وكل ما يخصني من أشياء سواء منها الشهادات أو الكتب المدرسية أو الأجهزة والألعاب التي كانت لديه أثناء فترة الطفولة، أو ما شابه ذلك من مقتنيات. أما الجزء الثالث فقد ضم بقية المقتنيات والتحف التي اقتناها على مر السنين وهي تشمل الكثير من الأشياء والأدوات القديمة، سواء منها الكويتية المنشأ أو العربية أو من البلدان الأخرى التي شكلت جزءاً أساسياً من حياة تلك المجتمعات والتي أصبحت الآن تاريخاً من الماضي.

كلمة

لقد شكلت فترة الخمسينات من القرن الماضي - الجيل المخضرم - بداية النهاية لتلك الحقبة من تاريخ بلدنا بينما شكلت الستينات فترة الاضمحلال النهائي لذلك الواقع، خصوصاً وقد شهدت تلك الفترة انتقال معظم العائلات الكويتية من مواقعها في الديرة إلى المناطق الحديثة تاركة وراءها معظم المكونات الأساسية للبيت الكويتي لتبدأ في العيش في البيئة الجديدة التي خلقتها المباني الحديثة التي شيدت في المناطق الجديدة والتي اختلفت مكوناتها - من أثاث وغيره - ما بين يوم وليلة اختلافاً كبيراً عما اعتاد عليه الكويتيون من لوازم وأشياء عاشوا معها لأكثر من مائتين وخمسين عاماً، فأصبح كل ما هو قبل ذلك قديماً وليس له حاجة، ما أدى إلى ترك معظم الناس للكثير من تلك الموروثات النادرة من أثاث وأدوات وتجهيزات في منازلهم القديمة لتضيع ويضيع معها جانب كبير من التاريخ الشعبي. كما أدى ذلك إلى تغيير الحياة الاجتماعية وزوال بعض الأعمال والحرف القديمة وأدواتها التي أصبح لا حاجة لها في ظل تلك المتغيرات التي طغت على الساحة.

شخصية

تتكون مقتنياته الشخصية من أشياء متنوعة احتفظ بها على مدى الخمسة والخمسين سنة الماضية ومنها شهاداته المدرسية منذ المرحلة الابتدائية بالإضافة إلى الكتب المدرسية والدفاتر والكثير من الأعداد المهمة من الدوريات الكويتية والعربية التي سجلت أحداثاً عربية وعالمية مهمة ابتداء من خمسينات القرن الماضي.

وقد تأثر بذلك من الوالد - رحمه الله - الذي كان يحرص على حفظ كل ما يخص أبناءه من شهادات وسجلات وما إلى ذلك من أمور. كما كان حريصاً على الاحتفاظ بكثير من التحف والأشياء التي تعود لوالده وكبار السن من العائلة كالوثائق والأدوات المختلفة ومستلزمات المنزل والعمل.

ومن الأشياء التي كان اهتمامه بها مبكراً ولم يبلغ بعد سن العاشرة هواية جمع الطوابع والعملات التي أصبحت جزءاً من حياته منذ ذلك الوقت، وقد تطورت تلك الهواية وتدرجت إلى أن أصبحت لا تفارقه ولو لفترة وجيزة. فقد رافقته أثناء طفولته ثم في فترة الدراسية الثانوية فالجامعة فالعمل داخل الكويت وخارجها وإلى يومنا هذا، حيث ازدادت هذه الهواية أهمية وكسبت بعداً وطنياً وأصبح لها دور بارز في اظهار اسم الكويت بين البلدان المتقدمة، خصوصاً بعد أن قام مع عدد من الرواد في هذا المجال بتأسيس الجمعية الكويتية لهواة الطوابع والعملات في الكويت بعد سنوات طويلة من العمل المضني في سبيل اقناع المسؤولين في الجهات الحكومية المختصة بأهمية القيام بتلك الخطوة الحضارية التي تبرز اسم الكويت بين البلدان وتبين دورها التاريخي والحضاري من خلال اشتراك كذا جمعية في المعارض الدولية والندوات المتخصصة واللقاءات الثقافية التي تعقد دورياً في البلدان المتقدمة. وسنبرز في الصفحات التالية نماذج من مقتنياتنا من هذه الأشياء المختلفة.

أدوات

استخدم الكويتيون في الماضي صناديق خشبية صغيرة لحفظ أدوات الشاي كالغوري والاستكانات والصحون والملاحق. وكانت هذه الصناديق تجلب من الهند ويطلق عليها «بشخته» وهي مصنوعة من خشب السيسم، وهو من أفضل وأقوى أنواع الأخشاب. وكان لدينا في البيت القديم عدد من هذه «البشتخنات».

أشغال منزلية

كان للمرأة الكويتية دور بارز في الحياة الاجتماعية والمعيشية في المجتمع الكويتي القديم. فقد كانت تقوم بتربية الأطفال وغسل ملابسهم وملابس الزوج وبقية الأبناء وتتوجه يومياً الى البحر للقيام بتلك المهمة الصعبة. كما تقوم بالطبخ وتنظيف المنزل وفي بعض الأحيان إدارة شؤون المنزل بالكامل أثناء غياب الزوج للغوص أو السفر التجاري. كما تقوم بعضهن بخياطة ملابس الزوج والأبناء باستخدام الإبرة اليدوية قبل دخول ماكينات الخياطة في بداية القرن الماضي الى الكويت وانتشار مهنة الخياطة بشكل واسع بعد ذلك. وفيما يلي عدد من مكائن الخياطة (المنزلية) التي تعود لبعض نساء عائلته والتي تم شراؤها في الثلاثينيات والأربعينات

السيف

وفي المتحف سيف قديم يصل عمره الى ما يقارب المئتي عام يعود للمرحوم الحاج إسماعيل بن مرواح (جد المرحوم الحاج إسماعيل جمال) الذي عمل رئيساً للحرس في عهد الشيخ دعيج الصباح (عم الشيخ مبارك الصباح)، والذي كان مسؤولاً عن الأمن العام في بداية القرن التاسع عشر. ويعتبر هذا السيف من أقدم التحف الموجودة بمتحفنا. ولهذا السيف قصة هي أن كل امرأة من العائلة أو الفريج كانت إذا وضعت طفلاً يوضع هذا السيف تحت وسادتها لمدة أربعين يوماً. ولم يتوصل الى الآن الى تفسير لذلك التقليد الذي حافظ على بقاء السيف الى الآن.

نماذج

من المطبوعات المهمة في المتحف الأعداد الأولى من الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» وكذلك أعداد مهمة أخرى توثق أحداث تاريخية كإعلان استقلال دولة الكويت وإعلان دستور دولة الكويت وبعض مضابط مجلس الأمة في الستينيات من القرن الماضي.

كما توجد أعداد من الجرائد الكويتية في حقبة الخمسينيات والستينيات وما قبل ذلك والتي شهدت أحداثاً سياسية محلية وعربية وعالمية مهمة ومنها جريدة أخبار الأسبوع وجريدة الشعب وجريدة الفجر وجريدة الجماهير.

كهربائية

عرف الكويتيون الراديوات والجرافافونات في الثلاثينيات من القرن العشرين. وقد انتشر استخدامها مع بداية الحرب العالمية الثانية خاصة في المقاهي الموجودة في الصفاة آنذاك والتي كانت تتسابق لوضعها لسماع الأخبار والأغاني. وهذه بعض الراديوات القديمة التي كانت تستخدم آنذاك.

لذلك لابد من المحافظة على التراث الوطني والموروثات الشعبية التي تركها الآباء والأجداد واجب وطني يجب أن تحرص عليه الدولة وترعاه ويجب أن يشاركها في ذلك كل مواطن كل حسب استطاعته وفاءً لتاريخ وطنه وعرفاناً لدور الأجيال السابقة التي بنت هذا البلد وحافظت على وجوده. كما أن في ذلك حافزاً يؤدي الى جذب الأجيال الجديدة الى تاريخ بلدها ويزيد من التصاقها به واعتزازها بما تركه الآباء والأجداد. وكم هو جميل أن يعرف أبناؤنا كل ما يتعلق بجذورهم التاريخية التي تشكل هذه الموروثات جزءاً أساسياً منها لتصبح الصورة لديهم مكتملة عن بلدهم وكل ما يتعلق به، سواء ما يخص السيرة التاريخية أو الموروثات الشعبية.

عملات ورقية

تعتبر العملات بأنواعها المختلفة من أهم مكونات مقتنياتنا المختلفة وهي صنفان معدنية وورقية. وتمثل العملات العربية الجزء الأكبر من هذه المجموعات التي تعود لحقب تاريخية مختلفة لكل دولة عربية. وسنعرض هنا نماذج عملات هذه البلدان، علماً بأن الكويت كانت تستخدم عملات مختلفة من عدة بلدان أهمها الهند الى عام 1961م عندما صدر الدينار الكويتي.

طوابع وعملات

يضم المتحف مجموعات نادرة من الطوابع والعملات القديمة التي سبق أن عرض نماذج منها في مؤلفاته السابقة الخاصة بالطوابع والعملات. وهي تمثل بعض الحقب التاريخية لعدد من البلدان العربية وبريطانيا.

صدر أول طابع في العالم في بريطانيا عام 1840م وكان لونه أسود وقيمته بنس واحد ويحمل صورة الملكة فيكتوريا. وقد صدرت بعده عدة طوابع بنفس الشكل لكن بألوان مختلفة وأسعار متفاوتة.

مجلة حائط

اعتاد أثناء دراسته في المدرسة المتوسطة على قراءة مجلة سندباد ومجلة سمير الأسبوعتين اللتين كانتا تصدران في مصر للأطفال وتصلان الى الكويت بانتظام. وقد قام في إحدى الفترات في أثناء دراسته في المدرسة المتوسطة (في حوالي عام 1954م) بنقل بعض القصص القصيرة والصور من مجلة سمير على صحائف كبيرة ولونتها بنفس ألوان الصور الأصلية في هذه المجلة، وعلقها في ليوان بيتهم ليقرأها أصدقائه، فيما يشبه «مجلة الحائط». وقد صدر عددان من هذه «المجلة» التي - ولحسن الحظ - احتفظ بهما لهذا التاريخ ومازالتا معلقتين في أحد جدران المتحف.