جوجلة أسماء وسط «فيتوات» وضغوط متبادلة

«كسر الصمت» السعودي - الإيراني يلفح لبنان ويسرّع الإفراج عن انتخاب رئيس للجمهورية

1 يناير 1970 09:29 م
تستعد بيروت لاطلاق محركاتها السياسية في ملاقاة المناخ الاقليمي الجديد، ايذاناً بورشة مشاورات علنية، وفي الكواليس، من المتوقع ان تفضي الى كسر المأزق السياسي – الدستوري عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما سكن «فخامة الفراغ» قصر بعبدا منذ 25 مايو الماضي.

فرغم الانطباعات السوداوية التي سادت على مدى الاشهر الثلاثة الماضية نتيجة الشعور بوجود «قرار كبير» يحول دون انتخاب رئيس جديد، فان الوقائع المستجدة على المستوى الاقليمي تؤشر الى ان لبنان مقبل على انفراج فعلي اولى نتائجه التوصل الى تسوية في شأن اسم الرئيس العتيد للجمهورية.

وشكل الظهور الدراماتيكي لتنظيم «داعش» وانفلاشه في سورية والعراق وبلوغ خطره حدود الدول المجاور لهما، نقطة الارتكاز في التحول الجديد الذي ساهم في «تعديل» الموقفين الايراني والسعودي، الامر الذي يفيد منه لبنان المقيم فوق «فالق» الصراع الاقليمي في المنطقة وقوس ازماتها اللاهبة.

ولم يكن ادل على ذلك من انفراج «الاسارير» في بيروت على وقع التقارير التي تتحدث عن «الهبة الباردة» المستجدة في العلاقات بين الرياض وطهران، بعدما التقيا وعلى نحو اضطراري في «نادي» دول مواجهة ارهاب «داعش»، وباشر التأسيس لمقاربات اقل صدامية في شأن ملفات المنطقة.

ومن ملامح انتقال العلاقة السعودية – الايرانية من فلك «الحرب الباردة» الى مناخ «الهبة الباردة»، امكن رصد الوقائع الآتية:

•المعلومات التي تحدثت عن لقاء «ايجابي جداً» بين مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية حسين امير عبد اللهيان ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في جدة اول من امس، والايحاءات على ان العلاقة بين البلدين وضعت على «سكة جديدة».

•تعيين حسين صادقي سفيراً ايرانياً جديداً في المملكة العربية السعودية، وهو الذي كان شغل هذا المنصب ابان حكم الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، مما يؤشر الى رغبة طهران في الحد من التشنج في العلاقة مع الرياض بعد ثلاثة اعوام من التوتر الشديد.

•امكان قيام رئيس مجلس تشخيص النظام في ايران هاشمي رفسنجاني بزيارة قريبة للسعودية في اطار العمل على تحسين العلاقات بناء لرغبة الطرفين، وهو كان التقى السفير صادقي قبل تسلمه مهامه الديبلوماسية في الرياض.

•تحول السعودية «رأس حربة» في الحرب على الارهاب بعدما انكشف خطر «داعش» في المنطقة، وامكان اطلاقها دينامية جديدة في اطار هذه المواجهة برزت طلائعها في الدور الذي اضطلعت به لتسليح الجيش في لبنان واعلان دعمها لحكومة وحدة وطنية في العراق برئاسة حيدر العبادي.

وسريعاً لفحت مظاهر هذا التحول بيروت التي عاد اليها رئيس الحكومة السابق وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بعد ثلاثة اعوام من «الغربة القسرية» عن البلاد عقب اطاحة التحالف الذي يقوده «حزب الله» بحكومته واقصائه عن السلطة.

واعتبرت العودة السياسية للحريري من بوابة مواجهة الارهاب ودعم الجيش وتحصين الوحدة الوطنية، مؤشراً على بداية انفراج من المتوقع ان يتوج بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الخريف المقبل، بعدما توافرت مظلة اقليمية - سعودية – ايرانية لهذا التطور المرتقب.

وثمة من يعتقد في بيروت ان البلاد مقبلة على مرحلة من «ادارة الصراع» بين قوى «8 و 14 آذار» في شكل يعيد ترتيب الاولويات تبعاً للخطر الرئيسي الذي تشكله الموجة الارهابية الجديدة التي يمثلها «داعش»، وهو الامر الذي من شأنه تسريع «الافراج» عن الرئيس الجديد للجمهورية.

ورصدت الدوائر المراقبة في بيروت مجموعة مؤشرات تصب في هذا الاتجاه، منها:

• المرونة التي ابداها الحريري في الانفتاح على الاخرين، لا سيما مع رئيس البرلمان نبيه بري الحليف الرئيسي لـ «حزب الله» واحد طرفي «الثنائية الشيعية».

• اللهجة الجديدة التي يستخدمها «حزب الله» وعلى لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم في مخاطبة «14 آذار».

• حركة «كسر الحواجز» التي قام بها الزعيم الدزري وليد جنبلاط في اتجاهات مختلفة تحت شعار مزدوج: مواجهة خطر «داعش» وانتخاب رئيس جديد.

• وابدت مصادر بارزة في قوى «8 آذار» ميلاً الى القول ان الملف الرئاسي يتجه نحو الحلحلة، مشيرة عبر «الراي» الى ان «تحسين العلاقات السعودية – الايرانية يسهل الطريق للوصول الى تفاهم داخلي من شأنه انتخاب رئيس جديد».

وحرصت هذه المصادر على القول ان «ايران سبق وان ابلغت من يعنيهم الامر انها ليست في وارد التدخل او ممارسة اي ضغط على حزب الله في شأن الملف الرئاسي او سواه، لكن المناخ الايجابي في المنطقة واي تقارب سعودي - ايراني يؤشر ايجاباً على مستوى علاقات الاطراف في الداخل، وتالياً على ما يواجه لبنان من استحقاقات».

ورغم ان قوى «14 آذار» تنتظر جولة مشاورات جديدة يكون الرئيس الحريري، جزءاً منها، للتدقيق في الاجواء التي تحوط الملفات اللبنانية المعلقة لا سيما الملف الاكثر اولوية، اي انتخاب رئيس جديد، فإنها بدت متريثة في اسباغ اجواء من التفاؤل حول امكان كسر المأزق الرئاسي في وقت قريب.

غير ان قوى «14 آذار» التي تعتبر نفسها صاحبة المصلحة في الاسراع في انتخاب رئيس جديد، كانت تدارست مبادرة من اربع نقاط بهدف كسر المأزق، نوقشت بين الطرفين الرئيسيين في هذا التحالف، اي «تيار المستقبل» و»القوات اللبنانية»، وتجلى جوهرها في «تعليق» ترشيح رئيس حزب «القوات» سمير جعجع افساحاً في التوصل الى توافق مع «8 آذار» على رئيس جديد، والا العودة الى المربع الاول، اي التمسك بمرشحها للرئاسة.

وثمة سؤال في بيروت الآن، وهو: اذا كان وهج «كسر الصمت» بين السعودية وايران سيترجم بميل «تيار المستقبل» و»حزب الله» الى تغليب خيار التوافق على رئيس جديد للجمهورية، فما الذي سيقنع زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بالانسحاب من المعركة لمصلحة مرشح – تسوية؟

اوساط واسعة الاطلاع في بيروت قالت لـ «الراي» انه «في اللحظة التي يقطع العماد عون الامل في امكان حصوله على دعم «تيار المستقبل»، لترشحه سيكون من السهل على «حزب الله» ابلاغه بان قوى «8 آذار» لا تستطيع منفردة ايصاله الى قصر بعبدا، وتالياً لابد من البحث عن مرشح تسوية يقبل به الطرفان».

وعلمت الـ «الراي» انه «بعدما صارت الاجواء اكثر ميلاً للافراج عن الانتخابات الرئاسية، ستبدأ عملية جوجلة لاسماء المرشحين الذين يعكسون في «سيرهم الذاتية» مشروع تسوية بين «8 و 14 آذار»، ومن بينهم قائد الجيش العماد جان قهوجي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الوزير السابق جان عبيد، الوزير السابق زياد بارود، والسفير الحالي في الفاتيكان جورج خوري».

ومن غير المستبعد ان تبدأ لعبة «فيتوات متبادلة» قبل ان ترسو التسوية على اسم ما، او ان تشهد الايام المقبلة عملية ضغوط واستدراج عروض قبل اختيار الاسم الذي سيتربع على كرسي القصر لست سنوات مقبلة.