لبنان يلعب على «الحبلين» وسياحه يجرجرون الحقائب والخيبة

1 يناير 1970 04:37 م
«الحلم المكسور» ليس عنواناً لفيلم مصري او مسلسل تركي او لعمل درامي مكسيكي او هندي، انه الفيلم المأسوي الطويل لحال اللبنانيين الذين كانوا يستعدون لموسم صيف واعد وبارد وساهر وهانئ وزاخر و... كل ما اختزن القاموس من مفردات فرح وتفاؤل وأمل.

ها هو مشهد نزلاء الفنادق يخرجون افراداً وجماعات من وسط «المداهمات» يجرجرون خلفهم الحقائب والخوف والخيبة، وسرعان ما يطيرون الى بلادهم او الى اي امكنة آمنة في بلاد الدنيا الواسعة، تاركين خلفهم هذا الـ «لبنان» المكسور الخاطر.

صار الصيف الافتراضي في بلاد الارز مجرد خدعة تضج بالكوابيس بعدما جرى الترويج لبرامج سياحية لا تعد ولا تحصى... مهرجانات بـ «خمس نجوم» في بعلبك وبيت الدين وجونية وزوق مكايل وعلى الواجهة البحرية لبيروت وفي وسطها الجميل وفي غير مكان من «ست الدنيا».

بين ليلة وضحاها انقلب المشهد اللبناني ومزاجه رأساً على عقب... انتحاريون ومداهمات، سيارات تنفجر واحزمة ناسفة، فنادق كالخنادق، اقتحامات امنية على طريقة تلفزيون الواقع، روايات بوليسية عن شبكات عنقودية وكلام كثير عن بنوك اهداف.

مرة جديدة تجهز الحقائق على اوهام لبنانيين بان في امكانهم اللعب على الحبلين... يتورطون في حروب الآخرين عن سابق تصور وتصميم ويريدون ابقاء «ساحتهم» بمنأى عن مجيء الاخرين، في زمن لم تعد تنفع فيه «الشطارة» وتتهاوى معه الحدود وتختلط في شوارعه ايديولوجيات بلا قلب ولا عقل بالدم الرخيص.

طار الموسم الافتراضي لسياحة جرى «الطبل والزمر» لها كأنها تعويض «تاريخي» عن مآزق تجتاح لبنان من رأسه حتى اخمص قدميه، تعويض عن الفراغ الرئاسي والشيكات المرتجعة، عن اعباء الجيش المليوني من النازحين والتوقعات المأسوية لـ «سلسلة الرتب والرواتب» عن التجارة الكاسدة وشح المياه والكهرباء ولقمة العيش، وعن كل شيء تقريباً. لم يصل الآتون من بعيد لتمضية الصيف في رحاب لبنان... استمر نزف الذاهبين المحمولين على الاكف في نعوش الاحتراب الاقليمي، فها هي فواجع «الخبر العاجل» تعلن وبالفم الملآن ان الجميع «ينتحرون لبنان» صبح مساء كل على طريقته ولحسابه و«بنك اهدافه» وخرائطه، فـ«طائر الفينيق» يكاد ان يمل النوم تحت الجمر والطيران فوق خطوط النار.

لم تعد الولايات المتحدة راعية للارهاب فـ «اصدقاؤنا» في مخابرات «الشيطان الاكبر» اظهروا مرة اخرى «حسن سلوك» حين مرروا في ليلة انقباض الانفاس في بيروت «معلومة» عن فرنساوي ضاق ذرعاً بنابليون بونابرت وادار ظهره لقمر فرساي وتنكر لقيم التسامح في موطنه الاصلي في جزر القمر، وقصد فندق «نابليون» في شارع الحمرا البيروتي في رحلة انتقام من التاريخ بـ «حزام ناسف» محشو بالكراهية والتوحش.

في وضح النهار، وعلى الهواء مباشرة دهمت القوى الامنية «نابليون» بحثاً عن الفرنساوي ابن جزر القمر، اخذت «الصيد الثمين» ومعه نحو 80 نزيلاً جعلتهم الصدفة في وضع حرج، ثم كرت سبحة الفنادق المشتبه بايوائها لـ «الداعشيين» الذين جاؤوا للموت في ساحة لا يليق بها الا ان تكون للسياحة فمنذ زمن قصير كانت استطلاعات الصحافة الاجنبية تجد في بيروت الوجهة السياحية رقم 3 في العالم.

يروي احد القادة الامنيين ان مديراً لاحد فنادق الخمس نجوم اصابه الهلع عندما علم ان احد النزلاء يهم بحزم حقائبه للمغادرة... اتصل بالاجهزة الامنية مرتاباً، فنصب كمينا للنزيل واقتيد للتحقيق معه قبل ان يتبين انه تاجر كبير كان يستعد للانتقال الى المطار، على نحو طبيعي للسفر بناء على حجز مسبق على متن احدى الرحلات. هذا التاجر، وسواه من العشرات وربما المئات ممن خضعوا لاختبارات امنية لا يحسدون عليها، ذهب ولن يعود... فبين المخاوف الفعلية والارتجالية ربما «المبررة» خسر لبنان ربيعا في عز الصيف كاد ان يزهر قبل ان يقود الى خريفه الطويل واماله المتساقطة كالاوراق الصفر.