لقاء / أكد أنه يحمل في زيارته اليوم شكر بلاده للكويت على دعمها الدائم وأن حقيبته تزدحم بقضايا وهواجس وملفات

سلام لـ «الراي»: نريد رئيساً «صُنع في لبنان» تعزيزاً لمسيرة التفاهم والاستقرار

1 يناير 1970 05:49 م
• تربطنا بالكويت معرفة قديمة بدأت مع والدي في مطلع الخمسينات

• الشيخ صباح الأحمد كوزير للخارجية عاصَر وساهم في القضايا العربية عموماً واللبنانية خصوصا

• كان للأمير
دور مميز
في اتفاقي الطائف والدوحة
... ولسموه
باع طويل وكياسة
في مقاربة الشؤون والشجون العربية

• زيارة سموه إلى طهران جاءت لرأب الصدع والتقريب بين القوى الإقليمية
بما يخدم القضايا المحقة للمنطقة

• الكويت تعمل لتحصين الوضع العربي والإقليمي انسجاماً
مع ما قامت به أعواما طويلة
إذ تمكّنت
من رأب الصدع بين العديد
من القادة العرب

• الغانم نقل إلينا موقفاً كويتياً أخوياً ليس بجديد
على أشقائنا
في إطار تحرّكه المباشر لدعمنا بمواجهة أعباء ملف النزوح السوري

• التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان له ارتدادات... وواقعه
غير مريح

• لأحداث العراق تأثير مباشر
على توازنات المنطقة
والوضع الإقليمي الذي يفيدنا
في استقراره ويؤذينا اضطرابه

• التحذير
من الأخطار الأمنية واجب
في كل لحظة لأنها لم تعد تقتصر
على منطقة
أو شعب أو بلد

• مصرّون على بقاء لبنان محصّناً قوياً ومعافى في حكومة المصلحة الوطنية التي تم التوافق عليها
رئيس الحكومة «الرئاسية» اللبنانية تمام سلام يجري محادثات ماراثونية في الكويت اليوم.

فهذا «البيروتي» الذي يملك بيته السياسي «ذاكرة كويتية» تعود الى خمسينات القرن الماضي، حجز سلسلة متراصة من المواعيد مع كبار المسؤولين الكويتيين، وفي حقيبته زحمة قضايا وهواجس وملفات يضجّ بها لبنان، أوّلها النزوح المليوني للسوريين الى «الوطن الصغير» وشظايا العصْف الاقليمي الذي يصيب «بلاد الارز» ويجعل استقرارها في امتحانٍ دائم.

يزور «تمام بك»، على رأس الوفد الوزاري المرافق، «الصديق التاريخي» للبنان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي يحفظ اللبنانيون اسمه عن ظهر قلب، وله في قلب الرئيس سلام وعقله مكانة مرموقة توازي أدوار الكويت في صنْع سلام لبنان وإعماره.

ويلتقي الزائر اللبناني سموّ ولي العهد الشيخ نواف الأحمد ونظيره رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، اضافة الى اجتماعات عمل يعقدها مع بعض المسؤولين الكويتيين قبل ان يغادر ليلاً بعد «سهرة» مع الجالية اللبنانية.

عشية زيارته للكويت، زارت «الراي» الرجل الهادئ، الصلب والرصين، في السرايا الحكومية التي تَرعرع فيها ايام الصبا في «عهود» والده صاحب «القرنفلة والسيجار»، قبل ان يعود اليها رئيساً للوزراء بعمر 69 عاماً من «الكدّ والجدّ» لحفظ تراثٍ من الزعاماتية التي عاندتْ الكثير من التحولات السياسية والاجتماعية المتوالية على بيروت التي كانت يوماً محروسةً، وصارت الآن مهجوسةً على الدوام.

تمام صائب سلام، المهذّب والدمث والخليطُ من ماضويّةٍ يحرص على قيمها الجميلة ومن حداثةٍ تستهويه، استقبلَنا في مكتبه. سلامه حارّ كالمعتاد، وكما تعوّدناه أطلّ بكل أناقته. سألناه بدايةً عن إحساسه وهو يدخل السرايا الكبيرة التي تطلّ على وسط بيروت، قبل بضعة أشهر رئيساً للحكومة بعد عقود من الحنين الى المكان الذي تَردّد اليه طويلاً يوم كان والده يتربّع على الكرسي هنا...

استوى تمام بك على الكرسي، والى جانبه علم الاستقلال اللبناني الذي وقّع على نسخته الاولى والده صائب سلام، وأجاب بواقعيّته المعهودة: «دخولي السرايا كرئيس لمجلس الوزراء لم يكن امراً مفاجئاً او غير منتظر. فإلى جانب نشأتي فيها في ظل والدي الذي ترأس مجلس الوزراء مرات عدة، خضتُ غمار العمل السياسي والشأن العام، وتالياً فإن العمل السياسي يجعل الاحتمالات مفتوحة امامك لتحمّل مسؤوليات في النيابة او الوزارة او رئاسة مجلس الوزراء»، معتبراً انه «امر طبيعي ان يحصل ذلك او لا يحصل، فالمسألة ترتبط بالأوضاع والمعطيات».

ورغم الهامة المعمارية التي تُميِّز السرايا التي أعيد ترميمها أواسط تسعينات القرن الماضي، فان سلام رأى ان «المسألة لا تتعلق بمبنى بقدر ما هي مرتبطة بالسرايا كمركز قرارٍ للحكم»، وقال: «لا شك في ان للمركز هيبته ووقاره والتزاماته وطبيعته التي عليّ او على سواي من الذين يتبؤون هذا المنصب أخذها في الاعتبار».

واحدة من المفارقات التي لم تفارق تمام سلام هو انه دائماً «على آخر طرز» ويحرص على الظهور بأحلى حلة من الترتيب، وبهذه الروحية كان يرتّب ملفات يومه الطويل في الكويت، التي يملك في ذاكرته الكثير عنها. وروى خلال حوارنا فصولاً عن «معرفة قديمة تربطنا بالكويت بدأت مع والدي في مطلع الخمسينات، وهو ربما كان من اوائل السياسيين اللبنانيين الذين قصدوا الكويت في إطار تحرّكه العربي واتصالاته».

وتحدّث هذا البيروتي الذي ضربه «فيروس» السياسة يوم كان في عمر الـ 13 عن «ان والدي حرص على توطيد العلاقة مع المسؤولين الكويتيين، أمراء وشيوخاً وعائلات تجارية وأهلية»، مستذكراً ان «والدي كان مؤسساً ومالكاً مع العائلة لشركة طيران الشرق الاوسط التي كان من الطبيعي ان يكون لها ممثلون في أنحاء العالم. في الكويت كانت تمثّلها عائلة الملا وهي من العائلات الكويتية الكريمة».

بدا سلام مزهواً وهو يقلّب صفحات العلاقة القديمة مع الكويت «فالعلاقة مع الأسرة الحاكمة تعود الى ايام الشيخ عبد الله السالم، ومن ثم الشيخ صباح السالم، وبعدها مع الشيخ جابر الاحمد. ومن الطبيعي ان تكون العلاقة الوثيقة ذاتها مع الشيخ صباح الاحمد، فالأمير الحالي كان وزيراً للخارجية لسنوات طويلة، واكبَ وعاصَر وشارك وساهم في القضايا العربية عموماً ولا سيما قضية لبنان».

وقال سلام لـ «الراي»: «نعم، كان لسمو الشيخ صباح دور مميز في المسائل التي تتصل بلبنان، في اتفاق الطائف (1989) واتفاق الدوحة (2008). فللشيخ صباح باع طويل وكياسة في كيفية مقاربة الشؤون والشجون العربية، قاربهَا يوم كان وزيراً للخارجية بكثير من الدينامية والحضور».

وبدت إشارة الرئيس سلام، «القابض على جمر» المأزق السياسي في لبنان، الى زيارة سمو الامير صباح الاحمد لايران لافتة: «ها هو (سمو الأمير) بمكانته الكبيرة تراه يتابع شؤوننا العربية بعناية فائقة. فآخر زيارة له لطهران تأتي في هذا السياق، قام بها من اجل رأب الصدع ولمّ الشمل والتقريب بين القوى الاقليمية لما فيه خدمة القضايا المحقة في المنطقة، وهذه مسؤولية كبيرة وليست سهلة وتتطلب رجلاً عرَكته السنين وصقلته التجارب، وأعطته المعرفة الحكمة والقدرة، ليس فقط على حكم الكويت وإدارة شؤونها، وهو البلد العزيز علينا، بل ايضاً على التواصل بين قيادات المنطقة».

ولأن زيارة سلام اليوم للكويت تأتي بعد وقت قصير من زيارة سمو الامير لايران، كان لا بد ان نسأل «فخامة» رئيس الحكومة «الرئاسية» عن جدول أعماله في الكويت وملفّاته وتوقّعاته، فأجاب على طريقته بأن «زيارتنا هي في بادئ الأمر زيارة شكر وتقدير من لبنان واللبنانيين للدور الذي تقوم به القيادة الكويتية، اميراً وحكومة ومسؤولين، تجاه لبنان في محنه وظروفه الصعبة، إن كان ماضياً او حاضراً او مستقبلاً. فتَواصُلنا مستمرّ ومتكامل ونحن نحرص على تمتينه وتعزيزه. وزيارتنا تأتي في سياق الشكر على العناية الكويتية الدائمة، باسم اللبنانيين في لبنان، واللبنانيين في الكويت الذين ساهموا ويساهمون في نهضة الكويت، وشكر للكويتيين الذين يزورون لبنان ويقيمون فيه في أجواء أخوية نحرص على التمسك بها».

وبعد هذه التوطئة من «المودّة الصادقة»، اعتبر أبو صائب «ان للكويت دوراً ليس بجديد في صدّها اولاً وتحمّلها ثانياً للتحوّلات التي وصلت في بعض المراحل (الغزو العراقي) الى إيذاء الكويت وإيقاع الضرر بالكويتيين، لكن الكويت صمدتْ وتمكّنت من احتواء ذلك، وها هي اليوم تدرك وبما تملك من خبرة وتجارب، اهمية تحصين الوضع العربي والاقليمي، وهي تعمل من اجل ذلك انسجاماً مع ما قامت به على مدى أعوام طويلة وتمكّنت من خلاله من رأب الصدع بين العديد من القادة العرب، في محطات وظروف معينة».

لم يكن أطلّ مسلسل التفجيرات الأمنية من جديد (اول من امس) حين كنا في ضيافة سلام، المسؤول اللبناني «رقم واحد» الآن بعد أقلّ من شهر بقليل من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، وتالياً هو يدرك أكثر من سواه حجم التحديات التي تواجه البلاد، وهو ما دفعنا الى سؤاله: ماذا تحمل في جعبتك الى الكويت... ملف النزوح السوري الهائل والبالغ الأكلاف، الحاجة الى مساندة الأشقّاء في ملء الفراغ الرئاسي بإجراء الانتخابات، المساعدة على الحدّ من تداعيات التصدّع الاقليمي الناجم عن الانفجار في سورية والعراق، ام ماذا؟

ليس من عادة هذا «البراغماتي»، الذي أمضى 11 شهراً في رحاب «الصبر» لتشكيل حكومته، «تكبير الحجر»، لا في مقارباته للمسائل الداخلية ولا في تعاطيه مع الحِراك الاقليمي. وهكذا اكتفى سلام بالردّ على سؤالنا بالقول: «هناك مسائل عدة بيننا وبين الكويت تفترض المتابعة، كبعض المشاريع التي يتولاها صندوق التنمية والمؤسسات الكويتية الأخرى، رسمية وخاصة، فالأمر يتطلب ملاحقة ومتابعة وحضوراً وهو ما نحرص عليه خلال هذه الزيارة وفي أيّ مناسبة أخرى».

سلام، الذي شارك في «خلوة» ضمّته الى رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم قبل غداء تكريمي أقامه بري للغانم خلال زيارة رئيس مجلس الامة لبيروت قبل أيام، بدا مرتاحاً وممتناً لما سمعه من الغانم: «رئيس مجلس الأمة كان في زيارتنا في إطار تحركه المباشر لدعمنا في مواجهة أعباء ملف النزوح السوري الى لبنان (نحو مليون ونصف مليون نازح)، وهو نقل الينا موقفاً كويتياً اخوياً ليس بجديد على أشقائنا ويؤكد عمق العلاقة الوثيقة التي تربط بلدينا وشعبينا».

«دولة البك» غير فرح بالتأكيد بأنه ورث وحكومته «فخامة» الصلاحيات الرئاسية بعد الشغور في الكرسي الاولى، فالأمر «غير مريح»، قال لنا هذا «الوطني اللبناني» بامتياز والذي ابى العام 1992 الترشح للانتخابات النيابية تضامناً مع المقاطعة المسيحية لتلك الانتخابات التي تم «تعليبها» بقوة النفوذ السوري آنذاك، وهو الموقف الذي أراد منه ترجمة قناعات متوارثة لـ «بيته السياسي» الذي غالباً ما كان يردّد «ان لبنان لا يحلّق الا بجناحيْه الإسلامي والمسيحي».

وحرص سلام، الذي يتمتّع بعلاقات ودّ واحترام مع مختلف الطيف السياسي اللبناني، ولا سيما تلك العائلات الارستقراطية التي شكّلت روح بيروت ايام العزّ، على التأكيد ان «الأزمة السياسية في لبنان المتمثلة بالتأخير في انتخاب رئيس للجمهورية وملء شغور سدّة الرئاسة لها ارتدادات وواقعها غير مريح»، لكنه وبقدر إدراكه لأضرار هذا الاختلال الوطني - المؤسساتي، يصرّ على تمكين حكومته من القيام بواجباتها كـ «مانعة صواعق» في لحظة الغليان الاقليمي، ولذلك فانه عرض أمامنا لـ «الإنجازات التي تمكّنت حكومتنا من تحقيقها في الأشهر الماضية، إن على المستوى الأمني وإن على مستوى إدارة شؤون البلاد»، وقال: «هذه الإنجازات أرست أجواء من الاطمئنان، فالكل يلمس ذلك ويعايشه».

هذا الاطمئنان للأوضاع في لبنان، الذي عبّر عنه سلام في حوارنا معه أصيب بـ «انتكاسة محدودة» لم تكن مستبعدة تماماً نتيجة وهج الأحداث في سورية والعراق، والتي تلفح لبنان بارتداداتها، وهو التقويم الحذر الذي عبّر عنه رئيس الحكومة أمامنا قبل انفجار ضهر البيدر يوم الجمعة، حين قال: «ندرك ان الوضع في المنطقة غير مريح وغير مستقرّ، لكن في لبنان وبالمقارنة مع ما يجري حوله فان الوضع جيّد ومُطَمْئن ويمكن تالياً للاخوة الكويتيين وسواهم الإفادة من ذلك والمجيء الى لبنان».

ولأن الجميع في بيروت يدركون ان لبنان ليس جزيرة معزولة عن محيطه اللاهب، وخصوصاً مع انضمام العراق بعد سورية الى «خط الزلازل» الاقليمي، فان ثمة مخاوف لم تعد مكتومة، ترتسم حول تجربة حكومة «ربْط النزاع» التي يترأسها تمام سلام، وتالياً حول مصيرها، هي التي وُلدت نتيجة مهادنة سعودية - ايرانية بعد مخاض ولادتها العسير الذي استمر 11 شهراً.

هذه المخاوف دفعتنا الى طرح السؤال التالي على الرئيس سلام: هل تخشون تعرّض حكومتكم، التي وُلدت في لحظة مهادنة سعودية - ايرانية، لانتكاسة نتيجة الشظايا الاقليمية للانفجار العراقي؟... بلغة تُزاوِج بين تقدير حجم الأخطار والرغبة في أشاعة اجواء الطمأنة، أجاب قائلاً: «الانفجار الأمني والسياسي الذي حدث اخيراً في العراق لم تصل تداعياته الى لبنان في ظل التحصين السياسي والأمني، وتالياً أعتقد انه لن تكون لهذه الأحداث تأثيرات مباشرة علينا».

غير ان سلام لم يغفل انه «سيكون لهذه الأحداث (في العراق) تأثير مباشر على التوازنات في المنطقة وعلى الوضع الإقليمي الذي يفيد لبنان في استقراره وهدوئه ويتأذى مباشرة باضطرابه اذا كان هذا الواقع الاقليمي في حال مواجهات غير مريحة». وما من ضمانات في رأي سلام لحماية الاستقرار في لبنان سوى «توافُق القوى السياسية في البلاد على عدم ترك الأمور تذهب الى مواجهات وتعقيدات داخلي».

رغم هذا التوافق السياسي «النسبي» الذي تَجسّد في حكومة «المصلحة الوطنية»، فان الأيام الأخيرة حفلت بتحذيرات من هنا ومن هناك من مغبة حدوث مفاجآت أمنية نتيجة حال الاحتراب في المنطقة. وفي تقدير رئيس الحكومة «ان التحذير من الأخطار الأمنية واجب في كل لحظة، لان هذه الأخطار لم تعد تقتصر على منطقة او شعب او بلد، فهي تنتقل وبأشكال مختلفة، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالإرهاب والإرهابيين الذين لا يوفّرون مناسبة لإبراز وجودهم ولتحقيق ما يعتبرونه مكاسب لهم ولما يمثّلونه من أفكار وعقائد».

وقال سلام لـ «الراي»: «علينا في لبنان، ولأننا مررنا منذ مدة ليست ببعيدة بتجارب عدة وتعرّضنا وعانينا، ان نكون يقظين ومتحفزين، فنحن مصرّون على بقاء لبنان محصّناً قوياً ومعافى في ظل هذه الحكومة، حكومة المصلحة الوطنية التي تم التوافق عليها وقيل عنها حكومة صُنع في لبنان»، آملاً «ان ينسحب هذا الأمر على انتخابات الرئاسة، فنحن نريد رئيساً صُنع في لبنان تعزيزاً لمسيرة التفاهم والاستقرار».

... في آخر النهار اول الليل، بدأت الشمس تلملم خيوطها الذهبية عن قرميد السرايا وقناطرها وباحاتها، وبدأ الارهاق يتسلل الى «دولته» الذي «لا يكلّ او يملّ» على مدى ساعات طويلة من العمل اليومي. وعندما شعر بأننا نميل الى اختصار الحوار، أصرّ وألحّ لكننا آثرنا نحن المغادرة، وهو شقّ طريقة الى «بيت المصيطبة» على مرمى العين من السرايا الكبيرة.

في المصيطبة، استمر القصر العتيق هو هو، يوم كانت تُصنع فيه الحكومات (1952 - 1973) ويوم جارت عليه الميليشيات (في الثمانينات) ويوم «استردّ» رئاسة الحكومة بعدما آلت لغيره على مدى أربعة عقود متواصلة.

خلف الجدران الرملية لهذه الدار التي قاومت على مدى 150 عاماً أعاصير الطبيعة والسياسة والفتن الأهلية حكايا عن زعامة وطنية - شعبية متوارثة من ايام الجد ابو علي سلام والوالد صائب الى تمام الذي نجح بـ «عقلانيته» في إبقاء هذا البيت على قيد الحياة السياسية.

ففي الطبقة الاولى من «برج» المصيطبة، وهو اللقب الذي استحقه قديماً، ليس لارتفاعه إنما لما يحوطه من أشجار، ديوانية استمرت مفتوحة أمام «البيارتة» الذين يأتون اليها صبيحة كل أحد بأٌقلّ ما أمكن من اجراءات بروتوكولية وبلا مواعيد وبالكثير من البساطة في العلاقة مع سيّد القصر الذي يحتفظ على الدوام بلياقته المعهودة مع الكبار والصغار، وبديبلوماسيّته المعروفة، وهو الذي لم ينقطع يوماً عن تأدية «الواجبات الاجتماعية» تجاه الناس.

قيم كثيرة تُميِّز «أبو صائب» المتعدد الثقافات بسبب الأمكنة المختلفة التي درس فيها... أُعجب يوماً بجمال عبد الناصر والملك فيصل وتشرشل وديغول بدرجة أقلّ، لكن تأثره المطلق هو بشخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإضافة الى إقتناعاته الدينية كمسلم سني، لا يميّز اعتداله بين طائفة وأخرى... اكتشف في شخصية النبي جوانب مهمة من خلال كتاب لأحد القامات المسيحية، هو النائب الراحل نصري سلهب الذي لاحظ ان النبي محمدا الوحيد الذي جمع ثلاث مفارقات في آن، فهو صاحب رسالة ومؤسس دولة وباني أمة.

«أحدب روتردام» علّم تمام سلام المطالعة، و«جيناته» العائلية سبب ميله لقيادة السيارات بسرعة، أما رومانسيّته فهي تمرين يومي في علاقته المرهفة بزوجته الثانية لمى بدر الدين (من النبطية).

... اشياء كثيرة يمكن ان تقال عن الرئيس سلام، ولعل أهمّها هو ان رصانته تجعل الآخرين يبادلونه إياها ولو مرغمين أحياناً.

التفجير الانتحاري هدفه زعزعة استقرار لبنان وجرّه إلى منزلق الفتن ومآسي المنطقة



| بيروت - «الراي» |

في اللحظة التي كان الرئيس تمام سلام يستعدّ لحزم حقائبه وملفاته، باغتت لبنان «هبّة» امنية ساخنة من خلال العملية الانتحارية التي نفذت عند حاجز لقوى الأمن الداخلي في ضهر البيدر وما رافقها من معلومات عن مخطط ارهابي خطير.

واستدعى هذا المناخ عقد اجتماع امني رفيع ترأسه سلام في السرايا الحكومية، وتم خلاله استعراض ما وصلت اليه جهود الأجهزة الأمنية في شأن معالجة المعطيات عن خطط محتملة لزعزعة الأمن يقوم بها أفراد باتوا في قبضة الجهات الرسمية او تحت مراقبتها.

وأعرب سلام في الاجتماع عن «استنكاره لعملية التفجير وألمه لسقوط الملازم في قوى الأمن محمود جمال الدين شهيدا، ولوقوع جرحى في صفوف العسكريين والمدنيين».

وقال: «ان هذا العمل الارهابي يهدف الى زعزعة الاستقرار في لبنان بعد النجاحات الأمنية التي حققها الجيش والاجهزة الأمنية في الأشهر القليلة الماضية، كما أنه محاولة لاضعاف المناعة الوطنية وجرّ بلادنا الى منزلق الفتن والمآسي التي تشهدها المنطقة».

وإذ أعرب عن ارتياحه للتدابير والإجراءات التي اتخذتها الاجهزة العسكرية والأمنية والقضائية ولقدرتها على السيطرة على الوضع، طلب من الوزراء المعنيين ومن قادة ومسؤولي هذه القوى «الحفاظ على أقصى درجات التأهب واليقظة ورفع مستوى التنسيق في ما بينهم، والمتابعة الحازمة لعملهم الوطني المشكور الذي يحظى بتأييد كل اللبنانيين، وذلك لافشال مخططات الساعين للعبث بأمن البلاد، ولحماية الدولة ومؤسساتها وسلمها الأهلي».

وقال «إن ما جرى يجب أن يشكل حافزا لجميع القوى السياسية الى التكاتف وضرورة بذل كل الجهود من اجل تفعيل عمل المؤسسات الدستورية لتحصين البلاد إزاء كل انواع المخاطر».

ودعا اللبنانيين الى اليقظة، محذّراً في الوقت نفسه «من الاستسلام للاشاعات والتهويل المفتعل والمخاوف غير المبرّرة».

«زيارة الرئيس عنوانها الصداقة والأخوة»

درباس لـ «الراي»: سنستكمل موضوع النازحين ... والكويت الدولة المانحة الأكبر حتى الآن



| بيروت - من آمنة منصور |

بعد أيام على زيارة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم للبنان، يزور رئيس الحكومة تمام سلام الكويت اليوم، على رأس وفد وزاري وإعلامي.

وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي يرافق سلام في زيارته، أوضح لـ«الراي» أن عنوان الزيارة بالدرجة الاولى هو «الصداقة والأخوة التي تجمع بين لبنان والكويت»، لافتاً الى ان «لبنان لا ينسى وقفة الكويت معه في أكثر من محطة، وهي سنَد حقيقي له في السراء والضراء». وأوضح ان الملفات التي يحملها رئيس الحكومة إلى الكويت كان «رآها بعينه رئيس مجلس الأمة الكويتي الأخ مرزوق الغانم، الذي عاين ومستشار سمو الأمير الدكتور عبدالله المعتوق والوفد المرافق مخيمات النازحين السوريين، ورأوا ما هي حاجاتهم وحاجات اللبنانيين على السواء»، مضيفا: «نحن ذاهبون إلى الكويت لإستكمال هذا الموضوع وتمكين المجتمع اللبناني من الاستجابة لهذا النزوح الذي بات يثقل كاهل لبنان». وإذ أشار إلى أن الكويت استضافت مؤتمر النازحين لدعم لبنان والنازحين، لفت إلى «أنها المانحة الأكبر حتى الآن»، واضاف: «نحن نرى أن شهية الأخوة الكويتيين مفتوحة لمساعدة اللبنانيين، ونحن نشكرهم لأننا لم نرَ منهم إلا الأخوة والصداقة والمحبة».

وختم: «لدينا عدة تصورات، وسنرى رغبة الأخوة الكويتيين بالمساعدة. سنقدّم لهم عدة مشاريع وقد يتبنّون بعض الأمور».