عبدالإله القناعي ... أول من أنشأ عيادة طبية على النمط الحديث

1 يناير 1970 06:36 م
• التحق بمستوصف المعتمدية البريطانية سنة 1908

• كان يقوم بنفسه بتحضير الأدوية ومزجها

• عالج الأمراض الفتاكة والمعدية وساهم في التطعيم ضد مرض الجدري

• كان يعالج المرضى بأجور رمزية

• سافر للهند وجلب منها كل ما يحتاجه من أدوية ومعدات طبية

• كانت عيادته بالقرب من كشك الشيخ مبارك الصباح
نحن اليوم مع سيرة الطبيب والصيدلي، عبدالاله القناعي الذي قدم العلاج والدواء، في زمن عزت تلك الامور فيه، نتحدث عن بدايته مع هذه المهنة الجليلة، وكيف اتقنها؟ واين كان موقع عيادته؟ ثم نتطرق باسهاب الى الامراض التي كان يعالجها، فلنترك عزيزي القارئ مع ذلك:

شهد حي الجناعات سنة 1890 في مدينة الكويت القديمة ولادة عبدالاله عبدالله القناعي الشخصية الكويتية المتعددة المواهب والانجازات والتي برز لها دور كبير وراسخ في الخدمات الصحية في حقب زمنية قلة فيها تلك الامور المتعلق في اهم ما يحافظ عليه الإنسان الا وهو صحته.

التحق في المدارس الاهلية المتاحة في تلك الايام الكتاتيب فتعلم في سن مبكرة اصول القراءة والكتابة وقواعد الخط العربي وختم القرآن الكريم، وميوله للادب والشعر جعله يتجه إلى اتقان علوم اللغة العربية المتعددة فنشأ في جو ثقافي علمي ولم يقتصر امره على ذلك من المكتسبات العلمية في الصغر بل اطلع على كثير من مبادئ الحساب ومسك الدفاتر التي كانت تبصر وتنور دارسيها تقييد العمليات الحسابية واصول البيع... وكل العلوم التي درسها واتقنها كانت لها اثر كبير خلال حياته العلمية.

الوالد

حين الحديث عن عبدالاله القناعي لابد أن نذكر والده عبدالله والذي كان له اثر بارز في حياته وتكوين شخصيته وتحديد مساره في الحياة... لقد نشأ في بيئة علمية رصينة فأسرته انجبت الكثير من العلماء فلا غرو أن يكون من الشخصيات البارزة في مجتمعه انذاك اتقن علوما عدة في الدين واللغة والادب وتعلم اللغة الانكليزية ... كما اتقن فنون الخط العربي وعلومه ومارس التدوين وهو نسخ الوثائق والسجلات وهي امور قلة من يتقنها ويهتم بها في الماضي وهي من الاهمية بمكان فهي تحفظ ايام الناس واحداثهم وتطور حضاراتهم ورصد المتغيرات ونظرا لما تمتع به من علوم ومعطيات ومؤهلات سهل له العمل كاتبا وموثقا (منشئ) للمعتمدية أو دار الاعتماد البريطاني حين افتتاحها في الكويت سنة 1904 ومما يدل على مكانه وكفاءته وتفانيه في العمل منحه من قبل الحكومة البريطانية وشاحا وعدة اوسمة ولقب «خان بهادر».

وقد هيأت تلك الوظيفة المرموقة لعبدالله القناعي الاطلاع على جوانب كثيرة في الحياة ومتغيراتها من احداث سياسية واجتماعية وتطورات في نواح شتى فالمعتمدية البريطانية لها وضعها الخاص ومكانتها لذلك ترك اثرا وثائقيا اودع فيه امور تاريخية متعلقة في تاريخ الكويت في تلك الحقبة.

التعلم

استهل عبدالاله القناعي حياته العملية في مركز طبي حوى اساسيات الطب الحديث والرعاية الصحية الا وهو المستوصف الذي انشئ في المعتمدية البريطانية التي كان يعمل بها والده وكان يقدم الرعاية الطبية للجميع لمن كان يعمل في المعتمدية وللاهالي وهيأ له ذلك العمل تعلم مهنة الطبابة والعلاج بجميع متعلقاتها الطبية والفترة التي التحق بها في هذه المهنة الانسانية الرائدة كانت الكويت بحاجة ضرورية لها وخصوصا تلك الفترة التي انتشرت بها الامراض المعدية والاوبئة الخطيرة والتي كانت تهدد حياة الناس ومن ذلك الجدري والطاعون والدرن... ولم تكن الخدمات الطبية متوافرة بل شحيحة فليس ثمة اطباء ولا دواء إلا ما ندر.

المساهمة

ساهم في تعلم عبدالاله هذه المهنة امور عدة منها الثقافة التي كان يتمتع بها فهو رجل متعلم وذو ميول ادبية اضف الى ذلك الذكاء والنباهة والكياسة التي كان يتمتع بها وجود الهيئة التمريضية المتميزة بكفاءتها فاكتسب كثيرا من العلوم الطبية والخبرة منها فلقد عمل حين انخراطه في مستوصف المعتمدية مساعدا للطبيب نور محمد والذي اصبح مسؤولا في المستوصف فتدرب معه على اعمال التمريض والتضميد وكان العمل مكثفا والحالات المرضية التي كانت تتلقى العلاج كثيرة جدا وكل صباح يوم يكسب ويتعلم الجديد في هذه المهنة المباركة فمزاولته لم تكن نظرية بل الجانب العملي والتطبيقي بها اكثر واساسي فالمرضى احوالهم وامراضهم كثيرة ومتعددة فكل له تشخيصه وعلاجه.

الإستمرار

فاستمر عبدالاله في التعلم والممارسة فأتقن الكثير من المهن الطبية وزاولها من تطعيم ووصف الحالات وصرف الدواء لها ولم يقتصر الامر على ذلك بل اصبح عنده معرفة في استعمال الادوات الجراحية وحين ترك الدكتور محمد نور البلاد ظل يعمل مع الدكتور كيلي فاكتسب منه وتعلم من ملازمته له فالاف المرضى سنويا كانوا يتلقون العلاج في المستوصف وخلال تلك الفترة الثرية بالمكتسبات التي تعلمها وعرفها عبدالاله في عمله طيلة سنوات في المستوصف من 1909 الى 1918 اصبح عنده قدرة ومعرفة في وصف العلاج وتركيب الدواء وصرف العلاج وعلاج الجروح وتضميدها وعلاج الاسنان وخلعها واجراء بعض الجراحات البسيطة.

المستوصف

ان الكم الكبير من الخبرة العملية والنظرية التي حازها عبدالاله القناعي خلال عمله في مستوصف المعتمدية ومنها اضحى احد كوادرها المميزين سهلت له طريق مواصلة هذا العمل الانساني بعدما اغلق المستوصف سنة 1918 فالبلاد كانت بحاجة ماسة الى الرعاية الصحية فالأمراض المعدية الفتاكة تعصف بها فلابد ان يسخر كل ما عرفه من علم تمكن منه في خدمة بلده وابنائه لذلك شد رحاله بعدما اختار المكان الذي سوف يمارس به الطبابة وتوجه الى مدينة بومباي في الهند لكي يجلب منها مايحتاجه في عمله فكل المعدات الطبية وما له علاقة بها متوافر فيها اضف الى ذلك جميع الادوية وما يتعلق من النظافة.

التاجر

كان هناك كثير من تجار الكويت مقيمين في الهند فسهل امره في جلب ما اراد عبدالاله للكويت حيث تعامل مع التاجر حسين بن عيسى القناعي لكي يوفر كل ما يحتاجه من ادوية ومعدات طبية لممارسة مهنته التي اصبحت منهجه وطريق حياته.

الانطلاق

وحين وصول المعدات الطبية وكل ما يتعلق بها من حاجات بادر على الفور في ممارسة مهنة التطبيب في المكان الذي اختاره الذي اطلق عليه الصيدلية الإسلامية للعلاج وبيع الأدوية وقد اتخذ مكانا مناسبا وسط السوق تحت كشك الشيخ مبارك الصباح ويعد هذا المكان مميزا من السهل الوصول اليه كونه قرب اعلانات الحكومة حيث الحائط الذي توضع بها الاعلانات قريب من عيادة عبدالاله والتي اطلق عليها في مدوناته «دواخانة».

الخدمات

الخدمات الطبية التي وفرها في عيادته كان يصعب تقديمها في ذلك الزمان لكن الحس الانساني الذي كان يتمتع به عبدالاله جعل عنده الاصرار في تخطي جميع العقبات التي تحول في توفير كل ما يحتاجه الناس من خدمة طبية تحافظ على صحتهم لذلك كانت عبارة عن عيادة طبية متكامة شاملة يعالج بها بمفرده الحالات المرضية فهو جمع في شخصه اعمال الفريق الطبي المتكامل، الطبيب والممرض والصيدلي والمعلم الصحي والمرشد والمشخص للحالات اضف الى ذلك النصائح التوعوية التي لا يفتأ في تقديمها وارشاد الناس اليها ولقد تزامن وجوده مع حاجة البلاد لمن يتقن العلاج ويتحدث بلغتها ومبصر بعاداتها وتقاليدها.

العلاج

لقد وفر عبدالاله القناعي في عيادته وهي مركزه العلاج والتطبيب لكثير من الامراض التي انتشرت في البلاد في ذلك الوقت وهذا الامر يندر حصوله في ذلك الزمان لاسباب كثيرة لكن امكانات المعالج عبدالاله القناعي سهلت ذلك الامر والامراض التي باشر علاجها امراض معنوية وتنفسية وجلدية وامراض العيون والاذن وآلام البدن... حتى الاسنان كان يعالجها سواء الالم أو الخلع ولم يقتصر علاجه على تلك الامراض بل يجري بعض العمليات البسيطة ويضمد الجروح ويعالج القروح والدمامل.

المكان

لقد اكسبته هذه المهنة المباركة مكانة خاصة وسمعة طيبة لدى اهل الكويت فكان يقصده الخاصة والعامة في طلب العلاج والدواء.

وظل يؤدي دوره الرائد في خدمة الناس في عقد العشرينات والثلاثينات ... لقد كان بمثابة المركز الصحي الذي يقدم الخدمات الطبية والوقائية للكثير من العلل والامراض ... وتوقف عن ممارسة هذه المهنة حين بدأت الكويت تتطور وبها الخدمات الصحية واسست دائرة الصحة.

التطعيم

كان من يحرص عبدالاله القناعي على سلامة الناس في تلك الايام وحث على التطعيم خصوصا من مرض الجدري الذي كان يعد من اخطر الامراض فلقد كان يقف في الطرقات ويقوم باعطائهم الحقن الوقائية من ذلك المرض... وكان لعبدالاله دور خلال تلك الفترة في نشر ثقافة التطعيم والوقاية من مرض الجدري إلى جانب جهود الشيخ مساعد العازمي وجهود اطباء الارسالية الاميركية فباشر في احضار امصال التطعيم ضد الجدري من الهند وقام بالاعلان وتقديم خدمة التطعيم للراغبين من الاهالي والمراجعين بأجور رمزية.وكان يحرص على رعاية المرضى ويذهب لزيارتهم ورعايتهم في بيوتهم إذا اقتضى الامر ذلك حيث يقوم بعمل غيارات للجروح أو الدمامل... وكان يقوم باعطاء حقن في بعض الاحيان.

المتوافر

كان يقوم بقياس درجة حرارة المريض... وصرف الدواء المناسب له... المكاييل الصيدلانية والعبوات الدوائية جميعها وفرها في عيادته... وادوات مزج المحاليل من السوائل وغيرها وتحفيزها كان هو بنفسه يقوم بتحضيرها ومزج المحاليل وتحضير العقاقير.

الوفاة

توفي عبدالاله في شهر مارس 1964 وكان عمره قد ناهز 74 عاما واوصى بثلث املاكه لكي يصرف في أعمال البر والخير والاحسان وترك اثرا كبيرا من الوثائق وسجلات التي تعد مصدرا تاريخيا مهما.

المصدر

اعتمدنا في هذه الترجمة على كتاب دواخانه دراسة توثيقية في تاريخ الكويت الصحي من خلال دفاتر عبدالإله القناعي إعداد الدكتور خالد الجارالله.