من هو المتطرف وما ملامح شخصيته، وكيف هي نظرته للأمور، وهل يرى الحقيقة بكلتا عينيه أم بواحدة فقط أم لا يراها إطلاقا، وهل كل متدين متطرف؟!، وما إلى ذلك من أسئلة كثيرة في هذا الشأن، تعريفات كثيرة للمتطرف، لكن ما لفت انتباهي الى تعريف دقيق وواقعي للأستاذ اريك هوفر حيث يقول عن سيكولوجية المتطرف وعلاقته بالجماهير: «إن المتطرف هو من يدعي انه يملك الحقيقة المطلقة ولا يقبل بنسبية الحقيقة الاجتماعية والسياسية والفكرية وهو احادي التفكير لا يقبل التعددية».
إذاً هناك الكثير من المتطرفين من يعيش بين ظهرانينا حسب التعريف السابق ومن هو أحادي التفكير الذي لا يرى إلا رأيه ولا سبيل لسماع ما لدى الآخر من فكر، ولا يعني ذلك أن المتطرف صاحب مبدأ، بل انه يمكن أن ينتقل من مذهب أيديولوجي إلى آخر، وفي كل مرة يضفي القداسة على مذهبه وبالدرجة نفسها من التطرف كما يقول الأستاذ رضا هلال. وهذه هي الطامة الكبرى.
ولا يمكن اقتصار مفهوم التطرف وتطبيقه على طائفة بعينها أو ملة، بل إنه يشمل جميع الملل والنحل ولكن بدرجات متفاوتة، وهي واقع نتاج لنمط تفكير معين وطريقة حياة خاصة، حيث ان التطرف عبارة عن سلوك نابع من التزام عقائدي متشدد ولكنه لا يكفي وحده لإنتاج التصرف السلبي، بل لا بد من وجود بيئة مناسبة تخلق أرضية صلبة لتشكيله وتأجيجه، وباعتقادي أن هذه البيئة هي المسؤولة عن مدى حدة السلوك المشين وبطريقة قد تؤدي إلى استخدام العنف البربري يلغى بسببه أي دور للعقل والمنطق، هنا فقط يمكن الإجابة عن سؤال: هل كل متدين متطرف وذلك لارتباطه بشكل كبير بالبيئة المنتمي إليها.
ودائما ما يتباهى المتطرف بأنه يلتزم مع معتقده ويترجم ما يؤمن به إلى حقيقة، ولنا في الخوارج خير مثال الذين ظنوا انهم يحسنون صنعا حيث «لا حكم إلا لله»، ألا أن ذلك الشعار ما هو في جوهره إلا «كلمة حق أريد بها باطل» بحسب وصف الإمام علي عليه السلام، وهم في نهاية الأمر تمكنوا من قتله فأي حكم هذا الذي آمنوا به.
ولا يتوارى المتطرف عن لقبه هذا بل يعتبره تشريفا ووساما يتباهى به حيث يفسر ذلك بقوة التزامه بالعقيدة وبلوغه قمة التكامل الروحي.
والأمثلة كثيرة في مجتمعنا الصغير حيث قناعاتهم لا تراجع عنها ورأيهم صائب حسب ظنهم لا يحتمل الخطأ ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب، ولذلك نجدهم بين الفينة والأخرى لا يتناهون عن منكر فعلوه مهما كلف الامر، وهم تارة يحسبون انهم يحسنون صنعا وتارة يعتبرونه دفاعا عن العقيدة، فلذلك نراهم لا يأبهون بنتاج سلوكهم العنيف ولا بآثاره، وهنا يكمن اجتماع الرأي الأحادي المتشدد مع مخلفات البيئة السيئة.
* كاتب ومهندس كويتي
[email protected]Twitter : @ ftaleb