بعد انهيار «حائط برلين» بين جبل محسن وباب التبانة ومن دون... ضربة كف

«لغز» خطة طرابلس بين حكومة «الصحوة» ... وتخلي «حزب الله» عن أتباعه

1 يناير 1970 04:05 م
... في طرابلس، عاصمة شمال لبنان «كأن شيئاً لم يكن»، فـ «حائط برلين» في شارع سورية انهار تحت انياب الدبابات، لكن من دون «ضربة كف»، فالجيش اللبناني باشر منذ مطلع الاسبوع خطة امنية للاجهاز على مظاهر الحرب بين جبل محسن وباب التبانة بعد نحو 20 جولة من القتال امتدت على مدى ستة اعوام وحصدت اكثر من 200 قتيل ومئات الجرحى وكادت ان تحول طرابلس «الفيحاء» مدينة منكوبة.

المفارقة الاهم في الخطة الامنية الاولى التي يكتب لها النجاح بعد سلسلة من الخطط المتهاوية، انها بدت وليدة قرار سياسي كبير تمكن من انهاء الحرب بالفقراء على طرفي خط التماس، الذي غالباً ما جرى تحميله وزر صراعات دولية واقليمية ترتبط بالصراع في سورية وعلى لبنان، قبل ان يجري «التحري» عن «كلمة السر» التي دفعت الجميع الى رفع الغطاء عن «ابطال» هذه الحرب والتواري اما الى خارج الحدود واما الى امكنة خفية.

ومما يجعل الامر اكثر إثارة ان من بين الفارين الزعامة العلوية التي كسبت مكانتها كقوة لا يستهان بها في الشمال من الوجود العسكري السوري لنحو اربعة عقود في لبنان، ومن ثم من «حزب الله»، الذي ورث عدة شغل سورية كما حلفائها بعد انسحابها في ابريل 2005. وتتمثل هذه الزعامة بالنائب السابق علي عيد، الذي تسلل عبر قارب الى سورية، ونجله رفعت الذي انتقل بدوره الى هناك.

اما المتوارون من «قادة المحاور» في باب التبانة، فهم خليط من قبضايات وزعامات محلية انتجها الفقر و»الجرح التاريخي» مع العلويين العائد الى ثمانينات القرن الماضي، ولفحها اخيراً «التشدد السني» المتعاظم نتيجة وهج الصراع في سورية، رغم ما كانت توفره مرجعيات طرابلسية من تغطية ودعم لهؤلاء لاعتبارات مصلحية ترتبط بالانتخابات النيابية ومحاكاة مزاج بيئات معينة.

الجميع على طرفي خط تماس شارع سورية بين جبل محسن وباب التبانة «تبخروا» مع دخول الجيش اللبناني المنطقتين وعمقهما، وسط اجواء اوحت بان التسريب المعتمد لمذكرات التوقيف القضائية بحق 200 من «نجوم» حرب طرابلس، كان بهدف افساح المجال امام هؤلاء للفرار الذي من شأنه ان يصيب هدفين بحجر واحد: انجاح الخطة الامنية ومن دون اراقة اي نقطة دم.

وعلى وقع مظاهر نجاح خطة «اطفاء النار» في طرابلس طرحت اسئلة «بالغة الحساسية» عن مغزى هذا التطور اللافت الذي «دشن» اطلالة الحكومة الحالية: هل من «صفقة ما» بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»؟ ما الذي دفع بـ «حزب الله» الى رفع الغطاء عن حلفاء له كعلي عيد في طرابلس او عن اتباع له كشاكر البرجاوي في بيروت؟ ما الذي يدفع «تيار المستقبل» الى استفزار بعض الشارع السني، المتمثل بقادة المحاور في باب التبانة؟

ثمة معلومات لـ «الراي» عن ان «الخطة الامنية التي نوقشت في مجلس الدفاع الاعلى واتخذ القرار في شأنها في مجلس النواب لم تكن في بادئ الامر تحظى بحماسة الامنيين، لكنها رأت النور نتيجة طحشة سياسية تولاها وزيرا تيار المستقبل»، نهاد المشنوق واشرف ريفي، ومن المرجح ان يكون الامر تم بـ «ضوء اخضر» من “حزب الله”.

وثمة من يعتقد، في هذا السياق، ان «تيار المستقبل»، الذي يشكل المرجعية السنية الاكثر تمثيلاً في طرابلس، كما في لبنان، تعاطى على الدوام مع «حرب» جبل محسن – باب التبانة كـ «دفرسوار» اراده النظام في سورية وحلفاؤه في لبنان في اطار خطة استنزاف لـ «المستقبل» في واحد من معاقله، وتالياً فان من مصلحته القصوى والطبيعية إنهاء هذه البؤرة من التوتر الدائم التي تهدف الى ترويع المدينة وإذكاء تيارات التشدد في وجه إعتداله.

ورغم ان هذه المقاربة وجدت من يصف الحكومة الحالية بـ «حكومة الصحوات»، نسبة الى كتائب «الصحوة» في العراق، لاعتقادها ان «حزب الله» نجح في وضع وزراء من «تيار المستقبل» الستة في مواجهة مع مظاهر التشدد السني في طرابلس او عرسال، فإن اوساط هذا التيار تجزم بأن طي الصفحة السوداء في طرابلس يشكل إفشالاً لدور كان اعتمده «حزب الله» لافتعال التوترات في المناطق المحسوبة على «المستقبل» لانهاكه واضعافه.

واذا كان «تيار المستقبل» اعتبر نفسه رابحاً من نجاح الخطة الامنية، فما الذي حققه «حزب الله» مقابل تخليه عن المحسوبين عليه كالعيدين والبرجاوي وسواهم؟...

ثمة انطباع في بيروت بان «حزب الله» اما تصرف على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» بعدما اصبح الامن اولويته نتيجة الضربات الموجعة التي تعرضت لها بيئته بفعل العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة واما انه حقق «هدفاً كبيراً» من جراء الترتيبات الامنية في طرابلس والبقاع والشمالي (اي عرسال).

ففي تقدير بعض الاوساط ان الخشية من تمدد تنظيم «القاعدة» في اتجاه الداخل اللبناني جمع المتناقضين، اي «حزب الله» و»تيار المستقبل» على قاعدة ان «المصيبة تجمع» وهما قدما ما يلزم لجعل استتباب الامن اولوية في المرحلة الحالية في لبنان.

واذا كان «تيار المستقبل» لا «يعيش» الا في وعاء من الاستقرار الامني نتيجة لطبيعته، فان الامر ينطوي على تبدل في تكتيكات «حزب الله» الذي ربما اكتشف ان دعم مجموعات سنية موالية له لاضعاف «تيار المستقبل» ساهم في استفزاز «الساحة السنية» والى جنوحها نحو المزيد من التشدد، الذي انتج انتحاريين، واحد من صيدا وآخر من عكار.

اما الاهم في تقديرات الدوائر المراقبة، فهو ان «حزب الله» الذي نجح في احكام قبضته على اجزاء واسعة من الحدود اللبنانية - السورية بعد معارك القلمون في الشرق وقلعة الحصن في الشمال، اصبح من مصلحته اطلاق يد الجيش شرقاً وشمالاً لإمساكه بالبيئات التي تأوي التكفيريين والمتشددين وبهذا المعنى فان ما يقوم به «حزب الله» على الحدود يستكمله الجيش اللبناني في الداخل.

الادعاء على رفعت عيد و11 آخرين بجرم الانتماء الى تنظيم إرهابي



| بيروت - «الراي» |

على وقع استكمال الخطة الامنية في عاصمة الشمال طرابلس، فجّر القضاء اللبناني ما يشبه «القنبلة» ذات الارتدادات السياسية بادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على المسؤول السياسي في «الحزب العربي الديموقراطي» رفعت عيد بجرم «الانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح يهدف الى القيام بأعمال ارهابية والاشتراك في أحداث جبل محسن وحيازة أسلحة وإثارة النعرات المذهبية والطائفية».

وجاء هذا الادعاء في ملف مواجهات جبل محسن (العلوية) - باب التبانة (السنية) والذي شمل ايضاً 11 شخصاً بينهم واحد موقوف، ليحكم الطوق القضائي على الحزب العربي الديموقراطي بعدما كان القضاء أصدر مذكرة توقيف غيابية في حق رئيس الحزب (والد رفعت عيد) والقيادي العلوي الأبرز في جبل محسن النائب السابق علي عيد بجرم تهريب احد المطلوبين في تفجيريْ مسجديْ التقوى والسلام اللذين وقعا في عاصمة الشمال في 23 اغسطس الماضي وأسفرا عن مقتل اكثر من 50 مدنياً وجرْح نحو 900.

ومع الخطوة القضائية بحق رفعت عيد (الملاحَق ايضاً في قضية تهديد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي) في ملف أحداث طرابلس، يكون الطريق قُطع على اي إمكان لعودة الـ «عيديْن» الى جبل محسن او لبنان بعدما كانا فرا الى سورية عشية بدء تنفيذ الخطة الامنية لطرابلس عقب صدور استنابات قضائية بحقهما.

واعتُبر السير بملف علي ورفعت عيد حتى النهاية قضائياً بمثابة تكريس لـ «قطْع ورقتهما» ورفع الغطاء الكلي عنهما من حلفائهما في لبنان ولاسيما «حزب الله»، علماً ان الاثنين هما من حلفاء نظام الرئيس بشار الاسد.