أكد أنه «يمكن لحكومة لم تنل الثقة أن تحلّ محلّ رئيس الجمهورية في حال الفراغ»
جريج: لا نستطيع قول إن هناك مقاومة إلا ضمن استراتيجية الدولة
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
03:34 م
ثمة «علامات فارقة» في الحكومة اللبنانية الجديدة، لعلّ أكثرها «صفاءً» رمزي جريج... القامة القانونية ونقيب المحامين السابق، رجل الحريات الدائم والسياسي الذي لم تسجنه السياسة، المثقف اللطيف والمحاور بلا مساومات.
المحامي رمزي جريج (1940) وزير إعلام الحكومة الجديدة، اقترن باكرا بالإعلام حين تزوّج من منى كتانة الصحافية في جريدة «لوجور» العام 1968 وأنجب عالما من «حرية التعبير» مع ولديْه خليل المخرج السينمائي ولمى الفنانة التشكيلية.
الوزير جريج، ابن «14 آذار» وصديق أحد ألمع عقولها سمير فرنجية، صار لسان حكومة «الألسنة الكثيرة»، لكنه يدرك جيدا ان مهمته الوزارية لن تكون على حساب اقتناعاته السياسية والوطنية.
وفي جلسة حوار، امس، مع جمعية مراسلي الصحف العربية في لبنان تطرّقت الى كل قضايا الساعة لبنانيا، أطلق جريج في حضور المدير العام لوزارة الاعلام حسان فلحة ومديرة «الوكالة الوطنية للاعلام» لور سليمان صعب سلسلة مواقف لافتة أطلّ من خلالها على الشأن اللبناني بتعقيداته كافة.
وأمام وفد جمعية مراسلي الصحف العربية في لبنان برئاسة عمر حبنجر، وعضوية كل من نبيه برجي، وسام بو حرفوش، حسين حميه، جورج علم، عمر بردان وأسعد فغالي، اكد جريج أن «المس بالكرامات والتطاول غير جائز»، سائلا: «أي حرية تلك التي تجيز لصحافي او إعلامي ان يتناول بالتشهير وبالقدح والذم رمز البلاد ورأس الدولة وحامي الدستور والمحافظ على الارض وعلى الحريات؟»، في اشارة الى الحملة التي يتعرّض لها الرئيس اللبناني ميشال سليمان من قوى «8 آذار» وإعلامها.
وقال في السياق نفسه: «أنا هنا لأدافع عن الحريات، ولكن في الوقت نفسه أدعو الاعلاميين الى المزيد من التعقل والى مواجهة الامور بروية وموضوعية، فلا يجوز ان تصبح الحلقات السياسية في التلفزيونات حلبات مصارعة، بل يجب ان تكون مكانا للحوار والمناقشة الموضوعية، وأدعو الى المزيد من الحرية، ولكن الحرية المسؤولة التي تعي المصلحة الوطنية العليا». وأضاف: «سأجتمع مع المجلس الوطني للاعلام الذي هو مجلس استشاري، وأريد أن أستمزج رأيه، وسأتصل بمسؤولي وسائل الاعلام وأطلب منهم تغليب المصلحة العامة على المصالح الاخرى».
وتابع: «اليوم أدافع عن مقام رئاسة الجمهورية، وطلب وزير العدل من النيابة العامة ان تتحرك. أنا لا أتدخل في شؤون القضاء، فالقضاء عندما يرى مناسبا ان يتحرك لحماية مقام الرئاسة فأنا لا أعلق على تحركه، لأنه مستقل ويجب ان ندعم استقلاله ولا نعلق على تحركاته. وأنا لست وزيراً للعدل، فوزير العدل طلب من النيابة العامة التحرك، واستنسب ذلك، وأتفهم موقفه».
واشار ان «فخامة الرئيس قال ما قاله عن المعادلة الخشبية، ولا أريد الوقوف عند العبارات المستعملة». وقال: «لقد ذكّر رئيس الجمهورية بإعلان بعبدا الذي حظي بموافقة كل الأطراف السياسيين، بمَن فيهم حزب الله، ضمن هيئة الحوار الوطني، وذكر بإعلان بعبدا الذي ينص على تحييد لبنان عن الصراعات العربية وعلى النأي بلبنان عن الحرب في سورية، فالمعادلة الخشبية قصد فيها فقط انها اصبحت شعارا».
ورأى أنه «ليس الآن وقت التمسك بالألفاظ في هذه الحكومة التي جمعت كل الاطراف السياسيين بنتيجة تنازلات من الجميع، بل المطلوب أن نرى ما هو برنامج هذه الحكومة خلال الاشهر الثلاثة من عمرها. اولاً يجب ان تكون حكومة مصلحة وطنية، وهذا العنوان أطلقه الرئيس تمام سلام منذ تكليفه، وقال سنؤلف حكومة مصلحة وطنية».
واعتبر وزير الاعلام أن «الهمّ الأكبر عند الناس الآن هو الهم الامني، وعلى الحكومة ضمن خطة التنسيق بين كل مكوّناتها، محاربة الارهاب واشاعة الامن في ربوع البلاد. والناس يخافون أيضا الفراغ الدستوري عند الاستحقاق الرئاسي، فعلى الحكومة ان تقول انها ستهيئ الاجواء المناسبة من اجل اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري. والناس ايضا مهتمون بأمور حياتهم اليومية، وتستطيع الحكومة ان تؤمن المطلوب بالقدر الممكن، ولا يمكنها أن تصنع المعجزات على هذا الصعيد. كذلك على الحكومة ان تعتمد مشروع قانون انتخابات نيابية، والواقع ان هناك مشاريع موجودة امام المجلس النيابي، فعلى هذا المجلس ان يصوت على أحدها من أجل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها او في موعد مبكر».
واذ شدد على أن «لا أحد يناقش في حق لبنان في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وهذا من باب تأكيد المؤكد»، أمِل أن “تتخطى لجنة البيان الوزاري النقاش الحاصل والمواقف المتشنجة للاتفاق في اجتماع الجمعة المقبل على صيغة مقبولة من الجميع».
وأوضح أن «هناك ثغرا كثيرة في الدستور، وقد كتب عنها الكثير من رجال القانون، ولكن ليس الوقت الآن ملائما كي نقوم بتعديل دستوري. ينبغي ان نطبق الدستور في هذه الظروف الصعبة، ومن ثم نرى كيف يمكن سد هذه الثغر».
وذكّر بأن «لجنة البيان الوزاري انطلقت من نقاط عدة واتفقت عليها كلها، وبقيت نقطتان هما اعلان بعبدا وموضوع المقاومة. في النقطة الاولى توصلت اللجنة الى صيغة مقبولة باعتبار ان الموافقة على كل مقررات هيئة الحوار الوطني تتضمن الموافقة على اعلان بعبدا وان المهم ان يشار الى تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية وعن الحرب الدائرة في سورية». اضاف: «ولكن بالنسبة الى المقاومة أصبح النقاش أصعب. لقد تجاوز أعضاء اللجنة التمسك بالثلاثية، ولكن عندما وصلوا الى المقاومة، بدا أن هناك فريقاً يريد المقاومة و«نقطة على السطر»، وهناك مَن يريد الربط بين المقاومة ومرجعية الدولة».
وتابع: «أنا مع المقاومة ومع تجاوز التمسك بالالفاظ، وانما لا نستطيع ان نقول ان هناك مقاومة إلا ضمن استراتيجية الدولة، كي تحدد أوقات عمليات المقاومة بحيث لا تؤدي الى نتائج مجهولة بالنسبة الى الدولة. ولا يجوز عدم التنسيق بين الدولة والمقاومة في مواجهة هذه الاحداث».
وأشار رداً على سؤال الى أنه «يمكن لحكومة لم تنل الثقة، وهي حكومة تصريف أعمال، أن تحل محل رئيس الجمهورية عند حصول فراغ رئاسي. والمادة التي لحظت ان الحكومة تحل محل رئيس الجمهورية عند خلو هذا المركز، لأي علة من العلل، لم تلحظ طبيعة الحكومة. وحيث لم يميّز المشترع لا يجوز التمييز».
وأضاف: «أما موضوع تصريف الاعمال فيتعلق بصلاحيات الحكومة وليس بصلاحيات رئيس الجمهورية التي حددها الدستور. إذاً، حكومة تصريف الاعمال تستمرّ في تصريف الاعمال، ولا شيء يمنع ذلك، ولا تصريف أعمال بالنسبة الى صلاحيات رئيس الجمهورية المحددة في الدستور». وتابع: «تبقى نظرية أن تصريف الاعمال تبيح القيام بأعمال تفرضها العجلة أو حالة الضرورة، وأي ضرورة هي أكثر إلحاحا من فراغ رئاسة الجمهورية؟ في كل دساتير العالم لدى الحكومة كل الصلاحيات منذ تأليفها، والدستور اللبناني استثنى ذلك بفذلكة الطائف، وقال إنها تصرف الاعمال لغاية الثقة، ولكن من الهرطقة القول إن الحكومة تولد مع الثقة، لأنها تولد بمجرد صدور مرسوم تشكيلها».
وأمل جريج الاتفاق على صيغة بيان وزاري في ملاقاة الاستحقاق الرئاسي، «وهناك رغبة في ان يتم في موعده لدى القوى السياسية الرئيسية ولدى البطريرك الماروني الذي هو مرجع روحي، ولكن يمكن ان يدعو غبطته جميع النواب لا سيما منهم المسيحيين الى حضور جلسة انتخاب الرئيس. ونأمل ان يجري انتخاب الرئيس، وأن يختار النواب بين اكثر من مرشح، وقد سبق ان انتُخب في لبنان رئيس جمهورية بفارق صوت واحد عن منافسه».
واكد «ضرورة انتخاب رئيس قوي بفكره وعقله، يحظى بتأييد شعبي من كل شرائح المجتمع وليس من شريحة واحدة». وقال: «يجب ايضا ان يمثل الشريحة التي ينتمي اليها. نريد رجلا يفرض هيبته على المركز، لأن رئيس الجمهورية هو رمز البلاد ورأس الدولة ورأس الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه، ويرعى لبنان كله».
وأضاف: «صحيح ان الدستور نقل السلطة الاجرائية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، وهذه نتيجة تسوية الطائف، انما الجميع اتفقوا على ذلك، وانما منحوا رئيس الجمهورية حق ترؤس اجتماعات مجلس الوزراء دون التصويت، وأعطوه صلاحيات كحكم وقائد للقوات المسلحة وممثل لبنان، والصلاحية الأهم هي التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة».
واستغرب «ألا يعلن غبطة البطريرك تضامنه مع رئيس الجمهورية، لأن بكركي كانت دائما الى جانب رئيس الجمهورية وما يرمز اليه، ولكن لم يفت الاوان بعد كي يعلن البطريرك تضامنه مع الرئيس واستهجانه للحملة التي يتعرض لها، خصوصا أن مجلس المطارنة الموارنة سيجتمع غدا (اليوم). وقد تكون مشاغل غبطة البطريرك حالت دون ذلك، وانا أدعوه بإلحاح الى الاسراع في اتخاذ موقف تضامني مع رئيس الجمهورية لما يرمز اليه المركز، فهو ضمير كل اللبنانيين».
وأشار الى أن «هناك الكثير من القوى السياسية تضامنت مع الرئيس، منها حزبا الكتائب والقوات اللبنانية ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والشيخ بطرس حرب وكثيرون، وادليت بأكثر من تصريح اعلنت فيه استنكاري للحملة على رئيس الجمهورية وما يرمز اليه، ولكن بالنسبة الى العماد عون، اكيد انه منزعج من التطاول على مقام رئيس الجمهورية، وكذلك سليمان بك فرنجية، فهؤلاء زعماء يعلمون انه لا يجوز التعرض لمقام الرئاسة».
ورداً على سؤال، اكد جريج انه «مع حرية النقد والانتقاد السياسي وحرية ابداء الرأي»، مشددا على انه «لا يجوز التطاول على رئيس الجمهورية وتحقيره والقدح والذم به».